بوريطة يتباحث بالرباط مع نظيره الغاني    تفكيك شبكة لترويج المخدرات بطنجة وتوقيف ستة من أفرادها    الحاجب يستقبل محطة جديدة لمعالجة المياه العادمة بجماعة أيت نعمان    إطلاق المنصة الوطنية لرصد وفيات الأمهات والمواليد الجدد لتعزيز الجودة والحكامة في المنظومة الصحية    الرابور PAUSE FLOW أمام القضاء بتهمة إهانة هيئة منظمة    ( الحب المر)... فيلم يكشف الوجه الخفي للنرجسية داخل الأسرة المغربية    المحكمة الابتدائية بأصيلا تنظم مائدة مستديرة حول "قراءة في قانون المسطرة الجنائية بالمغرب"    "الأحرار" يصادق على تصوره للحكم الذاتي تمهيداً لرفعه إلى الملك    جدل داخل البرلمان حول مقترح حلّ الأحزاب التي لا تشارك في الانتخابات    تتويج أشرف حكيمي بجائزة أفضل لاعب إفريقي.. إشادة واسعة من قبل وسائل الإعلام الفرنسية    بوريطة يستقبل رئيس الجمعية الوطنية لجمهورية تنزانيا المتحدة    نبيل باها: "اللاعبون مستعدون لمواجهة البرازيل والفوز بالمباراة"    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء سلبي    ملف إسكوبار الصحراء .. النيابة العامة تكشف اختلالات خطيرة في العقود الموثقة    تنسيقية الأطباء تحذّر مجلس المنافسة من سعي "أكديطال" لاحتكار القطاع الصحي عبر الاستحواذ على Rochaktalim    في مداخلة له خلال الدرس الافتتاحي للجامعة الشعبية بمكناس .. وسيط المملكة: الإنصاف أعلى من القانون حين يُظلم المواطن    الكاف يتجاهل المدرب محمد وهبي    الحكومة تكشف حصيلة المستفيدين من الدعم المباشر لمربي الماشية    تكريم فريق جمعية الأوائل للأطفال للأطفال في وضعية إعاقة إثر ظفره بكأس العرش لكرة القدم داخل القاعة    المغرب يترأس المجلس الدولي للزيتون    تحقيق إسباني يكشف استعمال النفوذ للحصول على صفقات في المغرب وخلفيات ذكر اسمي اعمارة ورباح    أجهزة قياس السكر المستمر بين الحياة والألم: نداء أسر الأطفال السكريين لإدماجها في التغطية الصحية    الحكومة تقر "تنظيم مهنة العدول"        المغرب يحل ثالثا وفق مؤشر الأداء في مجال التغير المناخي (CCPI)        جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    السكتيوي يعلن الجمعة لائحة الرديف    الفنان المغربي إِلياه والنجم المصري محمد رمضان يجتمعان في أغنية جديدة    في الحاجة إلى فلسفة "لا"    ناسا تكشف عن صور جديدة للمذنب 3I/Atlas القادم من خارج النظام الشمسي    منظمة الصحة العالمية تحذر من الزيادة السريعة في استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية    غوغل تطلق أداة جديدة للبحث العلمي    وزارة الاقتصاد والمالية تصدر ميزانية المواطن لسنة 2026    الإنصاف أخيرا لأشرف حكيمي..    