هنا مقال نشره الصحفي والأكاديمي المغربي عمر بروكسي، بمناسبة مرور 26 سنة على تولى الملك محمد السادس الحكم في المغرب، ونشر على موقع "ميديا بارت" الفرنسي المستقل، وفيه يستعرض حصيلة أكثر من ربع قرن من حكم فردي يحكم فيه الملك ويسود. وفي ما يلي ترجمة المقال:
في المغرب، 26 عامًا من الحكم وتفاوتات متفاقمة. في مطلع يوليو، نُظمت "مسيرة الكرامة" في إحدى أكثر مناطق المغرب تهميشًا. تُذكّر هذه المسيرة بأوضاع التفاوت التي تُشكّل هيكل البلاد، وتُشكّل تحديًا كبيرًا لاستمرار نظام محمد السادس. في التاسع من يوليو، انطلقت مسيرة طويلة، أُطلق عليها اسم "مسيرة الكرامة"، بمشاركة مئات السكان، رجالًا ونساءً، من وادٍ يقع في قلب جبال الأطلس الكبير بالمغرب، وادي آيت بوكماز. ورغم أن هذه المنطقة من أجمل مناطق البلاد، إلا أنها أيضًا من أكثرها تهميشًا. أراد المشاركون الوصول إلى مدينة أزيلال، التي تبعد حوالي 100 كيلومتر، للاعتصام أمام مقر الولاية. مطالبهم اجتماعية بامتياز، وترتبط باحتياجات أساسية للغاية: ففي آيت بوكماز، لا توجد طرق، ولا مستشفيات، ولا مدارس، ولا شبكات هاتف، ولا اتصال إنترنت، إلخ. وهذه هي المرة الأولى التي يُنفذ فيها سكان إحدى أكثر مناطق المملكة عزلةً هذا النوع من النضال. ومع ذلك، تُلقب آيت بوكماز ب «الوادي السعيد"، وهي معروفة عالميًا بجمال مناظرها الطبيعية، مما يجعلها وجهةً شهيرةً لعشاق التسلق ورياضة المشي في الجبال. أما سكانها، فلا يزالون يعيشون في العصر الحجري… ليس وضع "الوادي السعيد" حالةً معزولةً في المغرب. فمعظم المناطق الناطقة بالأمازيغية في الأطلس المتوسط والكبير تعاني من المصير نفسه، نتيجةً لسياسة اجتماعية غير متكافئة تعود إلى الاستقلال (1956)، فصلت، وفقًا للمثل القديم للمشير ليوطي، "المغرب النافع " عن "المغرب غير النافع "، وأبقت هذا الأخير في حالة من التهميش شبه البنيوي. في سبتمبر 2023، كشف الزلزال الذي دمر منطقة الحوز (ما يقرب من 3000 قتيل)، في الأطلس الكبير، عن حقيقة ما يسمى أيضًا "المغرب الآخر": العزلة وغياب البنية التحتية جعلا تسليم المساعدات الغذائية والمادية أمرًا صعبًا بشكل خاص. بعد اعتلائه العرش في سن الخامسة والثلاثين، في 30 يوليو 1999، قام الملك محمد السادس بزيارة مناطق قروية جد نائية، بما في ذلك منطقة الريف، وهي منطقة ظلت منبوذة في الشمال الشرقي، وهو ما كان يُنظر إليه في ذلك الوقت على أنه رغبة على أعلى مستوى في الدولة لإعطاء الأولوية للتنمية الذاتية التي تستهدف على وجه الخصوص هذا "المغرب غير النافع". لكن بعد ستة وعشرين عامًا بالتمام والكمال، لا تزال أوجه التفاوت الهيكلي نفسها قائمة في غياب الإرادة السياسية لإنهائها أو على الأقل الحد من آثارها. يُضاف إلى هذا التهميش ما يُعتبر تحديًا حقيقيًا للدولة المغربية، ليس فقط لتنمية البلاد، بل أيضًا لاستقرار النظام نفسه: بطالة الشباب. الأرقام الرسمية مُفزعة. وفقًا لتقرير آخر إحصاء وطني للسكان، الذي أجري عام2024، بلغ معدل البطالة