بقلم المؤرخ عبد الحميد بريري تعتبر البناية التاريخية للمحكمة الشرعية بالعرائش المتواجدة بشارع يوسف بن تاشفين والتي بنيت سنة 1944 ، من جملة المعمار الإسلامي التي انفردت به المدينة إذ تتكون من غرفة كبيرة كان يجلس فيها القاضي الشرعي أو قاضي العرائش وأربعة غرف كانت مخصصة للعدول وللنساخ والكتاب والوكلاء ومكان مخصص للمتقاضين ، جدرانها مزينة بزليج فيه رسومات تشترك فيه أغلب البنايات التاريخية بالمدينة ، كما تتوفر المحكمة على باحة كبيرة وباب خلفية كان يدخل منها القاضي ، أما الباب الأمامية تتخذ شكل قوس ونافذتين على اليمين واليسار . جلس على كرسي القضاء بالمحكمة الشرعية للعرائش علماء عينوا من طرف سلاطين المغرب كالعلامة والأديب والشاعر أحمد بن المامون البلغيثي سنة 1908 الذي قال في العرائش : بمرسى العرائش ما يشتهى فإن غبت عنها تشوقتها بروضتها علم قد أضاء ضياء المصابيح إن رمتها فتلك جليلة آمنة فيا فوز من نال زورتها وكذلك القاضي أحمد بن يوسف الفاسي الذي صاغ سنة 1912 تعليمات السلطان المولى عبد الحفيظ على شكل إشهاد وإلتزام عدول العرائش على تنفيذها في شأن عقود البيع والشراء لحمايتها من الزور وعلى متنها جاء الظهير الشريف المتعلق بالإلتزام بشروط معقولة لعدم تسرب الزورلمخلف عقود المعاملات حيث أرسلت إلى كل قضاة المغرب آنذاك للإلتزام بفحواه ومضمونه . اليوم هاهي معرضة للهدم و التشويه كما تعرضت معالم تاريخية أخرى عوض ترميمها واستغلالها فيما يناسبها لاتخادها متحفا اومركزا ثقافيا . أما أن تتخذ مصلحة تابعة للبلدية تختص في شؤون التعميرفهذا ضرب من العبث فاللجماعة أرض عليها المحطة الطرقية القديمة لإقامة مقر للبلدية في إحدى أجزائها الغير المبنية تليق بمدينة عريقة في بناية تحتوي على كل المرافق الجماعية، وأن تكون مجتمعة حتى يسهل على المرتفق قضاء أغراضه الإدارية كباقي المدن المغربية دون التنقل بين مصالحها المتقطعة الأوصال هنا وهناك . فماذا يخطط لهذا العقار فيما بعد ؟ على المعارضة في المجلس والمجتمع المدني التحرك لإيقاف ثقافة الهدم والتدميرالتي تعرضت إليها المدينة في أروع معالمها التاريخية مسرح اسبانيا ، سينما أيديال ، سينما كوليسيو ، نافورة ساحة التحرير... قبل فوات الآوان فلن ينفعنا التباكي بعد ، لأن عقلية الرئيس ومن معه لا تعرف إلا ثقافة الربح والخسارة أما ما هوثقافي وتاريخي فلا يؤخذ به إلا من باب تحصيل حاصل . ان قيمة بناية المحكمة الشرعية بالعرائش عربون على حضارة المغرب ، ومدنية هذه المدينة الضاربة في جدور التاريخ ، ووجود مِؤسسة القاضي في المجتمع العرائشي لإحقاق الحق والضرب على يد الظالم لدليل على ذلك . وكان ملوك المغرب وخاصة العلويون منهم حريصين على تعيين القاضي للمدينة في إطار الرعاية الشاملة التي كانت تلقاها منهم نظرا للأطماع الإستعمارية التي كانت عرضة لها عبر تاريخها ،ويمتد نفوذ محكمتها في بعض الأحيان إلى القبائل المجاورة . مقر المحكمة الشرعية بالمدينة هل سيكون مصيره مصير المعالم التاريخية الأخرى التي تعرضت للهدم وطمس هويتها الحضارية ؟ الجواب سيجيب عنه المستقبل القريب ... مراجع المواد التاريخية : 1- الرحلة الحجازية لأحمد بن المامون ص: 38 2 – مجلة البحث العلمي : مقال تاريخ القضاء بشمال المغرب على عهد الحماية (2) بقلم القاضي الحسن ابن عبدالوهاب ص : 167 ، 168 ، 169 عدد 54 سنة 1965 الفصل الأول من السنة .