التهراوي يعترف بوجود أوجه قصور في قطاع الصحة    الملك محمد السادس يستقبل مبعوث العاهل السعودي وولي عهده بالدار البيضاء    الركراكي يستدعي لاعب الجيش الملكي لمباراتي البحرين والكونغو    طنجة.. توقيف شرطيين مزورين سرقا مواطنا تحت ذريعة "التحقق من الهوية"    إحباط تهريب أزيد من 21 ألف قرص مخدر بميناء طنجة المتوسط داخل لعب أطفال    المغرب وبريطانيا يجريان تدريبات عسكرية    بنكيران يرفض ضغط شباب "جيل زد" على الملك باحتجاجات الخميس ويؤكد أن رسالتهم وصلت وسيتم الرد عليها    دعوات للاحتجاج أمام وزارة الخارجية للمطالبة بالإفراج الفوري عن النشطاء المغاربة المعتقلين لدى إسرائيل    "هآرتس": عامان على حرب غزة دون هدف وإسرائيل غارقة بالعزلة وتحتضر    النيابة العامة تفتح تحقيقًا في واقعة إحراق شخص بالناظور    جريمة في الخلاء.. الأمن يوقف متشردين قتلا شخصًا بطريق طنجة البالية    الرئيس السنغالي فاي يستقبل بوريطة    الحية: "حماس" تريد ضمانات ترامب    تداولات بورصة البيضاء تنتهي بالأحمر    إسبانيا في ربع نهائي مونديال الشباب            التصفيات الإفريقية المؤهلة لمونديال 2026 .. المغرب يستضيف أربع مباريات لحساب الجولتين التاسعة و العاشرة    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    بعد الجدل حول "خروقات التخرج".. إدارة ENCG طنجة ترد وتوضح    تحفيز نسوة .. تعاون مغربي إسباني يمنح المرأة القروية مفاتيح الريادة الاقتصادية    أزمة سياسية غير مسبوقة في فرنسا    بتعليمات سامية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يشارك ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، اليوم الثلاثاء، بدكار في أشغال منتدى " إنفست إن سينغال ".    جيل زد يؤكد أن الحوار مع الحكومة الحالية لا معنى له، والمناورات السياسية انتهت    جيل الغضب وسفينة الحكومة: حين تهتزّ مسؤولية التحالفات وتتعالى أصوات الشباب    اتفاقية شراكة وتعاون بين الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها وقطب الأمن الوطني و«الديستي»    مهرجان الإسكندرية السينمائي .. المخرج المغربي حكيم بلعباس ينشط ماستر كلاس حول الإخراج    نجوى كرم تشعل دبي أوبرا بحفل فني استثنائي    خمسة عشر فيلما وثائقيا طويلا تتنافس في الدورة 25 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة    تربية المواشي تقرب بين المغرب وفرنسا    مجلس جهة الشرق يصادق على 80 نقطة لدعم مشاريع تنموية كبرى بمختلف أقاليم الجهة        اليماني: سعر المحروقات يبنغي ألا يتعدي 10 دراهم وتحرير القطاع لم ينعكس على الصحة والتعليم    التغيير في المغرب.. غير ممكن !    جيل القنطرة الذين صنعوا طريق الوحدة والديموقراطية ولم يعبروا وحدهم    "الجمعية" تعقد لقاء مع بوريطة بشأن استمرار احتجاز غالي وبن الضراوي في السجون الإسرائيلية    فيفا يطرح تذاكر مباريات كأس العالم ابتداء من 20 درهماً    الركراكي يهنئ لاعبي المنتخب المغربي على انجازاتهم الفردية رفقة أنديتهم        وزارة النقل توضح موقفها من خدمات النقل عبر التطبيقات الذكية    مولودية وجدة يحقق فوزه الأول وشباب المحمدية يتعثر    تقرير غوتيريش يوصي بتمديد ولاية "المينورسو" ويكشف موافقة أممية على بناء ملاجئ عسكرية مغربية في الصحراء    67 قتيلا حصيلة انهيار المدرسة في إندونيسيا مع انتهاء عمليات البحث    من باريس إلى