ينطلق الجمعة المقبل موسم إيموران السنوي في ضواحي أكادير، على الطريق الوطنية رقم 1 في اتجاه الصويرة، حيث يلتقي البحر بالجبل بخليج تمراغت وأورير. ويشتهر الموسم بما يُعرف محليًا ب"صخرة الزواج"، وهي صخرة ضخمة تتوسط الرمال وتمتد داخل البحر بطول يناهز 55 مترا، ارتبطت في المخيال الشعبي بطقوس العازبات الباحثات عن شريك الحياة. منذ الصباح الباكر، تتقاطر نساء وفتيات إلى الموقع وهن يرتدين أزياء تقليدية أو عصرية. الطقس المتوارث يشمل الطواف حول الصخرة ثلاث مرات، والجلوس في تجويفها الصخري للتماس رذاذ الموج والدعاء الصامت، أو وضع اليد على سطحها ودق حجر صغير عليها، في اعتقاد أن المكان يحفظ الدعاء ويسرع بتحقيقه.
فاطمة، سيدة خمسينية من تارودانت، قالت إنها زارت الصخرة في شبابها قبل أن يتقدم إليها خاطب بعد أشهر قليلة. أما خديجة، طالبة من مراكش، فترى أن الأمر مجرد فضول ثقافي، مؤكدة أن "الزواج مسألة توافق، لا علاقة له بالحجر". حول الصخرة، تنتعش حلقات "أحواش" الأمازيغية، فيما ينتشر الباعة بين الأعشاب الطبية والمجوهرات الفضية والحلويات السوسية، في نشاط اقتصادي موسمي يوفر دخلاً مهماً للأسر المحلية. بين الأسطورة والتاريخ تتعدد روايات اسم "إيموران" الذي يعني "العشاق" بالأمازيغية. بعضها يربطه بقصة حب أسطورية، بينما يعيده آخرون إلى بطولة قبائل إداوتنان التي صدت الغزو البرتغالي في بدايات القرن السادس عشر. وثمة رواية ثالثة تعتبر أن الاسم تحريف لاسم القائد البرتغالي "بن ميراو" الذي قُتل في المعارك. بحسب وثائق تاريخية، حاول البرتغاليون سنة 1505 تشييد قلعة محصنة بالصخرة لتقوية دفاعاتهم عن قصبة أكادير أوفلا، المعروفة آنذاك باسم "أكادير العربا" نسبة إلى سوق أسبوعي كان يقام بالمنطقة كل أربعاء. لكن مقاومة سكان تمراغت وإداوتنان أجهضت المشروع، واضطر الغزاة إلى الانسحاب بعد سلسلة معارك طاحنة. وتشير المصادر إلى أن القلعة كانت مزودة بالمدافع لصد هجمات الأهالي الذين التفوا حول السعديين بقيادة محمد الشيخ السعدي، في إطار حملة الجهاد لتحرير الثغور. وقد تواصل الصراع حتى سنة 1541 حين نجح السعديون في اقتحام أكادير وإنهاء الوجود البرتغالي بالمنطقة بعد معركة ضارية. ذاكرة جماعية ونقاش معاصر بالنسبة لأعيان المنطقة، مثل الحاج عمر بوتكلفين، فإن موسم إيموران يمتد بجذوره إلى ولي صالح عاش هنا قبل قرون، قبل أن يرتبط لاحقًا بطقوس طلب الزواج. غير أن الموسم يظل مثار جدل، إذ يعتبر حقوقيون أنه يكرس ضغطًا اجتماعيا على النساء، بينما يراه مثقفون محليون تعبيرًا عن ذاكرة جماعية وطقسًا رمزيًا يعيد ربط المجتمع بأرضه وتاريخه. بين طقوس الزواج الشعبية والأساطير المتداولة، وبين الذاكرة التاريخية للمقاومة ضد البرتغال، يظل موسم إيموران حدثًا فريدًا يجمع بين الموروث الروحي والثقافي، وينشط السياحة المحلية على الساحل الأمازيغي شمال أكادير.