تدشين غرفة التجارة المغربية بإيطاليا في روما    مناورات مشتركة بين قوات المارينز الأميركية ونظيرتها المغربية تختتم في الحسيمة    منتخبات ‬وفرق ‬وطنية ‬تواصل ‬التألق ‬وتخطيط ‬متواصل ‬يجعل ‬من ‬كرة ‬القدم ‬رافعة ‬تنموية ‬كبيرة    مونديال 2026.. جزيرة كوراساو الضيف المفاجأة    أمريكا تقدم "خطة السلام" في أوكرانيا    أوكسفام: "ثروات الأثرياء" في ارتفاع    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    تقرير: نصف عبء خدمة الدين الطاقي في إفريقيا تتحمله أربع دول بينها المغرب    كأس ديفيس: المنتخب الايطالي يتأهل لنصف النهاية على حساب نظيره النمساوي    منظمة الصحة تحتاج إلى مليار دولار    معمار النص... نص المعمار    لوحة لغوستاف كليمت تصبح ثاني أغلى عمل فني يباع في مزاد على الإطلاق    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يعلن عن تشكيلة لجنة التحكيم    "صوت هند رجب" يفتتح مهرجان الدوحة السينمائي2025    مهرجان الناظور للسينما والذاكرة المشتركة يخلد اسم نور الدين الصايل    الأكاديمية الفرنسية تمنح جائزة أفضل سيرة أدبية لعام 2025 إلى الباحث المغربي مهدي أغويركات لكتابه عن ابن خلدون    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من هم 'إخوان' القرضاوي في المغرب؟ وَلِمَنِ الولاء اليوم؟
نشر في لكم يوم 17 - 09 - 2013

قال القرضاوي في خطبة مِنبرية ساخنة: "اللهم انْصرْ إخواننا المسلمين... في سائر بلاد الإسلام": اللهم انْصرْ إخواننا في مصر وسوريا والعراق وليبيا وفلسطين...، وباكستان وبنكلاديش... "اللهم انصر إخواننا في المغرب!" .
عندما طرق لفظ المغرب أذني انتفضتُ! رجعتْ بي الذاكرةُ إلى منتصف القرن الماضي، إلى مرحلة انتفاضة شعوب إفريقيا وآسيا ضد الاستعمار، حيث اعتاد الوالدُ، رحمه الله، أن يرفع الأكف إلى العلي القدير طالباً نصرة "إخواننا المسلمين" ضد الاستعمار في جميع بلاد الإسلام. أما قبل الاستعمار فكان الدعاء يَعُم دار الإسلام ضد دار الكفر، حسب مفاهيم ذلك الزمن وواقعه. إذا سلمنا بأن البلاد التي ذكرها القرضاوي كلَّها بلادٌ مُستقلة منذ عقود، ومسلِمة منذ قرون، فما المقصود ب"إخواننا المسلمين... في سائر بلاد الإسلام"؟ وما معنى أن ينتصروا في هذه البلاد؟ هل يتعلق الأمر بنشر الإسلام من جديد كما شرط الشيخ المغراوي على حزب العدالة والتنمية مقابل نصرته لهم ليبقوا في الحكم إلى يوم الدين، أم يتعلق بقراءة جديدة مجددة لأفكار أصحاب "جاهلية القرن العشرين"؟
قوس: كان الشيخ في قمة الانفعال لدرجة أنهُ مَرَّر يدَه كسكِّين حاد على رقبته طالبا أن يُقتل في سبيل الله، صائحا مُهددا: "أنا لا أخاف منهم، أنا أقوى منهم، أنا أقوى من السيسي ومن رجاله..."! كانت يده اليمنى ترتعش كورقة في مهب ريح عاتية، ولُعابة يتطاير، أما وجنتاه فكانتا بلون الورد. ولأن هذه الرغبة تناقض سلوكه (حين قطع عطلته وهرب من القاهرة بعد الموجة الجديدة من الثورة المصرية)، فإننا نفهم أنها رغبة مجازية (ذِكرُ الذات وإرادة الآخر)، الغرض منها دفع مستمعيه إلى الهاوية، وقد وصلت الرسالة، وزادت حطبا في موقد الفتنة، وسيكون له من الله جزاءُ مَن أيقظها.