الرياض.. رواية "جزيرة القارئات" الفرنسية بحرف عربي عبر ترجمة مغربية    ارتفاع الذهب إلى مستوى قياسي جديد وسط الطلب على الملاذ الآمن    حركة "جيل زد" تلجأ إلى سلاح المقاطعة للضغط على أخنوش    انطلاق "دوري الملوك" في السعودية    هذا الموريسكي .. سر المخطوط الناجي (2)    دراسة: التدريبات الرياضية تقلل الإحساس بالجوع    الخلايا التي تمنع أجسامنا من مهاجمة نفسها.. نوبل الطب 2025 تكرّم اكتشاف "فرامل المناعة"    أهم نصائح التغذية لشهر أكتوبر    عنوان وموضوع خطبة الجمعة القادمة    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    دراسة: فحص بسيط يكشف عن خطر الإصابة بالخرف قبل عقود من ظهور الأعراض    العلماء يدرسون "التطبيب الذاتي" عند الحيوانات    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعيد بنسعيد العلوي "الشرق الاوسط": الإسلام السياسي والدولة المدنية
نشر في مغارب كم يوم 01 - 09 - 2011

كنت قد تساءلت في هذه الصفحة، أسبوعين اثنين بعد انتفاضة 25 يناير، عن الشعارات الغائبة في ميدان التحرير. قصدت بذلك التدليل على خفوت أصوات كان المعتقد أنها مرتفعة، وضمور آيديولوجيات كان المتوهم أنها تملأ من الوعي العربي حيزا غير يسير. تبين لي، وقد ذكرت ذلك في حينه، أن كل الشعارات التي تمت إلى القومية العربية بصلة وإلى آيديولوجياتها لم تكن على الإطلاق واردة في خطاب ميدان التحرير، في حين أن وعيا عربيا عميقا وقويا كان يشع من ذلك الخطاب، شعور عارم بالانتماء إلى ثقافة واحدة والاشتراك في هموم واحدة. الشيء نفسه سجلته بالنسبة للشعارات التي تمت إلى السلفيات الجهادية على نحو أو آخر، وفي مقابل ذلك أبان ميدان التحرير عن شعور قوي بالانتساب إلى الإسلام، عقيدة وحضارة وصلاة الجماعة والجمع، خاصة، تجل واضح لذلك. الإسلام حاضر بقوة في الوعي العربي المعاصر وحضوره قوي فاعل، غير أنه يرفض فكر التطرف الذي يقود إلى الإرهاب. وتبين لي كذلك أن كل الشعارات المعهودة في القاموس الماركسي اللينيني (الصراع الطبقي، الإمبريالية، الثورة البروليتارية...) قد اختفت وتوارت بالكلية لتحل محلها شعارات المطالبة بالكرامة والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد. وفي كلمة واحدة هناك توق إلى الحرية، وتطلع إلى تشييد صرح الدولة الحديثة التي يكون فيها للمواطن المجال مفتوحا لتحقيق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. يصح الكلام إذن عن نوع من المصالحة مع السياسة، من حيث إنها اهتمام بالشأن العام، وإقبال على العيش المشترك السليم في دولة المؤسسات والقانون والمواطنة الحق، وبالتالي الدولة الحديثة على الحقيقة. هذه جملة قضايا أرى التذكير بها تمهيدا ضروريا للقول في الإسلام والدولة المدنية في عالمنا العربي.
أود، من جهة ثانية، أن أنبه إلى ظاهرة أخرى ترتبط بموضوع حديثنا، بطبيعة الأمر، إنها ظاهرة المجاهرة بالدولة المدنية في خطاب الكثير (إن لم نقل كل) من التيارات السياسية القائمة أو التي تطالب بالحق في الظهور في الساحة السياسية، من التي يصح القول عنها إنها تمت بصلة إلى «الإسلام السياسي». ذلك أن من الواضح لدى كل ملاحظ يتتبع حركية الانتفاض العربي في مصر، أساسا، أن هنالك إعلانات مستمرة عن إنشاء أحزاب أو تكتلات سياسية تدعو إلى الدولة المدنية، أو تجعل من الدولة المدنية شعارا لها وسبيلا إلى إقامة الدولة الحديثة في مصر اليوم.
