كشفت الباحثة الفلسطينية فرح الشريف، أستاذة العلوم السياسية بجامعة ستانفورد، في حوارها على منصة The Chris Hedges Report، أن ما يُعرف ب"الحرب على الإرهاب" ليس صناعة أميركية خالصة كما يُعتقد، بل مشروع إسرائيلي خُطّط له منذ عقود وتم تصديره لاحقًا إلى واشنطن. وأوضحت الشريف أن الوثيقة الشهيرة المعروفة ب"الانفصال النظيفة" (Clean Break)، التي صاغها خبراء إسرائيليون وأميركيون في أواخر التسعينيات، جسدت بوضوح هذه الرؤية، إذ دعت إلى تفكيك العراقوسوريا وإعادة تشكيل المنطقة على أسس طائفية وإثنية، بما يضمن تفوق إسرائيل وهيمنتها الأمنية. جاء ذلك في حلقة جديدة من برنامج The Chris Hedges Report، وهو المنصة التي يديرها الكاتب والصحفي الأميركي الحائز على جائزة بوليتزر كريس هيدجز، استضافت الحلقة الباحثة الفلسطينية فرح الشريف، أستاذة العلوم السياسية في جامعة ستانفورد والمتخصصة في دراسة الشرق الأوسط والسياسات الأمنية.
وقالت الشريف إن هذا التحول لم يكن وليد تلك المرحلة فقط، بل تعود جذوره إلى أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات عندما "استبدلت المؤسسة الإسرائيلية مفهوم الخطر الشيوعي ب'خطر الإسلام'"، لتقديم عدو جديد يبرّر استمرار عسكرة المنطقة واحتلال الأرض. وتابعت: "واشنطن تلقفت لاحقًا هذه المقاربة، وحولتها إلى عقيدة رسمية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، فصارت الحرب على الإرهاب عنوانًا لتدخلات عسكرية وأمنية واسعة في الشرق الأوسط." الشريف وضعت منذ البداية محددات تحليلها، مؤكدة أن "الحرب على الإرهاب لم تُخترع في واشنطن بعد 11 سبتمبر كما يُشاع، بل جرى طبخها في تل أبيب منذ أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات"، في سياق سعي المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لإيجاد بديل عن مفهوم "التهديد الأحمر" الذي طبع مرحلة الحرب الباردة. وأوضحت أن إسرائيل كانت بحاجة إلى عدو دائم يبرّر التفوق العسكري والاحتلال، فوجدت في "الإسلام السياسي" ذاك العدو، قبل أن تتلقف واشنطن هذه المقاربة وتحوّلها إلى خطاب رسمي بعد هجمات نيويورك عام 2001. في معرض حديثها، استعادت الشريف وثيقة شهيرة عُرفت باسم "الانفصال النظيفة" (Clean Break) التي صيغت أواخر التسعينيات من طرف خبراء إسرائيليين وأميركيين. وقالت إن هذه الوثيقة "دعت صراحة إلى تفكيك العراقوسوريا، وإعادة رسم خارطة المنطقة بما يخدم الأمن الإسرائيلي"، معتبرة أن ما نراه اليوم من تصدّع في دول عربية عدة، من العراق إلى سوريا مرورًا بلبنان والسودان، ليس إلا صدى لتلك الرؤية المبكرة. وفي نقدها للدور العربي، اعتبرت الباحثة أن كثيرًا من الأنظمة "لم تكتف بتبني خطاب الحرب على الإرهاب كغطاء لقمع الداخل، بل ساهمت، عن وعي أو عن تبعية، في شرعنة الرؤية الإسرائيلية – الأميركية"، مؤكدة أن هذا الانخراط "شكّل خيانة صريحة للقضية الفلسطينية، إذ حوّل الأنظار عن جوهر الاحتلال إلى معركة مصطنعة مع الإسلام السياسي." وأضافت: "بعض الحكومات الإسلامية حاولت الدفاع عن نفسها بتقديم صورة الإسلام اللطيف والداعم للديمقراطية، لكن ذلك لم يكن موقع قوة بل موقع ضعف، لأنه رسّخ الانطباع في الغرب أن المسلمين إما طيّعون وإما خطرون، وهو ما أفرغ التجربة السياسية من مضمونها الحقيقي". التقرير وضع النقاش في قلب اللحظة الراهنة، إذ يأتي في ظل حرب غزة التي اندلعت منذ السابع من أكتوبر 2023 وما تبعها من دمار غير مسبوق، إلى جانب تصاعد التوتر في جنوبلبنان والبحر الأحمر، واستمرار الاستيطان بالضفة الغربية. وهنا ربطت الشريف بين الماضي والحاضر، معتبرة أن تصريحات قادة إسرائيليين حاليين مثل بنيامين نتنياهو وبتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير التي تتحدث عن "إسرائيل الكبرى" وتمتد لتشمل أراضي من سورياولبنان والأردن وربما مصر، ليست سوى إعادة إنتاج علني لما سُطّر منذ عقود في "خنجر إسرائيل" أو في وثائق استراتيجية شبيهة. التحليل الذي قدّمته فرح الشريف يتجاوز حدود التوصيف الأكاديمي ليشكّل اتهامًا صريحًا للأنظمة العربية بأنها أسهمت، بوعي أو بغير وعي، في تثبيت هندسة أمنية صاغتها إسرائيل وروّجتها الولاياتالمتحدة لاحقًا. فما قدمته الباحثة من تجليل يضع "الحرب على الإرهاب" في إطارها الحقيقي: اختراع استراتيجي إسرائيلي، استُخدم لاحقًا كذريعة أميركية، ووجد صداه في سياسات عربية داخلية، لينتهي إلى هندسة جغرافيا ممزقة وشعوب تعيش بين حصار الاحتلال وتسلط الاستبداد. هذه الحلقة أكثر من مجرد مقابلة فكرية؛ إنها جرس إنذار حول خطورة تلاقي الاستراتيجيات الإسرائيلية مع سياسات الصمت أو التواطؤ العربي، في لحظة تاريخية يواجه فيها الفلسطينيون خطر الإبادة، والعالم العربي خطر التمزق على وقع شعارات قديمة صيغت في غرف مغلقة قبل نصف قرن، لكنها ما زالت تتحكم في مسار الأحداث إلى اليوم.