المقصود إذن بعبارة "إخواننا المسلمين" هم الجماعة التي عُرفت بهذا الاسم، جماعة حسن البناء وسيد قطب. هذه هي الجماعة التي يريد لها أن تنتصر على المسلمين! على مسلمي الأزهر والزيتونة والقرويين وجمهور العلمانيين! لقد حاول أن يخدع المستمعين وهو يستعمل عبارة معهودة عند الخطباء في النسق الفكري القديم، وفي ظروف محاربة الاستعمار، ولكن عملية الإحصاء التي ورد فيها اسم المغرب كشفت سوء نيته. هذا الخطاب السيئ يطرح أسئلة محرجة:
أولها سؤال المقام الخَطابي: كيف سوَّغ "خطيبُ الجمعة" لنفسه استعمالَ منبر المسجد ليطلب من الله نَصْرَ جماعتِه وحزبِها على باقي المسلمين، والحال أن هذا المسجد مفتوح في وجه المصلين من كل الجماعات والأحزاب؟ وإلى أي حد ينسجم هذا السلوك مع أكذوبة "رئيس المؤتمر العالمي لعلماء المسلمين"(!)؟
قوس: انكشفت هذه الأكذوبة أخيرا لنائب القرضاوي الفقيه الموريتاني ولد بية فقدم استقالته معللا ذلك بكون ذلك الاتحاد لم يعد بيئة صالحة للدعوة إلى الإصلاح الذي ظن أنه انشئ من أجله. والحقيقة أن الفقيه الموريتاني (العامل حاليا في جدة) لم يكن في حاجة إلى هذه اللحظة الفاضحة لكي يدرك طبيعة ذلك الاتحاد النفطي. ونحن نتوقع أن يكون هذا الانسحاب فرصة لترقية الفقيه الريسوني الذي صار يردد أصداء القرضاوي ويعبر عن رغباته، فقد زالت من أمامه كل الحواجز، وتكاثرت الحوافز، وأشرف على إنهاء فترة التدريب. انتهى.
وتدعيما لخدعة "الإخوانية الإسلامية" اقترف القرضاوي مغالطة أخرى كلها إعناتٌ: حاول توريط المستمعين الحاضرين منهم والمُفترضين متدرجا في سلم "الإلزام" من ضمير المتكلم إلى المخاطب قائلا: "نحن معهم، كلنا معهم، أنتم معهم"!!. وهذا انزلاقٌ خَطابي مُغالط، لأنه ادعى أمرا غير واقع، وقرر في مكان الآخرين دون تخويل منهم. واستعمال المنابر في الدعاء لجماعة أو حزب معين داء شائع في المشرق العربي، نتمنى ألا نسقط فيه في المغرب. على أن احتكار المخزن لمنابر المساجد واستعمالها عند الضرورة لا يقل خطورة عن الاستعمال الحزبي.
السؤال الثاني، وهو الذي يهمنا أكثر، هو: من هم إخوانُ القرضاوي في المغرب الذين يطلب من الله نصْرهم على باقي المسلمين (في بلدانهم)؟
طبعا أنا أعلم أن القرضاوي وإن صار متحالفاً الآن للضرورة مع الجماعات التي كان بالأمس القريب يُفسِّقها وتُكفِّره (من الجهاديين إلى المتصوفة) فإنه لن يصل إلى حد إدخال تلك الجماعات تحت خيمة "إخوانه المسلمين"، ولذلك فهو لا يعني لا الشيخ المغراوي وجماعته (من بقي معه ومن انشق عنه)، ولا ورثة الشيخ ياسين، ولا فلول التكفيريين/الجهاديين الذين ما انفكت قوات الأمن عندنا تَنتِف ريشهم وتكسر أغصانهم محتفظة بسيقانهم وجذورهم "الدالة" عليهم. السلفيون الجهاديون والقَعَدَةُ (أو الخلايا النائمة)، والمتصوفة السنيون والمبتدعة، هؤلاء قطع غيار تستعمل في الملمات (يسمونهم حطب جهنم)، وليسوا من الإخوان، ولذلك تُقضَى الأمور دونهم مع أمريكا وقطر وتركيا في إطار التنظيم العالمي للإخوان المسلمين.
