ثمة جوابان مقتضبان على سؤالين وجيهين: ما حقيقة موقف ومصلحة المغرب من الصراع بين إسرائيل وإيران، وكيف سيتطور الموقف الأمريكي من الصراع؟ بخصوص السؤال الأول هذا جوابي عليه : كدولة ونظام سياسي له خياراته التي يعرفها أولوا الأمر ونحن نحترمها مهما اختلفنا معها أو اتفقنا، أعتقد من موقعي كباحث ومراقب للشؤون السياسية والاستراتيجية، وانطلاقا من تتبع ديناميات السلوك السياسي الخارجي المغربي إزاء تطورات الأزمة، أن صانع القرار سيبقى ماسكا بالموقف الاستراتيجي الحالي وهو الاستمرار في المحافظة على علاقة دافئة إلى حد كبير مع المستوى السياسي الاسرائيلي لاعتبارات تتعلق بالمصلحة العليا الاسترتايجية والامنية والاقتصادية ( تصريح بوريطة الموجه للاستهلاك الخارجي ومفاده أن المغرب "سيبقى مخلصا لالتزاماته") ، لكن مع الاستجابة إلى هذا الحد أو ذاك لنبض أغلبية شرائح الشعب المغربي، من خلال التسامح الموزون مع تعبيرات القوى الحية المغربية عن رفض واستنكار التجاوزات الإسرائيلية الفجة والمحرجة لمن تعتبرهم أطرافا في "محور الخير" العربي، ، وبخصوص إيران نعم هناك جفاء حالي ومتواصل مع الأسف، لكن السياسة مصالح دائمة وليست عداوات دائمة، ومن مصلحة المغرب التي لا يختلف عليها اثنان عاقلان، كسب الورقة الايرانية أو على الأقل تحييدها بدل تركها كلية تلعب في صالح المعسكر الجزائري ، والهدف هو التقليل من أضرار قراراتها وتموقفاتها الجيوسياسية في منطقة شمال إفريقيا والساحل، حيث الوجود الإيراني يتصاعد من موقع القوة والمصلحة، من هنا من مصلحة المغرب السعي الحثيث للبحث عن استكشاف جسور التصالح مع دولة قوية تملك قرارها وتفرض وجودها وتفاقم من قوتها ونفوذها في المنطقة والعالم. إذن المغرب دولة وشعبا مصلحته الواقعية في نسج علاقة متوازنة بين إسرائيل وايران إلى حد ما من التوازن. وهو خيار صعب التطبيق ولكنه غير مستحيل. وأخيرا : لماذا دعونا نتساءل : لماذا الامارات العربية المحتلة جزرها منذ عهد الشاه علاقتها الدبلوماسية والاقتصادية مع إيران سمن على عسل ولماذا السعودية اتفقت مع ايران على التطبيع ولماذا مصر في الطريق فقط المغرب سيبقى عدوا لإيران إلى الأبد ؟ القاعدة الذهبية التي يعرفها المبتدئون في علم السياسة أن العداوات الدائمة لا تتسق مع الرؤية المبنية على الاختيار العقلاني تقتضي القول إن مصلحة المغرب تكمن في محاولة إعادة العلاقات مع الجزائروإيران والسعي للتطبيع مع جنوب إفريقيا. هكذا تقول قواعد العمل السياسي الحكيم والمسؤول، والمقتضيات الجيوستراتيجية والجيوبوليتيكية في الإقليم وفي الشرق الأوسط، وأعتقد أن صانع القرار المغربي واع بذلك ويفكر فيه على مدار الساعة… وبخصوص السؤال الثاني هذا جوابي عليه: من المفيد أن نستعين برؤية الأستاذ تريتا بارسي أحد أبرز الخبراء الأمريكيين في الشؤون الإيرانية إن لم يكن أبرزهم على الإطلاق، حول الوضع الحالي والموقف الأمريكي المطلوب، يقول بارسي (تدوينته في موقعه المهني linkedin) ما مفاده: "لقد تبيّن جليا أن حرب إسرائيل الاختيارية مع إيران هي أقل حسماً بكثير مما كان يعتقده الرئيس دونالد ترامب في البداية، عندما أشاد بأداء إسرائيل واصفًا إياه ب"الممتاز". وما يبدو الآن "كصراع متصاعد وغير حاسم دون نهاية واضحة في الأفق"، "سيجبر ترامب قريبًا حسب بارسي على اتخاذ قرار صعب: إما إنهاء الحرب — أو الدخول فيها". في ضوء ما سبق يمكن استنتاج الحقائق الثلاثة التالية: أولا: الفشل الاستراتيجي في تحقيق أهداف الحرب الاسرائيلية الأمريكية على إيران؛ وهو ما يتطابق مع ما جاء في رؤيتي للأزمة والمبسوطة في تدويناتي بموقعي على الفايسبوك. ثانيا: أن ترامب بين خيارين أحلاهما مر، إما الضغط من أجل إنهاء الحرب أو التورط فيها. ثالثا: النتيجة معروفة سلفا في كلتا الحالتين: النصر ولو بالنقاط لمن يحارب عن حق وبقوة وصلابة وعقلانية ونفس طويل وهذا الطرف يتكون إسمه من حروف خمسة.