كثر النقاش، وعَمَّ الجدل، منذ دخلت إيران، لأول مرة، في الحرب مع الدولة الصهيونية، بين مؤيد لإيران، ومساند لردة فعلها، مشيد بدخولها في حرب انتظرها الكثير. وبين من ظل محايدا بين الطرفين، لا مع إيران ولا مع العدو. فكلاهما، في عرفه، وجهان لعملة واحدة. إيران دولة صفوية، ذات مشروع استعماري، توسعي، الغاية منه هو نشر الفكر الشيعي، واحتلال العرب، وبلدانهم، والقضاء على أهل السنة. وهي الحقيقة التي لا يكف يوما، نظام الملالي الحاكم لدولة إيران، عن التعبير عنها؛ تصريحا أوتلميحا. وأن حربها الحالية ما هي إلا خطوة نحو تحقيق هذا التوسع. وإن وقع أن تحقق انتصارها في هذه الحرب، وإن كان انتصارا شكليا، سيشعل جشعها للسيطرة أكثر، وسيُجَرِّئُها على العالميْن العربي والإسلامي. وسيكون انتصارها، مع استكانة وذل وتطبيع العالم السني، بابا للإقبال التلقائي على اعتناق المذهب الشيعي، وتبنيه من قبل النخب العربية والإسلامية السنية، التي ستجد فيه ما فقدته في مجتمعاتها السنية، من عزة، وشجاعة، وممانعة، ورفض،… لأجل هذا، رفع هذا الفريق، الذي يمثله جمهرة معتبرة من دعاة التسلف، شعار/ دعاء :"اللهم لاقي الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين" !!. فإسرائيل عندهم شر، وإيران الملالي شر أكبر. فرغم أن الأوائل كفار، مجرمون، قتلة، فهم على الأقل واضحون، ومعاداتهم لا يختلف حولها اثنان. أما الثواني، فمبتدعة، مشركون، منافقون، باسم الدين يحاربون أهل الدين، ولا يخافون فيهم لومة لائم !. وما فعلوه باهل السنة، في العراق، وسوريا، واليمن، وداخل إيران، لم يفعله التتار قديما، ولا الصهاينة حديثا. فهذا شأنهم رغم الحصار المضروب عليهم، ورغم العزلة الاقتصادية، والثقافية، والسياسية، والجيوسياسية التي يعانون منها، فكيف بهم، إذا قامت لهم قائمة، ورُفعت لهم راية؟ !!. وإن كانت نسبة ممثلي هذا الفريق، من الساكتين عن قول الحق، وأكثر ذلك من الذين سجل عليهم التاريخ نكوصهم، وتخاذلهم في نصرة إخوانهم في فلسلطين، وغزة على وجه الخصوص، لا يمثلون إلا أنفسهم، ومن لَفَّ لَفَّهُم؛ فإن الغالبية العظمى هي المؤيدة لإيران في حربها الأخيرة، وأغلبهم من الإسلاميين أبناء الحركات الإسلامية، وأبناء المقاومة الفلسطينية، التي نظرت إلى الصراع مع العدو من منظور سياسي، وجيوسياسي صرف. كما انطلقت من مساندتها لإيران من ذات الزاوية السياسية، بعيدا عن الاختلاف العقدي، والأيديولوجي مع نظام الملالي، الذي يبقى الخلاف حوله كائنا ومستمرا، ولكنه، حسبها، لا يفسد للود السياسي، والاستراتيجي، قضية. فقد التقت المصالح السياسية، والجيوسياسية مع إيران في الحرب ضد العدو. وكأن هذا الفريق يتبنى قولة الإمام الشافعي التي جاءت في سياق الاختلافات الفقهية:" نجتمع على ما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه". ولكن هذه المرة، التوافق على أرضية السياسة وليس الدين. فإيران عند هؤلاء حليف استراتيجي في مواجهة العدو المشترك، ولا سبيل لغير ذلك سوى هذا التحالف لمواجهة عدو قوي، مسانَد من أقوى الدول، وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية. فلا مناص من الاصطفاف مع إيران، مساندة، وتأييدا. خلا ذلك، الوقوف موقف الحياد، الذي اختاره جماعة من أصحاب الفرش والأرائك الناعمة. فالسياسة تفرض معادلات، ليس بالضرورة أن تتناغم مع قناعات هذا الفريق المذهبية، والفكرية، والدينية، وحتى الوطنية في بعض الأحيان، مادامت المصالح تتقاطع في حلبة الصراع من أجل تحقيق العدالة، والكرامة، والحرية، بين تيارات لا يجمع بينها دين، ولا مذهب، ولا فكر. ف"الحكمة ضالة المؤمن"، والرسول -صلى الله عليه وسلم- عبر عن رغبته في الانضمام إلى حلف انشأه الكفار في الجاهلية؛ شعاره نصرة المظلوم، والضرب على يد الظالم. فقال: "لو دعيت إليه لأجبت". فلم يربط -صلى الله عليه وسلم- رغبته في الانضمام إلى هذا الحلف بدين أصحابه، وعقيدتهم. فذلك شأن، والهدف الأسمى المشترك، شأن آخر. فإيران تحارب، في معركة وجودية، عدوا مشتركا، لا يملك من يتقاطعُ معها في هذه الحرب سوى أن يؤيد صنيعها، ما دامت تحقق شيئا من المشترك الاستراتيجي الذي يصبو إليه كل من ينصر القضية. والعدو الصهيوني، هو عدو عضوي، والصراع معه صراع وجودي، وكل مبادرة تسعى لمجابهته، أياًّ كان منطلقها، أو مُشعِل أجيجها، لا يملك هذا الفريق إلا أن يباركها. ثم تأتي بعد ذلك حساباته الخاصة؛ المذهبية، والسياسية، والوطنية، التي تفارق بينه، وبين "العدو" الإيراني، لتأخذ لها مكانها الطبيعي في الصراع، والموقف. فحينما كان ابن لادن يقاتل الروس، كانت أمريكا تسانده، رغم الخلاف العقدي، والفكري، والسياسي، بينهما. لأن العدو بينهما كان عدوا مشتركا، والانتصار عليه، بُغية الطرفين معا، وإن اختلفت الأهداف. ولما وجه ابن لادن معركته شطر البيت الأبيض، كان لأمريكا رأي آخر. وهكذا مع إيران، فرغم اختلافنا الجذري معها، نحن المغاربة، وإدانتنا لتحرشاتها إزاء وحدتنا الترابية، فضلا عن موقفنا العقدي من هرطقاتها الشيعية، فإن دخولها في حرب مع عدو مشترك، يقتل الأطفال، والنساء، والشيوخ، ويدمر المستشفيات، والمدارس، ويتزعم حرب إبادة لا مثيل لها في التاريخ ضد إخواننا في غزة، فضلا عن تدنيسه للمقدسات، وتحرشه بالقدس الشريف، لا يترك خيارا، حسب هذا الفريق، إلا خيار الاصطفاف معها، وتأييد صنيعها. أما الحياد، فهو مذهب المنسحبين من قضايا الأمة، المرتمين في أحضان الأعداء، علموا ذلك أم لم يعلموا.. لأن الحياد، في هذه الحالة، هو التأييد الخفي للعدو المشترك، وإن ظهر بلبوس فكري، وديني، ووطني، مُمَوِّهٍ. فهذان فريقان، افترقت بينهما السبل في تقدير صراع المرحلة، فكانت لكل واحد منهما حجته في الاصطفاف وسط هذا الخضم؛ بين الحياد التام، والركون المشروط. دمتم على وطن.. !!