لا يبقى إذن إلا أن نفترض أن "إخوانه المسلمين" الذين يريد نصرهم على باقي المغاربة هم ورثةُ سر "الشيخين" مطيع والخطيب، مهما تفرقت بهم السبل، ومهما دقوا بينهم من "عِطْر مَنْشِم". ينبغي اليوم إعادة قراءة العلاقة بين الدكتور الخطيب وبين المخزن في إطار ما يتكشف شيئا فشيئا من علاقة الإخوان المسلمين بالحكام، وما كشفته هيئة الإنصاف والمصالحة من اشتراك جهاز من أجهزة الدولة السرية مع هذين "الشيخين" وأتباعهما في اغتيال عمر بنجلون سنة 1975. فقد كان تصوُّرنا السني للإسلام طوال العقود الماضية، وعدم تفريقنا بين جناحي الإخوان (البنائين والقطبيين) يحولان بيننا وبين فهم شخصيات مثل شخصية عبد الكريم الخطيب، شخصيات كنا نضِنُّ عليها بصفة الإسلامية لمثالية تصورنا، شخصيات تبرر الوسائل بالغايات، وتحدد الغايات بحسب مستواها العلمي/الثقافي الضحل، ومصالحها المادية الآنية، وأحقادها الحارقة. كنا نعتبرهم مجرد أدوات في يد أجهزة المخزن، يعيشون في القصور، ويتظاهرون بما ليس فيهم، وهم مستعدون "لمسح السماء بإسفنجة"، كما فعل مطيع في تصريح له حديث حين ادعى أن قتلة عمر بنجلون لم يكونوا ينتمون للشبيبة الإسلامية بحال من الأحوال، فهذه مجرد نسخة مطابقة لقول حسن البناء في أعضاء التنظيم الخاص العسكري السري للجماعة عندما انكشف أمرهم: "هؤلاء ليسوا من الإخوام وليسوا مسلمين"! وحين جاء المرشد الوالي قال: نتعبد الله بالتنظيم الخاص .
عناصر الترجيح كثيرة في هذا الامتداد: من ذلك أن هذا الفصيل من الدينسية المغربية (خلط الدين بالسياسة) سبق له أن استدعى القرضاوي في دورة تدريبية بمناسبة مؤتمر شبيبته، بمكناس فيما أذكر. وطرح عليه الأسئلة التي كان من المفروض (حفاظا على الوحدة الوطنية، واحتراما لاجتهادات علماء المغرب، أصحاب النوازل) أن تُطرح على أجهزة الوزارة المكلفة بالشؤون الإسلامية المغربية، ما دام الحزب حريصا على إمارة المؤمنين، ليتداول فيها العلماء المغاربة، فما رجحوه يكون اجتهادا مغربيا وحلا وطنيا.
ومن أشهر ما طرح على القرضاوي وقتَها قضيةُ القروض من الأبناك التقليدية التي اختلف فيها علماء المسلمين، بين مجيز ومتحرج ومحرم. وقد كان جواب القرضاوي صفعة للسائلين لو كانوا يعقلون. فقد صنف سكان المغرب في خانة المغتربين في أرض الكفر. (هذه الفتوى هي مفتاح ما جاء في خطبته الأخيرة، فإخوانه في المغرب هم هؤلاء المغتربون في وطنهم، المستفتون لغير علمائهم!).
فتوى القرضاوي جاهلة بالواقع المغربي؛ مبنية على ما نُقِلَ إليه من "إخوانه المغاربة" عندما كانوا في المعارضة (أوبعبارة ذ.بنكيران حاليا: عندما كانوا مشوشين)، وقد ضللوه وعرضوه لغضب المجلس العلمي الأعلى الذي وصفه بأقبح النعوت، فكان من الضروري أن ينتدب إخوان المغرب من ينتصر له، فما كان لها إلا الرئيس السابق لحركة التوحيد الإصلاح، الفقيه الريسوني، الذي غادر هذه الرئاسة مكرها في القصة التي تعلمونها.
