لم أستغرب ردّ فعل الحكومة وأعضاء ومكونات "تحالف الأزمة"، فقد تحدثت كثيرًا عن حكومة أخنوش وخطر زواج السلطة بالمال، ويكفي أن تعودوا لحلقات برنامج اقتصاد في سياسة السابقة عن احتجاجات جيل زد 212 لتفهموا بتفصيل ما يجري اليوم. لقد حاولت، طيلة الأيام الماضية، عدم ذكر هذه الاحتجاجات في الحلقة 15 في بلادي ظلموني.. صرخة جيل زد، وفي الحلقة الأخيرة رقم 16 احتجاجات جيل زد والثورة الفرنسية. لقد شعرت بحزن شديد وأنا أرى بلدي يتكرر فيها ذات السيناريو المشبوه الذي تم تنفيذه في مختلف الحراكات الشعبية التي شهدتها المنطقة العربية منذ 2011. أخشى أن تلطخ رقبتي بالدم، خاصة وقد سقط إلى حدود الساعة ثلاثة مواطنين، بحسب بلاغ لوزارة الداخلية المغربية. فالتحدي أن نجد مخرجًا للأزمة دون المسّ بالحقوق العامة والخاصة، والأهم سلامة كل مواطنينا. للأسف، الاحتجاجات التي بدأت سلمية وحضارية تم التعامل معها بأسلوب عنيف وخشن بل واستفزازي أيضًا.
ما يزيد من توتر الوضع هو تصريحات مكونات الحكومة، فبصدق صمتهم أفضل من حديثهم. دعونا من مقولة "الدستور لا ينص على إقالة الحكومة بفعل الاحتجاجات"، فالدستور مصدره الشعب، وفي كل البلدان، قديمها وحديثها، خروج الشارع يعني رحيل الحكومة، لأن الحكومة فقدت الشرعية، فالشعب هو صاحب السيادة و"مول الدار" حقًا وحقيقة. فإذا كانت الحكومة تملك القدرة والأهلية على تنفيذ مطالب الناس، فلماذا خرجوا إلى الشارع؟ ولمَ يحتجون؟ ينبغي ألا نحرف النقاشات، فهناك أزمة عميقة جدًا. أما بعض مشاهد المسّ بالممتلكات الخاصة والعامة وأعمال الشغب والعنف، فقد شهدنا مثلها كثيرًا في مباريات كرة القدم ومهرجانات "الشطيح والرديح". للأسف، هناك أجيال ضحية لسياسات عمومية فاشلة؛ أجيال تنتمي إلى زد وواي من الناحية العمرية، لكنها تختلف عنها في التكوين والتصور والفرص. هناك طفرة بهذا الجيل وسابقيه، وهناك جيل ن وجيل ه. أنصحكم بمشاهدة الحلقة القادمة من برنامج اقتصاد في سياسة لفهم خصائص هذه الأجيال. عودة إلى الحكومة وتصريحاتها: صراحة عليّ الإقرار بأن لديهم "جبهة صحيحة" ويجيدون "تخراج العينين". إنهم نموذج عملي لمعضلة النخبة وفسادها البنيوي. أنصحكم بمشاهدة الحلقة الرابعة من برنامج اقتصاد في سياسة: "أمراض العرب والعلاج المهاتيري ونهاية حكومة التضريب وسياسة طحن مو". فهؤلاء يناقضون أنفسهم، بل ويكذبون على ذواتهم أولًا. فهم أول من أسس للغة التعامل والتحاور بالحجر، وأول من قذف الحجر في وجه المغاربة، وأول من دشن منطق "إعادة الترابي". ولعلكم تذكرون تصريح رئيس البرلمان المنبثق عن انتخابات "الفراقشية" لعام 8 شتنبر 2021، وتذكرون أيضًا تصريح ذلك الوزير المستفز والمشهور بتصريحاته "الكندية والتقشيرية"، وهي تصريحات مرضية وجارحة ومهينة لشخصه ولغالبية المغاربة. قال: "باه لباس عليه قراه في مونتريال"، وبالزعط أسيدي ملي قريتيه في