الناظور غائبة.. المدن المغربية الكبرى تشارك في منتدى "حوار المدن العربية الأوروبية" بالرياض    في يومها العالمي.. شجرة الأركان تتوّج رمزًا للتراث المغربي والصمود البيئي    بعد هجمات.. وساطة أمريكية توقف الحرب بين الهند وباكستان    البطولة.. الكوكب المراكشي على بعد نقطة من العودة إلى القسم الأول بتعادله مع رجاء بني ملال    شاهدوا فيديو خروج ناصر الزفزافي من الحسيمة بعد زيارة والده    تحذيرات في برشلونة: لا تفتحوا النوافذ.. السحابة السامة في الأجواء    إسبانيا تخصص 350 ألف يورو لتمويل دراسة جديدة لإنجاز النفق مع المغرب    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الأسبوع على وقع الارتفاع    العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان تستنكر حرمانها من وصل الإيداع القانوني    ترامب يعلن موافقة باكستان والهند على وقف "فوري" لإطلاق النار    وسائل إعلام إسرائيلية: ترامب يستعد للإعلان عن اعتراف رسمي بالدولة الفلسطينية خلال جولته الشرق أوسطية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    بعد واقعة انهيار عمارة بفاس..التامني تسائل الداخلية عن نجاعة مشاريع تأهيل المباني الآيلة للسقوط    الطالبي العلمي يقود وفدًا برلمانيًا مغربيًا في المنتدى الاقتصادي الموريتاني-المغربي الذي يواصل فعالياته بنواكشوط    مهرجان مغربي في تاراغونا يبرز عمق العلاقات بين المغرب وإسبانيا    أنشيلوتي يفتح الباب أمام شابي ألونسو لخلافته في ريال مدريد: "أثبت أنه من أفضل المدربين في العالم"    الأوروبيون يسعون لهدنة مع موسكو    ديستانكت ومراد يرويان خيبة الحب بثلاث لغات    من الرباط إلى طنجة.. جولة كلاسيكية تحتفي بعبقرية موزارت    مهرجان "كان" يبرز مأساة غزة ويبعث برسائل احتجاجية    نهضة بركان يستعد لنهائي الكونفدرالية وسط ترتيبات مكثفة بملعب بنيامين    وكالة الحوض المائي اللكوس تطلق حملة تحسيسية للتوعية بمخاطر السباحة في حقينات السدود    طنجة تستقبل العالم وشوارعها ما زالت تبحث عن التهيئة    تنظيم استثنائي لعيد الأضحى بالمجازر.. هل يتجه الناظور لتطبيق النموذج المعتمد وطنياً؟    "كان أقل من 20 سنة".. المنتخب المغربي يواجه سيراليون وعينه على مونديال قطر    مهرجان مغربي يضيء سماء طاراغونا بمناسبة مرور 15 سنة على تأسيس قنصلية المملكة    الموت يفجع الفنان المغربي رشيد الوالي    تقارير.. ليفربول وآرسنال يتنافسان على ضم رودريغو    الفيفا يرفع عدد منتخبات كأس العالم للسيدات إلى 48 بدءاً من 2031    بالقرعة وطوابير الانتظار.. الجزائريون يتسابقون للحصول على الخراف المستوردة في ظل أزمة اقتصادية خانقة بالبلاد (فيديوهات)    المدير العام لمجموعة الوكالة الفرنسية للتنمية في مهمة ميدانية بالصحراء المغربية    القضاء الأمريكي يجمد تسريح موظفين    "لجنة طلبة الطب" تتوصل إلى تفاهمات جديدة مع التهراوي وميداوي    حمد الله يكشف المستور.. رفضت التنازل لبنزيما وهددت بالرحيل    بينالي البندقية.. جلالة الملك بوأ الثقافة والفنون المكانة التي تليق بهما في مغرب حديث (مهدي قطبي)    إمبراطور اليابان الفخري يغادر المشفى بعد فحوص ناجحة    غزة تموت جوعا... كيلو الدقيق ب10 دولارات ولتر الوقود ب27    المغرب يدفع بصغار التجار نحو الرقمنة لتقليص الاقتصاد غير المهيكل    النصيري يستعيد بوصلة التسجيل بتوقيع هدف في مرمى باشاك شهير    زلزال بقوة 5,3 درجات يضرب العاصمة الباكستانية    تطور دينامية سوق الشغل في المغرب .. المكتسبات لا تخفي التفاوتات    إيران وأمريكا تستأنفان المحادثات النووية يوم الأحد    بوزنيقة تستقبل زوار الصيف بالأزبال.. ومطالب للداخلية بصفقة النظافة    "أسبوع القفطان" يكشف المستجدات    البعوض يسرح ويمرح في طنجة.. والجماعة تبحث عن بخّاخ مفقود!    