رغم التوجيهات المتكررة بضرورة ترشيد وعقلنة استعمال الموارد العقارية للدولة، يظل ملف السكنيات الوظيفية والإدارية بقطاع التربية الوطنية واحدا من أكثر الملفات تعقيدا وإحراجا للحكومة. ووفق معطيات حصل عليها موقع "لكم"، فإن عشرات السكنيات في مختلف الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ما تزال محتلة بطرق غير قانونية، في وقت يطالب فيه آلاف الأساتذة والأطر الإدارية بحقهم في الاستفادة من هذا الامتياز الوظيفي.
وأشار تقرير سابق صادر عن المفتشية العامة لوزارة الاقتصاد والمالية إلى أن عدد السكنيات الوظيفية التابعة لقطاع التعليم يتجاوز 35 ألف وحدة موزعة على مختلف الأكاديميات. ومن بين هذه السكنيات، يُقدَّر أن ما بين 20 و25% منها محتلة بشكل غير قانوني، أي ما يعادل حوالي 7 آلاف وحدة خارجة عن نطاق الاستعمال القانوني. ووفق البيانات ذاتها، فإن حالات الاحتلال تشمل متقاعدين لم يُخلّوا المساكن بعد انتهاء الخدمة، وموظفين نُقلوا إلى مناطق أخرى، منهم مسؤولون مركزيون وجهويون وإقليميون، إضافة إلى غرباء استغلوا ضعف المراقبة للاستحواذ على المساكن. وعلى الرغم من كون الوزارة أصدرت منذ سنوات المذكرة رقم 40 التي تنظّم عملية الاستفادة من السكنيات، غير أن غياب آليات التتبع والمراقبة جعلها حبراً على ورق، حيث إن عددا من المسؤولين يمنحون سكنيات خارج مسطرة التباري وخارج الاستحقاق، مما جعلها منطقة رمادية مفتوحة أمام التلاعب والاستغلال غير المشروع. وبحسب مراقبين تحدثوا لموقع "لكم"، فإنه منذ تسلّم الوزير محمد سعد برادة حقيبة التربية الوطنية، لم يُسجَّل أي تقدم ملموس على المستوى المركزي في هذا الملف، خاصة وأن مسؤولين وقعوا ميثاق المسؤولية وخرقوه بمنح سكنيات خارج القانون، كما أنهم يحتلونها بشكل غير قانوني وبلا منطق، في تناقض بين الخطاب والممارسة، من دون تفعيل المساطر القانونية إلا في حالات انتقام أو رغبة في إفراغ سكنية في موقع يثير اهتمام آخرين للظفر بها، على الرغم من أن القانون التنظيمي للمالية 130.13 ينص على ضرورة ترشيد الملك العمومي، وهو ما يثير أسئلة محرجة حول غياب الإرادة السياسية لتفعيل القانون، خاصة وأن قطاع التعليم يستهلك نسبة مهمة من ميزانية الدولة (أزيد من 69 مليار درهم سنة 2024). وتطالب أصوات داخل القطاع بإجراء تفتيش في السكنيات المسندة والمحتلة مع تحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات القانونية والتأديبية عن التقصير والمسؤولية، حتى تكون شعارات الإصلاح على المحك ما لم تُسترجع الممتلكات العمومية وتوظف لخدمة المدرسة المغربية.