مونتريال! والدينا لم تُسجل عليهم ولو شبهة أكل مال عام أو خاص، وقرّونا بجورهم في الصين وكوريا وماليزيا بأموالهم الحلال، ثم علمونا الحياء. لنا أصل ينبغي أن نحترمه ونخجل أن نمسه بسوء، وكما قيل: "إذا لم تستحِ فافعل ما شئت." أما تصريحه المشكك في نسب المغاربة – "لو قمنا بإجراء اختبار الحمض النووي ADN سنجد النسبة الغالبة من المغاربة أبناء زنا" – فهو إهانة صريحة. هذا الوزير الذي حمى الفساد وشرّع الظلم يتحدث اليوم عن الدستور والقانون، وحكومة القحط والسنوات العجاف! هذا التحالف المشبوه هو أول من أسس لخطاب سوقي وخطاب "التشرميل" و"تخراج العينين" وتضارب المصالح واقتصاد "الهمزة". إنهم نخبة وقادة جيل لا نتحدث عنه كثيرًا، إنه جيل ه: جيل الهمزة والهرفة والهارا جمع وكحط. نخبة فاسدة خريجة المدرسة "القيلشية" وقدوتها "الفراقشية". نخبة ملحقة ببغائية تتسول بدورها لكن بشكل أنيق وأكبر، نخبة تشربت الميكيافيلية، الغاية عندها تبرر الوسيلة، تخاف من القوي لكنها تحتقر الضعيف. لا يملكون ذرة خجل، فقد قالوا بألسنتهم: "إذا لم نحقق ما وعدنا به، اضربونا بالحجر!" اليوم نأسف لمشهد الحجارة التي تتقاذفها أيادي بعض المحتجين. أكاد أجزم بأنهم مندسون، تحركهم أيادٍ خفية، وربما هي ذات الجهات التي تسرب وثائق "جبروت" وغيرها. فالمغرب يشهد صراعًا خفيًا بين أذرع في الدولة العميقة، وهناك من يريد إشعال الأوضاع لغاية في نفس يعقوب. الواقع أن هؤلاء يصعب وصفهم ضمن جيل زد، فهم ضحية سياسات عمومية خاطئة وتعليمية مدمرة غايتها نشر التضبيع وترسيخ ثقافة الجهل والأنانية والداروينية الاجتماعية. ما رأيناه من تخريب هو امتداد ل"ضبوعة مولاي عبد الله". أنصحكم بمشاهدة حلقة حلم أوساهيرا وضباع مولاي عبد الله. جيل زد خرج من أجل مطالب محددة: الصحة والتعليم ومكافحة الفساد. هذا الجيل اكتوى بنار الفساد، وهو مدرك لحجمه وطبيعته، ويعي أن ضعف التنمية وارتفاع البطالة والفقر لا يعودان إلى قلة الموارد، بل إلى سوء الإدارة وفساد المناخ الاستثماري. وجزء أصيل من هذا الفساد نابع من زواج فاسد بين السلطة والمال، إضافة إلى أن قاعدة واسعة من النخب الاقتصادية والسياسية طبّعت ووفقت مصالحها مع منظومة الفساد وفيروسه. نتيجة لذلك، تصب السياسات العمومية والضوابط والتشريعات في خدمة مصالح شلة المحاسيب والأوليغارشية المحتكرة للسلطة والثروة. في مثل هذه البيئة، فمن الطبيعي أن تكون مخرجات السياسات رديئة ومحدودة الأفق، والخروج من هذه الدائرة المفرغة يقتضي مواجهة مكامن الخلل بشجاعة وموضوعية. أنصحكم بمشاهدة حلقة الاقتصاد المغربي المقنبل بالريع. انتخابات 8 شتنبر 2021 أفرزت مؤسسات استثنائية بكل المقاييس، وحكومة تناسلت في عهدها فضائح تضارب مصالح وفساد عابر للحدود، أبرزها قضية "إسكوبار الصحراء" وعلاقاته بشخصيات سياسية وحزبية. هذه الأحداث كشفت سبب الإقبال الكبير على الانتخابات وسرّ الإنفاق الضخم للفوز بالمناصب. فكيف يُنفق البعض ملايين الدراهم على مقعد؟ هل العائد خدمة الوطن أم نهب الموارد؟ وهل فعلاً مؤسساتنا المنتخبة تملك سلطة التغيير أم هي واجهة شكلية فقط؟ قبل أسابيع، نشرت مجلة جون أفريك تقريرًا يفيد بأن البرلمان المغربي يشهد سابقة غير معهودة: ثلاثون نائبًا يواجهون اتهامات أو أحكامًا بالفساد وتبديد المال العام. وقد علّق أحد النشطاء ساخرًا: "لدينا غرفة النواب وغرفة المستشارين… وغرفة عكاشة!" في إشارة إلى السجن الشهير بالدارالبيضاء. لقد أصبحنا نعيش في مجتمع دارويني؛ القوي يأكل الضعيف، والغني لا يشعر بمعاناة الفقير. النخبة مسؤولة عن توسيع الهوة الاجتماعية. الوضع العام ينذر بطوفان قادم يطرق الأبواب، وسفينة الوطن بها شرخ كبير، تغرق، وإن لم نتدارك الأمر فسنغرق جميعًا. المؤشرات الاقتصادية تؤكد أننا أمام انهيار مالي وشيك، مالم تتخذ إصلاحات راديكالية تعيد الاقتصاد إلى مساره المنتج وتحرره من التبعية والمديونية. منذ انتخابات 2021 والمشهد السياسي المغربي يعيش سوريالية كاملة: تضخم جامح، فساد، بطالة وفقر، ومديونية تهدد بانهيار العملة. تفاقم الوضع مع فقدان الثقة في النخبة السياسية التي تورطت في الفساد والتلاعب بأسعار المحروقات. حتى والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري وصف الأحزاب ب"الباكور والزعتر"، معتبرًا أن أزمة الثقة هي سبب العزوف الانتخابي، قائلاً: "الكل الآن يستنجد بالتدخل الملكي لحل المشاكل." كما قال ماكس فيبر في كتابه العلم والسياسة بوصفها حرفة: يعيش بعض السياسيين من أجل السياسة وآخرون من السياسة. في الحالة المغربية، نعيش نموذج الحكم الأوليغارشي – نظام الأقلية الغنية – بل حتى الكليبتوقراطي، أي حكم اللصوص، الذي يجعل من السياسة وسيلة للاغتناء على حساب المال العام. الواقع السياسي يمكن تلخيصه بقانون "غريشام": الرديء يطرد الجيد. فبعد عقد على دستور 2011، ازداد الوضع سوءًا: برلمان مشلول، تضييق على الصحافة، اعتقال النشطاء، ارتفاع الفقر والبطالة، وانقسام طبقي حاد بين قلة ثرية وأغلبية مسحوقة. أما "النموذج التنموي" و"الاستثناء المغربي"، فليسا سوى مساحيق تجميل زالت عند أول اختبار. لقد عاد صوت الرصاص، وعادت ذكريات "سنوات الرصاص" التي كلفت البلاد غاليًا. لكن في النهاية، لا يمكن كسر إرادة الشعوب. فالشعوب دائمًا تنتصر على جلاديها، وتكرّم من يخدمها ويحمي مصالحها. حفظ الله مغربنا من كل سوء، وتحية لأهلنا في غزة الصامدة، ولأسطول الصمود. للمزيد من التفاصيل والفهم الأعمق لطبيعة الأحداث الجارية، تابعوا الحلقات السابقة واللاحقة من برنامجكم اقتصاد × سياسة، الذي يُبث كل اثنين وخميس على الساعة 20:00 بتوقيت المغرب (19:00 غرينتش، 22:00 القدس). والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. كاتب وأستاذ جامعي مغربي.