أسود الأطلس... فخر المغرب الذي لم ينقرض بعد    افتتاح فعاليات المعرض الدولي السابع والعشرون للتكنولوجيا المتقدمة في بكين    النظام الجزائري يمنع أساتذة التاريخ من التصريح للإعلام الأجنبي دون إذن مسبق: الخوف من الماضي؟    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسئلة إلى قيادة حزب الإستقلال
نشر في لكم يوم 19 - 10 - 2011

في سنة 1996، وفي إطار حوار بين فاعلين من الحركة الأمازيغية والأحزاب السياسية من أجل حشد دعم حزبي لمطلب ترسيم الأمازيغية في التعديل الدستوري آنذاك، استقبلنا الأمين العام لحزب الإستقلال السيد امحمد بوستة في مقر الحزب بالرباط، وبعد أن طرحنا أمامه مشكلة الأمازيغية في مرجعية حزب الإستقلال ، أجابنا الأمين العام بأن 60 في المائة من أعضاء الحزب في المناطق المغربية هم من الأمازيغيين. وفهمنا الرسالة على الشكل التالي: الحزب ليس ملزما بالإعتراف بالأمازيغية هوية ولغة وثقافة، أو دعم مطلبها في الدستور ما دام الأمازيغ أنفسهم يصوتون له دون أن يطرحوا الإشكال الإيديولوجي، وهذا معناه أن الأمازيغيين من أبناء الشعب ليسوا متفقين مع نخبة الحركة التي هي معزولة وقليلة العدد، نفس الشيء صرّح به السيد أبوبكر القادري لجريدة الأحداث المغربية عام 2000، عندما قال عن الحركة الأمازيغية:"عددهم لا يزيد عن المائتين وهم مختلفون فيما بينهم".
في الآونة الأخيرة، بعد أن تجاوز القرار الرسمي بصفة نهائية موقف حزب الإستقلال للمرة الثانية في عشر سنوات (2001 – 2011)، بفضل جهود "النخبة المعزولة والقليلة العدد"، وفي بعض زياراتي لمناطق قروية بدعوة من جمعيات التنمية المحلية، التي تؤطر أعدادا كبيرة من المواطنين في تظاهرات حاشدة، أفاجأ بعد الترحيب الكبير والإحتفاء بالأمازيغية ورموزها وبحروفها الأصلية تيفيناغ التي تكتب بها اللافتات والعلامات الطرقية في عدد من الجماعات، بأن بعض هؤلاء المواطنين في تلك المناطق يصوّتون فعلا في الإنتخابات لحزب الإستقلال، لسبب بسيط هو أنهم لا يعرفون الحزب أصلا، وإنما يتبعون لأحد أعيان المنطقة الذي يضعون فيه ثقتهم، إما لماله الوفير، أو لعلاقاته العشائرية المتشعبة والمرتبطة بشبكة المصالح في إطار الروابط التقليدية المعروفة، أو لقربه من السكان وحرصه الفعلي على مصالحهم.
بالنسبة للسكان لا مشكل هنالك، فالأمازيغية هي ثقافتهم الأصلية ولغتهم ونمط حياتهم، والحزب لا يزعجهم لأنهم لا يعرفون إيديولوجياه ولا مرجعيته الفكرية السلفية المعادية للتنوع الثقافي واللغوي الوطني، وعندما أذكرهم بمواقف الحزب الرجعية من الأمازيغية وبتصريحات امحمد الخليفة الذي هدّد في برنامج تلفزي ب"الحرب الأهلية" إن أصبحت الأمازيغية رسمية في الدستور، أو بالخطبة الشهيرة لعباس الفاسي في مؤتمر شبيبة الحزب بأنه س"يكافح" لكي لا تصير الأمازيغية رسمية في الدستور، يضحكون ساخرين معتبرين هؤلاء القياديين في حالة شرود.