قوس: مِن المفارقات أنهم يصفون الأستاذ الريسوني بالفقيه المقاصيدي (أو يصف نفسه!)، ثم لا يحسون بحرج وهم يتجاوزونه ليطرحوا السؤال على رجل لا يعرف شيئا عن المجتمع المغربي، هذا إذا لم يكن هو من أكل الثوم بفم القرضاوي. وأقول بالمناسبة: إن صفة المقاصدي تتنافى مع الأوصاف والتقويمات الجارحة التي يصف بها ذ.الريسوني من يخالفونه الرأي، كقوله في مفتى مصر السابق بأنه "سقط علمه وفقهه وعدالته"،...وذلك لمجرد أنه خالف القرضاوي وانتقد تصريحاته . فالمقاصدية تقتضي سعة الصدر والبحث عن حجج المخالفين وبسطها، والتماس العذر لهم، وبيان مواطن الضعف التي تُرجح تقديم خلاف ما قدموه، دون إصدار أحكام قيمة. المقاصدي من بين الفقهاء مثل أنحى النحاة، وقد قيل: "أنحى النحاة من لا يُخطِّئُ أحداً": لا يخطِّئ أحدا من المجتهدين الذين لهم تخريجاتهم، بل يسعى إلى فهم أساس بنائهم. انتهى.
وليست تلك الفتوى الفاضحة هي المرةَ الوحيدةَ التي مَدَّ فيها القرضاوي رجليه خارجَ لِحافه، ولا المرة الأولى التي يصدر فيها حكما عن جهل وعصبية إزاء المغاربة، فقد سبق أن استنجد به "الإخوان" المغاربة في هجومهم الشرس على مدونة الأسرة، فحاورهم في الموضوع على أمواج الجزيرة القطرية، فاقترح عليهم الخروج بالملايين لمقارعة العلمانيين، وكل ذلك ردا على مدونة لم يقرأها (باعترافه الصريح)، ولكنه يا لَلشَّجاعة! يُصرح أنه لم يجد فيها شيئا من الإسلام! وقد سبق أن فضحنا هذا التناقض في حينه، في الصحافة، وفي كتابنا دائرة الحوار ومزالق العنف.
إذن القرضاوي يَعْرفُ إخوانَه الذين يهمسون في أذنه حماقاتٍ وأحقاداً توقعُه في الخطأ، ولكنه لا يعرفنا نحن المغاربةَ، لا يعرف طينةتنا التي عُجنتْ من أطيان: لم يُلقنهُ الملقنون شيئا مُهما، وهو أن المغرب لم يقبَل قطُّ، طَوال تاريخه أن يدخل عمليا تحت المركزية المشرقية التي يحلم القرضاوي أن يمارسها من الدوحة (أو مع أردوكان من أنقارا، أو من الإستانة). إن المنصور الذهبي الذي قَبِل في ظروف استثنائية محلية وإقليمية حمْلَ "ذَنَب الفرس الأبيض" رمز الخلافة العثمانية سرعان ما رمى به عند أسوار مراكش وانصرف. وغضب الخليفة العثماني "فلمْ يَنكأ بغضبتِه ذبابَا".
ولولا أني تأكدتُ من أن القرضاوي لم يعد يقرأ ولا يفهم لنصحتُ "صبيانه" المغاربة أن يزودوه بقناطر مقنطرة من كتب النوازل المغربية، نوازل أهل سوس وفاس ... نوازل الجبال والسهول، نوازل العرب والأمازيغ... للمغاربة فتاوى تتجاوز القدرات العقلية والمعرفية للقرضاوي، فهم ورثة ابن رشد والشاطبي، وعند فقهائهم من الجرأة والشجاعة على الصدع بالحق ما لا يمكن أن يكون عند فقيه لا يستطيع أن يقول كلمة واحدة في محيطه المباشر، فهم ورثة أبي علي اليوسي وعبد السلام جسوس، هذا العالمان اللذان وقفا ضد نزوات أكبر طاغية عرفه المغرب، المولى إسماعيل.
لعل بعض القراء يتساءلون عن طبيعة العدو الذي يريد القرضاوي نصر إخوانه عليه: هل هو "العدو المجازي/القناع، العدو التاكتيكي الذي يتحدث عنه رئيس الحكومة ورفاقه، أي التماسيح والعفاريت والمشوشين، أم هو العدو الاستراتيجي الذي تحاربه الحركة الحاضنة للحزب (التوحيد والإصلاح) التي مازال الأستاذ الريسوني مرشدها الحقيقي، والناطق باسمها في الملمات؟ (ومن المعلوم أن هذا المرشد المحلي صار ملحقا "بديوان" المرشد الأكبر (القرضاوي) منذ انتهاء مهامه في مدينة جدة السعودية. وهو في حالة تدريب وتهييئ).
