احتل المغرب المرتبة الثامنة في مؤشر أسواق المال الإفريقية لسنة 2025، برصيد 56 نقطة من أصل مائة، متراجعا بنقطتين عن تنقيط السنة السابقة، رغم إطلاقه لسوق العقود الآجلة وتقديمه إطارا سياديا لإصدار سندات مرتبطة بالاستدامة، وهي خطوة يعتبرها التقرير تحولا نوعيا في تنويع أدوات التمويل، لكن دون أن تنعكس على ترتيب إجمالي يقيس ستة ركائز أساسية تشمل عمق السوق، وشفافية الأنظمة، والنفاذ إلى النقد الأجنبي، والبيئة الماكرو-اقتصادية، والمقاييس القانونية، إضافة إلى تطور صناديق التقاعد. ويأتي هذا الأداء في سياق دولي يتسم باضطرابات جيوسياسية، وضغط على الاحتياطات من العملة الصعبة في عدة اقتصادات صاعدة، مع تحولات حادة في سياسات البنوك المركزية العالمية، خاصة بعد التغير في الإدارة الأمريكية وتأثير ذلك على الأسواق الناشئة، وفقا للتقرير الصادر في 16 أكتوبر الحالي، عن مجموعة "أبسا" وهي إحدى أكبر الكيانات المصرفية الإفريقية المنخرطة في أسواق المال والاستثمار القاري، بالتعاون مع المنتدى دولي للبنوك المركزية والمؤسسات المالية الرسمية OMFIF.
وأوضح المؤشر أن المغرب سجل 61 نقطة في ركن "عمق السوق"، ليأتي ثانيا في إفريقيا بعد جنوب إفريقيا في هذا المحور، متقدما على موريتيوس التي أحرزت نفس النقطة، وذلك بالرغم من تسجيل انخفاض طفيف في هذا الركن بمقدار نقطتين مقارنة بالعام السابق. ويعزو الخبراء هذا الأداء إلى وجود سوق سندات وأدوات مالية متوسطة التطور، مع إطلاق سوق العقود الآجلة كآلية جديدة لتحسين أدوات التحوط وإدارة المخاطر. وأضاف التقرير أن هذه الخطوة تمثل جزءا من استراتيجية السلطات المالية المغربية لربط أسواق الرساميل الوطنية بممارسات أكثر ديناميكية، غير أن السيولة في السوق الثانوية ما زالت ضعيفة مقارنة بالأسواق الإفريقية الأكثر حركية بالإضافة إلى ضعف معدل دوران السندات مقارنة بمعدلات إفريقيا الجنوبية. ضغوط على الاحتياطات وتراجع في النفاذ إلى العملة الأجنبية أما في ما يتعلق بالوصول إلى العملة الأجنبية، فقد سجل المغرب 56 نقطة، متراجعا بتسع نقاط مقارنة بإصدار العام الماضي الذي منحه 65 نقطة في ركن النفاذ إلى النقد الأجنبي، ليأتي خلف بلدان مثل جنوب إفريقيا (86 نقطة) ومدغشقر (77 نقطة) ونيجيريا (73 نقطة). ويعزو التقرير هذا التراجع إلى تزايد الضغط على الاحتياطي بالعملة الصعبة في العام المالي 2024-2025، في ظل سياق تجاري عالمي متقلب وتراجع تدفقات رؤوس الأموال نحو الأسواق الناشئة بسبب تشديد السياسات النقدية في الاقتصادات المتقدمة. ومع ذلك، أشار التقرير إلى أن الخزينة المغربية ما زالت تحافظ على قدرة متوسطة على امتصاص الصدمات الخارجية بفضل مستوى احتياطي يقترب من عتبة الأمان المعيارية لصندوق النقد الدولي، رغم أنه ليس ضمن الاقتصادات التي تمتلك أعلى احتياطات مثل موريتيوس التي تسجل 11.8 شهرا من الواردات مغطاة بالاحتياطي مقابل معدل يقل عن ذلك بالنسبة للمغرب وإن لم يحدد التقرير رقمه بالضبط ضمن الجدول الخاص بالاحتياطات. تميز في الشفافية وتراجع في الإطار القانوني من حيث شفافية السوق والبيئة الضريبية والتنظيمية، فقد