صادق مجلس جماعة الدارالبيضاء، الثلاثاء، في دورة استثنائية، على اتفاقية شراكة تروم تسريع إنجاز مشروع "المحج الملكي"، أحد أضخم المشاريع الحضرية التي رافقت العاصمة الاقتصادية منذ عام 1989 وظلت متعثرة لعقود. الاتفاقية، التي وُقعت بحضور السلطات المحلية وصندوق الإيداع والتدبير والوكالة الحضرية وجهة الدارالبيضاء-سطات، تقضي بتفويت الأصول العقارية من شركة "صوناداك" إلى جماعة الدارالبيضاء دون مقابل، مع إسقاط الديون المترتبة عنها. وستتولى "شركة الدارالبيضاء للإسكان والتجهيزات" الإشراف المباشر على عمليات إعادة الإيواء، التعويض، تحرير العقارات، الهدم، وإنجاز المنتزه الحضري الذي يشكل قلب المشروع.
الغلاف المالي للمشروع يصل إلى حوالي ملياري درهم، ويشمل تهيئة منتزه المحج الملكي على مساحة 50 هكتاراً، تقول السلطات إنه سيكون الأكبر في إفريقيا، ليربط بين مسجد الحسن الثاني وساحة محمد الخامس، ويجعل من وسط المدينة واجهة حضرية حديثة قبيل احتضان المملكة تظاهرات دولية رياضية وثقافية. بالتوازي مع المصادقة، انطلقت أشغال هدم المباني الآيلة للسقوط على امتداد المشروع، بصفقات بلغت قيمتها نحو 12.7 مليون درهم لبعض الأشطر، في وقت تسعى فيه السلطات إلى إعادة الاعتبار للمدينة القديمة التي تحولت أجزاء منها إلى أحياء منكوبة بفعل البطء في التنفيذ. وتشير معطيات رسمية إلى أن 1730 بناية آيلة للانهيار أحصيت داخل المحج الملكي إلى حدود يناير 2024، هُدم منها 422 فقط، فيما يقدَّر عدد المنازل التي تشكل خطراً فورياً على قاطنيها ب131 بناية. لكن خلف هذه الدينامية الجديدة، يظل البعد الاجتماعي الأكثر حساسية. فقد أثارت عمليات الترحيل احتجاجات متكررة من الأسر المتضررة، التي اعتبرت التعويضات المرصودة (30 مليون درهم على المستوى الإجمالي) غير كافية، فيما يواجه بعض المرحّلين صعوبات في دفع مبالغ تصل إلى 100 ألف درهم للاستفادة من السكن البديل في مشروع "نسيم". كما سجلت شكاوى من سوء تدبير العملية وحرمان بعض المستحقين المسجلين منذ 2012 من شققهم لصالح مستفيدين آخرين. العمدة نبيلة الرميلي وصفت المصادقة على الاتفاقية بأنها "لحظة تاريخية"، مؤكدة أن المشروع سيعزز مكانة الدارالبيضاء كمدينة متروبولية تضاهي كبريات الحواضر العالمية، إلى جانب مشاريع خضراء أخرى مثل "أنفا بارك" و"منتزه الولفة". غير أن مراقبين يحذرون من أن النجاح لن يقاس فقط بالتصاميم العمرانية أو حجم الاستثمارات، بل بمدى قدرة السلطات على معالجة تداعيات الترحيل وضمان العدالة الاجتماعية للمتضررين. وبين طموح هندسي ضخم يمتد لعقود، وانتظارات اجتماعية ملحة لم تجد بعد جواباً شافياً، يقف مشروع المحج الملكي عند مفترق طرق حاسم، قد يحدد صورته النهائية كرافعة للتحول الحضري أو كملف يختزل اختلالات الحكامة في أكبر مدينة مغربية.