أكدت مؤسسة الوسيط أن الغاية من نظام التغطية الصحية لا تتحقق بمجرد وجود الإطار القانوني، وإنما بمدى التزام الصناديق والإدارات بترجمة المقاصد الاجتماعية للضمان. وأشارت المؤسسة في كتاب من إصدارها حول "حكامة القطاع الصحي بالمغرب" أن إصلاح المنظومة الصحية يجب أن يكن جزء من إصلاح شامل للإدارة العمومية، يرتكز على ثلاثية الإنصاف والفعالية والمساءلة، والتعامل مع المواطن كشريك في الخدمة لا طالبا لها.
وشددت على أن أغلب تظلمات المواطنات والمواطنين تتصل بممارسات يمكن تفاديها عبر تبسيط المساطر وتحسين التواصل الإداري، فكثير من أوجه القصور بالمنظومة الصحية ليست مرتبطة بنقص الإمكانات بقدر ماهي ناتجة عن ضعف التنظيم الداخلي. وأبرزت أن ضمان حقوق العاملين بالقطاع الصحي شرط أساسي لتحسين جودة الخدمات المقدمة، لافتة إلى رصد تظلمات متعددة مرتبطة بظروف العمل، وبغياب التحفيزات أو الحماية القانونية. وسجلت أن الولوج إلى المعلومة الصحية شرط لازم لتفعيل الحق في العلاج، موصية بنشر المعطيات المتعلقة بالمسارات العلاجية والتعويضات على بوابات رقمية موحدة، وتبسيط الوثائق المطلوبة، وتطوير نظام رقمي لتتبع التظلمات الصحية، يتيح للمواطنين والمواطنات معرفة مراحل معالجة ملفاتهم. واعتبرت مؤسسة الوسيط أن الجهوية الصحية تشكل العمود الفقري للإصلاح، ذلك أن غياب الإنصاف المجالي في توزيع الموارد والأطر والتجهيزات، يعد من أبرز مظاهر القصور في المنظومة، فالعدالة المجالية ليست خيارا إداريا وإنما واجبا، لأن تكرار التظلمات من مناطق بعينها يعد مؤشرا على غياب المساواة في الولوج. وأكدت الحاجة إلى نظام وطني للمعلومة الصحية المفتوحة، يتيح البيانات حول التمويل والمواعيد ونسب الانتظار، وجودة الخدمات، ويمكن من تتبع الشكايات والإجراءات، مشددا على أن الشفافية ليست مطلبا تقنيا وإنما آلية لإعادة توزيع السلطة داخل المرفق الصحي، من الإدارة إلى المواطن. وخلصت إلى أن الإصلاح الصحي يصعب حصره وقياسه بعدد المشاريع والبرامج، بقدر ماهو مرتبط أساسا بمدى التحول في نمط الحكامة، واعتبار المرفق الصحي ليس مجرد جهاز لتقديم العلاج، بدل فضاء للمعنى العمومي، الذي يقاس فيه مدى احترام الكرامة الإنسانية، ومدى قدرة الدولة على تحويل القيم الدستورية إلى ممارسات يومية.