لكنّ ذلك لا يحلّ المشكل المطروح بالنسبة لنا كفاعلين مدنيين، لأن الحزب المذكور في النهاية وبسبب مقاطعة أغلبية الشعب المغربي لانتخابات عبثية يتصدر المنابر بفريق برلماني يُصنع من أصوات هؤلاء السكان البسطاء، ويتولى مناصب الترأس التي يُعيّن فيها أبناء العائلة الأوليكارشية من الدوحة الفاسية التي لا صلة لها بتلك الجماهير، كلّ هذا دون أن يجد الحزب نفسه مضطرا لأن يكنّ أي احترام لثقافة هؤلاء "الشلوح" وهويتهم ولغتهم، حتى عندما تلزمه قوانين الدولة بذلك.
بالنسبة للأعيان المحليين فالصفقة واضحة، ما دام هذا الحزب مشاركا في الحكومة، فإنه إطار لقضاء المصَالح المادية المباشرة والملموسة، والمشكل الثقافي واللغوي ليس مطروحا في العالم القروي لأن اللغة والثقافة الأمازيغيتان واقع يومي عفوي وتحصيل حاصل، بينما يُطرح المشكل بحدّة في الأوساط الحضرية وداخل المؤسسات، حيث يوجد ميز صارخ وغير مقبول.
والواقع أنه بسبب ضعف النخبة الثقافية لحزب الإستقلال وتقوقعها في إطار ثقافي ولغوي ضيق، وعجزها عن تهيئة الملفات الضرورية حول التطورات المتلاحقة التي عرفها المغرب، لم تقدّم للحزب أية مساعدة لفهم ما جرى في العشر سنوات الأخيرة، بقدر ما ظلت تداهن القيادة العجوز للحزب التي بقيت في "دار غفلون" معتقدة أنها يُمكنها أن تواصل مقاربة الشأن الثقافي واللغوي بنفس الأسلوب اليعقوبي السابق، وفي إطار مفاهيم متقادمة لم تعد تنفع في تفسير روح المرحلة الجديدة، التي تعرف فيها الدولة المغربية انتقالا تدريجيا من نموذج دولة إلى آخر، حيث ظلّ علال الفاسي مرجعا ملهما للحزب في الوقت الذي لم تتعدّ فيه تنظيراته في هذا الشأن تحديات المرحلة الكولونيالية وصراعات فجر الإستقلال.
وقد ظهر التخلف الإيديولوجي للحزب المحافظ بوضوح سنتي 2008 و2010 عندما سمح لأعضاء من فريقه البرلماني بتقديم مقترح قانون غريب حول "تعريب الإدارة والحياة العامة"، لم يأخذ مطلقا بعين الإعتبار ما تحقق في مجال مأسسة الأمازيغية منذ 2001، داعيا إلى الحكم بالغرامة من 10.000 إلى 15.000 درهم على كل من استعمل لغة غير العربية وحروفا غير الحروف العربية في الواجهات العمومية وأنشطة الجمعيات إلخ.. متظاهرا بأنه بستهدف اللغة الفرنسية، التي يعلم الجميع عدم استعداد الحزب للتخلي عنها بأي حال من الأحوال، بدليل استمرار قيادته ونخبته في تسجيل أبنائهم بمدارس البعثة الثقافية الفرنسية.
كما ظهر الحزب بشكل متخلف عن النقاش الدستوري والحراك الشعبي ما بين 20 فبراير وشهر يونيو من السنة الحالية، ولم يفهم في الوقت المناسب الإشارات القادمة من الشارع المغربي ومن أغلبية المذكرات التي تسلمتها لجنة مراجعة الدستور. كما ارتكب الحزب خطأ فادحا بالسعي إلى إجهاض مكاسب العشر سنوات الأخيرة التي عاشت فيها الأمازيغية على شتى الأصعدة دينامية متميزة من أجل النهوض والحفاظ على البقاء، ومن هذه المكاسب حرف تيفيناغ العريق، والخطوات المنجزة في توحيد اللغة الأمازيغية المعيار.
