لم تفكر يوما الدولة المغربية في بناء "مواطن"، بما تحمل عبارة مواطنة من حمولة، فطوال عقود وعقود ، اهتمت الدولة بصناعة أعيان و "تعليفهم" وتركت لهم التحكم في باقي رعايا هذه البلاد . طوال عقود وعقود اعتبر هؤلاء الأعيان أنهم فوق كل محاسبة بل حتى إنهم فوق القانون، وإذا ما تمت محاسبة أحدهم، فهذه المحاسبة مرتبطة بغضبة عليه من جهات، تسمى عليا ولا علاقة لها ( المحاسبة) بما تم ارتكابه من فساد واختلاس وسطو … هكذا تم بناء مغربي براغماتي وانتهازي، همه مصالحه فقط وأهدافه، وما سيجنيه، لأنه لا يعتبر نفسه مواطنا بهذا البلد. ويريد فقط أن ينال ما أراده خارج كل الأخلاقيات والضوابط. المغربي الذي يطبع مع عبارة " الله ينعل بوها بلاد"، و "بغينا غير إيمتا نهربو من هاد البلاد"، لم يرضع يوما حليب المواطنة، فهو لم ينله في الأسرة و لا المدرسة، وكل ما يراه أمامه أنك إذا أردت أن تكون ناجحا، وجب عليك الغش وتباع كل الطرق الغير القانونية. طوال عقود و عقود، نرى كيف ينجح البرلماني، وكيف يلج الشباب للوظائف، وكيف يتعامل رجل التعليم مع تلاميذه، والطبيب مع مرضاه، والموظفين مع المرتفقين في إداراتهم، العلاقة تكون دائما علاقة نفعية، أي أن هذا الموظف لا يرى إلا كم سيجني من هذا "المواطن" لقضاء حاجته. طوال عقود وعقود نرى أن من كان يستفيد من صندوق المقاصة هم الشركات الكبرى وليس البسطاء، وكيف يتم التلاعب للتهرب من الضرائب وسرقة الدولة التي تعتبر حلالا(السرقة)، و كيف أصبحا مطبعين مع الفساد و المفسدين. طوال عقود وعقود، لم نستطع بناء مواطن كامل المواطنة، مواطن يعتبر أن "حب الوطن من الإيمان" ، مواطن يعلم أن ما يقوم به هم خدمة للوطن و للمواطنين، آنذاك لن نرى تلميذا أو طالبا يغش، لأنه يؤمن أن الغش جريمة خطيرة، و الطبيب يرى أن إنقاد حياة الناس أهم من أموال الدنيا، و المقاول يعتبر مساهمته الضريبية هي إنقاد أسر من براثين الفقر. بناء مواطن هو اعتبار أن كرامة الإنسان من كرامة الوطن. من أجل هذا خرج شباب حركة 20 فبراير ، و خرج مناضلو الريف، وحراكات متعددة، همها الأكبر، الكرامة التي تساوي الوطن، و اليوم يخرج علينا جيل جديد "gen Z" ، بمطالب اجتماعية تساوي الكرامة كذلك. طبعا كل هؤلاء تم تخوينهم و هو شيء عاد لأنهم أولا يسحبون البساط ممن كانوا يعتبرون أنفسهم متحكمين في زمام الحياة اسياسية بالبلاد، وأنهم قاموا بتحييد كل فعل احتجاجي، وثانيا ممن اعتبروا أن النضال هو رسم عقري محفظ باسمهم. خرنا و تأخرنا كثيرا في بناء وطن لكل المغاربة، و كل ما تم فعله هو " عكر على الخنونة"، ولكن لم يفت الأجل بعد، و مازال أمامنا بناء وطن للذين سيأتون بعدنا، لنعلم أن الوطن فوق الجميع حقيقة وليس شعارا، أن التضحية في سبيل الوطن هي واجب على كل واحد فينا.