منح المؤشر 85 نقطة للمغرب، ليأتي ضمن المجموعة الخماسية الأولى على مستوى إفريقيا في هذا الركن خلف جنوب إفريقيا (96 نقطة)، موريتيوس (92 نقطة)، غانا (89 نقطة)، وكينيا (87 نقطة). وأوضح أن المغرب يحافظ على مستوى مرتفع من الالتزام بالمعايير الدولية في الإفصاح والإبلاغ المالي، ويظهر ضمن المجموعة التي توفر حوافز لإصدار أدوات تمويل خضراء ومستدامة. فيما يتعلق بركن تطور صناديق التقاعد، سجل المغرب 37 نقطة فقط، ما يجعله في منتصف الترتيب الإفريقي خلف دول مثل ناميبيا التي تحصل على 100 نقطة في هذا المحور، وإسواتيني (67 نقطة) وجنوب إفريقيا (65 نقطة). ويرى التقرير أن صناديق التقاعد المغربية لم تصل بعد إلى مستوى يسمح باعتبارها مستثمرا مؤسسيا محوريا في تعميق السوق المالية الوطنية على غرار ما هو واقع في كل من بوتسوانا وموريشيوس. وأشار إلى أن تدبير هذه الصناديق ما زال يعاني من محدودية في أدوات الاستثمار وتوزيع الأصول، مما يقلل من تأثيرها في توجيه السيولة نحو أسواق الرساميل الوطنية. وفي ركن البيئة الماكرو-اقتصادية والشفافية، أعطى التقرير للمغرب 72 نقطة، ليأتي ضمن مجموعة من الدول التي تتراوح نقاطها بين 70 و85 مثل بوتسوانا (85 نقطة) وأوغندا (85 نقطة) وناميبيا (79 نقطة). وأشار التقرير إلى أن التضخم في المغرب كان ضمن المستويات المقبولة مقارنة ببلدان إفريقية أخرى شهدت انهيارا في قيمة العملة وتزايدا في نسب التضخم مثل زيمبابوي ومالاوي، غير أن الضغط على المالية العمومية واستمرار العجز التجاري يمثلان عاملَي هشاشة يجب مراقبتهما في سياق ارتفاع أسعار الطاقة عالميا وتحول أسواق السلع الإستراتيجية في ظل التوترات الجيوسياسية والاضطرابات في مسارات التجارة الدولية. وكشف التقرير أن الركن الأكثر ضعفا في حالة المغرب هو المعايير القانونية وقابلية تنفيذ العقود، حيث منح له المؤشر 25 نقطة فقط، ليأتي خلف اقتصادات مثل زامبيا (85 نقطة) وغانا (90 نقطة) ونيجيريا (90 نقطة) وأوغندا (90 نقطة). وأشار إلى أن الإطار القانوني المغربي ما زال يحتاج إلى ملاءمة أكبر مع المعايير الدولية فيما يتعلق بتصفية العقود المشتقة، وآليات المقاصة، وصلاحيات عمل غرف التسوية المركزية، الأمر الذي يعد شرطا أساسيا لرفع مستوى ثقة المستثمرين المؤسساتيين الدوليين. إصلاحات مطلوبة وسط تحولات عالمية ويصنف المؤشر المغرب ضمن الاقتصادات التي يجب أن تسرع إصلاحاتها القانونية إذا أرادت الاستفادة من الديناميكية التي يعرفها سوق الأدوات المستدامة والأوراق المالية المهيكلة. ويضع التقرير أداء المغرب ضمن سياق قاري عام يشهد تفاوتات واسعة بين دول تقود الإصلاحات مثل جنوب إفريقيا وموريتيوس وأوغندا ونيجيريا التي سجلت قفزة في ركن النقد الأجنبي، وبين دول تعرف تراجعا في العمق المالي وشحا في السيولة مثل السنغالوغانا ومدغشقر. وأكد أن العام 2025 يأتي في ظل ضغوط عالمية غير مسبوقة نتيجة "صدمات أسعار الأصول وتوترات تجارية وتغير في أولويات الإدارة الأمريكية" حسب نص التقرير، بالإضافة إلى انعكاسات التغير المناخي الذي يدفع الاقتصادات الإفريقية أكثر نحو البحث عن تمويلات خضراء.