سيبقى السؤال معلقا، جَدَلاً، حتى يخبرنا الأستاذ الريسوني ماذا قال للقرضاوي في أذنه! الريسوني له آراء في جهاتٍ استراتيجية لا علاقة لها بتكتيكات السيد رئيس الحكومة مع التماسيح العفاريت، الريسوني له آراء في الاتحاد الاشتراكي ورئيسه الجديد، بل في مجمل تاريخه، وله رأي خاص في الملحدين الذين اخترقوا المواقع الحساسة من الدولة.. وأخرى في الطابور الخامس من "الفرنسيس" المغاربة الذين ورثوا العلمانية عن الاستعمار وصاروا يتحدثون عن الدولة المدنية وحرية العقيدة، وعنده مشكل مع الحرية الفردية ومع "اليساريين المغفلين" الذين ينادون بها من خلال الحرية الجنسية...الخ. أما العلمانيون فقد اقتدى بشيوخ الفضائيات المشرقية في تسميتهم "بني علمان" قياسا على بني قريضة وبني النظير...الخ، وله اجتهادات وتصورات لما ينبغي أن تكون عليه أمور أخرى أكثر حساسية... جبهة أخرى غير جبهة بنكيران.
ولذلك انتقد الفقيه الريسوني تأخر أعضاء الحكومة الإخوانية في إعلان الهوية الإسلامية بتحرجهم من استعمال ألفاظ دينية من قبيل الحلال والحرام...الخ، كان ذلك في عز الصعود الإخواني في مصر، وفي إطار حملة الهجوم على المصطلحات الحداثية وكونية القيم التي قادها بعض الخطباء المغاربة. وفي هذا الأفق تتحدد "الإخوانية القرضاوية" المخربةُ الغريبةُ عن تُرْبةِ المغرب.
بيت القصيد:
أما بعد، فليس هناك حاليا غير خيارين: خيار الولاء للوطن وهذا يقتضي التعامل مع الواقع العربي حسب واقع تشكله الجديد، وخيار الإخوان المسلمين الذين يراهنون على الخلافة الإسلامية في الوقت الذي يطبقون فيه عمليا أجندات أمريكا وإسرائيل في تمزيق وحدة الأوطان وتحطيم قدراتها. نحن نعاني من تهديد إقليمي مزمن، كامن ومتربص، يراهن على ما نرتكبه في هذا المنعرج من أخطاء. ليس من السياسة في شيء أن يرفع وزير في حكومة المغرب شعار رابعة العدوية المناوئ لحكومة مصر التي دعمها المغرب في مجلس الأمن! فما بالك أن يكون هذا المسؤول هو رئيس الحكومة أو وزير الخارجية! هذا عبث، ولعب بالنار.
إنه لولا الموقف الرشيد الذي اتخذه مندوب المغرب في مجلس الأمن بعيدا عن هوى "الإخوان" لكنا اليوم أمام إحراج ضخم، ليس مع الدولة المصرية القائمة، بحكم الواقع، ولكن أمام كل الدول الصديقة التي تدعمها وتحاول الخروج من الطوق الذي تسعى تركيا والإخوان لتطويقها به. لقد ارتكب المخزن حماقات يوما مستخفا بالأفارقة فتلقى الصفعة التي مازال حنكه مائلا بسببها، رغم كل التضحيات التي بذلها لإعادة الأمور إلى نصابها مع الأفارقة. إن إحدى نقط قوة موقف المغرب هو رفض الجامعة العربية الرضوخ لرغبات حكام الجزائر.
ألا فَلْيعلمِ العالم أننا لسنا "إخوان القرضاوي" في حربه على المسلمين، ومن استنصر به ضدنا خان قضيتنا الوطنية، خان التاريخ ودماء الشهداء.
محمد العمري. باحث في البلاغة وتحليل الخطاب. www.medelomari.net


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.