في المغرب 21,3٪، وهي زيادة "مقلقة" مقارنةً بعام2014 (16,2٪). وتدعم أرقام رسمية أخرى أحدث هذه الملاحظة، وتُبرز أيضًا تفاوتًا كبيرًا بين الجنسين. وتشير المندوبية السامية للتخطيط إلى أن معدل البطالة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين15 و24 عامًا بلغ 36,7٪ في يوليو2025، مع وجود تفاوتات كبيرة بين الجنسين في الوصول إلى سوق الشغل وإلى التعليم. كما تُشير إلى رقم مُقلق آخر: 61٪ من النساء القرويات هن من بين الشباب غير الملتحقين بالعمل أو التعليم أو التدريب. سُجِّلت ما يقرب من 300 ألف حالة مغادرة المدرسة ( الهدر المدرسي )، لا سيما في المناطق القروية وعلى الخصوص الناطقة بالأمازيغية، في عام 2023. يؤكد الخبير الاقتصادي وعالم الاجتماع نجيب أقصبي، في اتصال هاتفي مع ميديابارت، قائلاً: "هذا يُؤكد فشل نموذج التنمية الذي يُولِّد تفاوتًا أكثر مما ينتج من تنمية وتشغيل ". ويضيف: "لدينا معدل استثمار مرتفع – 30%. ومع ذلك، ليس له تأثير إيجابي على الثروة والتوظيف. لماذا؟" ويرى الباحث عدة تفسيرات. ثم يوضح قائلاً: "أولاً، تُوجَّه غالبية هذه الاستثمارات إلى قطاعي البناء والأشغال العمومية، وهما قطاعان لا تدوم فيهما الوظائف طويلًا ولا يُسهمان في الحد من أشكال التفاوت التي تُعاني منها البلاد. الصورة الأكثر رمزية هي قطار TGV (القطار فائق السرعة) الذي يمر عبر قرى معزولة، ناهيك عن الملاعب الضخمة التي يجري بناؤها، والتي لن تُستخدم إلا نادرًا". ويضيف أقصبي، مؤلف كتاب "المغرب: اقتصاد تحت سقف زجاجي" (الصادر عن المجلة المغربية للعلوم السياسية والاجتماعية، 2023)، وهو كتاب نال استحسانًا كبيرًا حول العلاقة بين طبيعة النظام السياسي والوضع الاقتصادي، أن "نظام الحكم يجب أن يتخذ قرارات بناءً على مطالب أكبر عدد من المواطنين، ولكي تكون هذه القرارات فعّالة، يجب محاسبة المسؤولين. لا تذويب المسؤوليات، كما هو الحال في المغرب". وهناك مفارقة أخرى: بسبب ضعف نظام التعليم، تُؤثِّر البطالة بشكل رئيسي على الخريجين الشباب. فإلى جانب العدالة والصحة، يُعدُّ التعليم العام من أقل المشاريع نجاحًا في عهد محمد السادس. إن عملية التعريب التي نفذها الملك الحسن الثاني (1929-1999) ابتداء من ثمانينيات القرن العشرين، لأسباب أيديولوجية أكثر منها بيداغوجية، قوضت التعليم العام وأنتجت تعليما مزدوجا: المؤسسات الخاصة و"البعثات الأجنبية" للأسر الثرية والمتوسطة (15٪)؛ والتعليم العمومي، الذي يستمر في التدهور، بالنسبة لل85٪ المتبقية. وقد سبق للملك محمد السادس أن أشار إلى هذا الواقع عام 2015 في خطاب ألقاه قبل عشر سنوات: "علينا أن نكون جادين وواقعيين، وأن نخاطب المغاربة بصراحة، ونسألهم: لماذا يُسجل الكثير منهم أبناءهم في مؤسسات البعثات الأجنبية والمدارس الخاصة، رغم تكاليفها الباهظة؟ والجواب واضح: لأنهم يبحثون عن تعليم مفتوح وعالي الجودة، قائم على التفكير النقدي وتعلم اللغات، تعليم يُمكّن أبنائهم من ولوج سوق الشغل والانخراط في الحياة العملية ". يُعتبر الهدر المدرسي والانقطاع المبكر عن الدراسة من التحديات التي فشل المغرب في معالجتها: فقد سُجّل ما يقرب من 300 ألف حالة هدر مدرسي، لا سيما في المناطق القروية والناطقة بالأمازيغية، عام 2023. وهكذا، أصبحت الرغبة في مغادرة المغرب إلى أوروبا "أفقًا" وهدفًا حياتيًا لآلاف، بل ملايين، الشباب المغاربة. أما أولئك الذين يقررون "تدبير أمورهم" اجتماعيًا ومهنيًا بالبقاء في المغرب، فيُجبرون على مواجهة المحسوبية والمحسوبية شبه المؤسسية، وهي ظاهرة يُلخّصها المغاربة بكلمتين: "بّاك صاحبي" ("والدك صديقي"). في المغرب، لا يقتصر دور الملك على كونه يسود ويحكم فحسب. فهو أيضا رجل أعمال ناجح، ويترأس شركة عملاقة تُدعى "المدى"، تضم عدة مجموعات وشركات تستثمر في قطاعات استراتيجية من الاقتصاد المغربي: البنوك، والاتصالات، والبناء، والمعادن الثمينة، والمتاجر الكبرى، والطاقة الشمسية، وغيرها. وقد ندد المتظاهرون الشباب بشدة بهذا التحالف بين السياسة والمال خلال "الربيع العربي" عام 2011، كما استنكروا نفوذ ودور الحاشية الملكية المترامي الأطراف. يجسّد هذه الحاشية عبد اللطيف الحموشي، المدير القوي للشرطة والاستخبارات وزميلان سابقان لمحمد السادس في المدرسة الملكية، فؤاد عالي الهمة (مستشار ملكي) وياسين المنصوري (رئيس المديرية العامة للدراسات والوثائق، DGED، المعادلة للمديرية العامة الفرنسية للأمن الخارجي). تتمتع الحاشية الملكية بنفوذ كبير على قرارات القصر، وقد ازداد نفوذها في السنوات الأخيرة مع استمرار التكهنات حول صحة الملك. بالنسبة لهذا "السراي"، لطالما كان القرب من مركز السلطة موضوع صراع مستمر. في عام 2024، غادر مهدي حجاوي، الموظف السابق في جهاز المخابرات العامة (DGED)، المغرب سرًا إلى إسبانيا، ثم سويسرا، قبل أن يختفي في أوروبا. ويُقال إنه كان يمتلك معلومات بالغة الحساسية عن شخصيات نافذة في الدائرة المقربة من الملك. وقبل ذلك بعام، أرسل إليه "كتابا أبيض حول الاستخبارات والأمن والدفاع الوطني"، اقترح فيها إنشاء "مديرية الاستراتيجية والتعاون الدولي"، ومن مهامها "تنسيق وتقييم إنتاج الاستخبارات". بمعنى آخر، كان يقترح إنشاء آلية لمراقبة المديرية العامة للوثائق والدراسات. وسرعان ما أصبح العدو اللدود للدائرة المقربة: إذ صدرت مذكرة توقيف دولية بحق العميل السري السابق بتهمة "الاحتيال"، وذلك لتحديد مكانه وربما تسليمه إلى المغرب. بدوره، اتصل الحجاوي بمحاميين فرنسيين، ويليام بوردون وفينسنت برينغارث، "أعداء المغرب"، وفقًا للصحافة المقربة من السلطة. كانت مهمتهما إلغاء مذكرة التوقيف ليتمكن موكلهما من السفر بحرية أكبر في أوروبا، وخاصة في فرنسا. هذه القضية، التي تُشبه فيلم إثارة ذي تداعيات سياسية وأمنية، لا تزال في بدايتها، وتبشر بأحداث زاخرة بالتقلبات والمنعطفات. تتكشف الأحداث في جو من التمركز وصراعات السلطة الشرسة، من أجل الوصول، في يوم النصر، إلى "المكان المناسب في الوقت المناسب". المصدر: "ميديا بارت"