من جانب آخر فالذي جرى في العشر سنوات الأخيرة في غفلة من حزب الإستقلال، هو نوع من التواطؤ الإيجابي بين نوعين من الفاعلين كان يفرق بينهما الميز الصّارخ الذي كانت تتبناه الدولة ضد الأمازيغية، وهما الفاعلون الثقافيون للحركة الأمازيغية، والفاعلون الإقتصاديون والأعيان المحليون، وهو ما يفسر التقارب الذي حصل بعد خطاب أجدير بين الجمعيات الثقافية الأمازيغية وجمعيات التنمية المحلية التي لم تكن تتجاوز في أنشطتها مشاريع التنمية المادية، لتنتقل بعد 2001 إلى مجال التنمية الثقافية وتصبح مصدر إشعاع كبير للثقافة واللغة الأمازيغيتين، فالنخبة المالية كانت تعتمد مبدأ التقية في سلوكها مع السلطة، ولم تتحرّر سيكولويجا إلا مع خطاب أجدير الذي كان بالنسبة لها إشارة لإمكان دعم ثقافتها الأصلية، التي شرعت في الإنتقال من الهوامش المنسية إلى دوائر الثقافة الرسمية المعترف بها.
أدى هذا إلى أنّ الأعيان المحليين أنفسهم الذين كان الحزب يجد لديهم ضالته باعتبارهم خزانا للمال والأصوات، قد أصبحوا يتمتعون بدرجة من الوعي الثقافي بهويتهم تلزم الحزب بمراجعة أوراقه. فقبل عامين اتصل بي أحد النواب من الفريق الإستقلالي طالبا مني لائحة بأسماء الفنانين الأمازيغيين وأرقام هواتفهم، محتجّا في غضب ظاهر على أن فريق الحزب نظم لقاء مع الفنانين المغاربة لم يستدع إليه أي فنان أمازيغي، معبرا عن نيته في تنظيم لقاء آخر مع الفنانين الأمازيغيين. وهي التفاتة من نائب برلماني استقلالي لها دلالتها في هذا الباب.
الأسئلة المطروحة اليوم، والتي لم يكن مجديا طرحها بالأمس، هي التالية: كيف يمكن لحزب الإستقلال أن يسعى لنيل أصوات ناخبين أمازيغيين دون احترام هويتهم في الفضاء العمومي وداخل المؤسسات ؟ ولماذا يبذل الحزب قصارى جهوده في كواليس الدولة لإجهاض مشروع النهوض بالأمازيغية والتراجع عن مكاسبها التاريخية ؟ وهل من المفيد اليوم بالنسبة للحزب أن يظلّ متمسكا بضرورة تدبير موضوع الأمازيغية في إطار إيديولوجياه العربية بهدف تحجيمها والتقليص من إشعاعها في المجتمع؟ أليس من الأجدى الإنتقال من الأحقاد الطبقية القديمة إلى التفكير الوطني المسؤول، الديمقراطي والمتزن ؟ وإلى أي مدى استوعب الحزب مفهوم الوطنية الجديد الذي يقوم على مبدإ الوحدة في احترام التنوع وتدبيره وليس في الإقصاء والسعي إلى التنميط والتعليب الأحاديين؟ وهل يمكن أن نظل موحّدين في إطار استمرار سياسة الميز واللامساواة ؟ أم أن الوحدة الوطنية الحقيقية هي في إنهاء النزاع في موضوع الهوية عبر رفع الوصاية عن الأمازيغية عمليا في كل المجالات الحيوية ؟
في الواقع ليس ثمة إلا أحد أمرين يمكن للحزب أن يختار بينهما: إما أن يعمل بشكل واضح على مراجعة إيديولوجياه الجامدة لتغيير صورته السيئة لدى الأمازيغ، وإما أن على الأعيان المحليين الأمازيغيين المرتبطين بهذا الحزب أن يبحثوا عن تزكيات أحزاب أخرى تحفظ المصالح وتحفظ الكرامة أيضا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.