التنبيهان اللذان ذكرت يسلمان إلى جوهر القضية موضوع حديثنا اليوم، قضية الإسلام والدولة المدنية. وأجدني في حاجة إلى استسماح القارئ الكريم في التذكير، في جمل قليلة، بل في خلاصات سريعة، بما انتهيت إليه من رأي في أحاديث سالفة. أولها أن الدولة المدنية هي النقيض المطلق للدولة الدينية أو للدولة التي يصح أن توصف بأنها كذلك. ثانيهما أن الدولة الدينية، على الحقيقة، هي تلك التي عرفتها المجتمعات الغربية في العصور الوسطى المسيحية، وهي التي تعبر عنها نظرية الثيوقراطية في عبارة، ونظرية الحق الإلهي أو الحق المقدس للملوك، وبالتالي النظرية السياسية التي تقول بوجود السلطة السياسية المطلقة، فلا شيء يحد من إطلاقها، والمقدسة، فهي كذلك لأن مصدرها يعلو على البشر. وثالث الخلاصات أن مفكري الإسلام لم يعرف منهم اقتراب من معاني هذه الدولة، والسبب بسيط وواضح، هو أن الدولة الثيوقراطية تتنافى مع الإسلام من جهتي العقيدة والشريعة معا. نعم، عرف الحكم السياسي في الإسلام من الاستبداد أصنافا شتى، تجلى فيها الحكم المطلق في أشد صوره قتامة في بعض الأحوال، بيد أن نظرية «الحق الإلهي» تظل غير مفكر فيها في الوعي الإسلامي، من حيث إن فيها إلغاء للعقيدة الإسلامية ذاتها. ورابع الخلاصات وآخرها هو أن الدولة المدنية نتاج تطور تاريخي، وصراع اجتماعي، وتحول معرفي، وبالتالي فهي ثمرة نقلة كيفية شاملة في كل من الوجود والوعي في الغرب الأوروبي، كان لا بد، من أجل تحققه، من حدوث سيرورة تاريخية اجتماعية سياسية معرفية تتضافر عناصرها.
ما أود قوله، في ضوء ما تقدم، أمران اثنان: أولهما أن انتفاء صفة الدولة الدينية عن الإسلام لا يعني البتة أن الدولة في الإسلام دولة مدنية بالضرورة، أو أن الدولة في الإسلام دولة مدنية في صلبها. ذلك أن هذا الاعتقاد فاسد، فهو خطأ شنيع يكذبه التاريخ، ويكذبه الفهم العلمي لكل من السياسة والوجود. وثانيهما: أن في الفكر السياسي في الإسلام، وفي فهم مفكريه للعلاقة القائمة بين الدين والسياسة، من جانب، والإنسان والدين، من جانب آخر، ما يكون معه الإسلام في حال هي أبعد ما تكون عن التعارض مع الدولة المدنية، من حيث هي دولة المؤسسات واستقلال السلطات عن بعضها البعض، ودولة القانون والمساواة بين المواطنين أمامه، والإسلام يقبل دولة المواطنة والمواطنين الأحرار الذين هم أمام القانون سواسية.
الخطاب الإسلامي السياسي المعاصر يشكو من الفقر النظري، ومن غياب المعرفة بكل من الفكر السياسي الإسلامي في عهود الازدهار الفكري، ومن الفكر السياسي الغربي في مراحل تشكله التي كان عنها ميلاد الدولة الحديثة، على النحو الذي تحد به هذه الدولة في الفقه الدستوري المعاصر، وتتضح معالمها في الفكر السياسي الحديث، وبالتالي الدولة المدنية على الحقيقة.
الحق أن الفكر العربي الإسلامي في عصر النهضة قد كان في حال من الوعي العالي بطبيعة كل من الفكر السياسي في الإسلام والفكر السياسي الغربي الحديث، متى كانت المقارنة مع الفكر الإسلامي السياسي المعاصر على النحو الذي تطالعنا به كتابات الإسلام السياسي، (أو ذاك الذي اعتدنا أن نصفه كذلك). إن هذا الفكر الأخير، أكثر من غيره من أصناف الفكر العربي الإسلامي المعاصر، في حاجة إلى إعادة نظر شاملة في قناعاته وطرائق نظره، حتى يكون في وسعه إدراك معنى «الدولة المدنية» التي يتحدث عنها. ربما كانت البداية الصحيحة هي إعادة قراءة النتاج النظري للحقبة المعاصرة، التي نتواضع على تسميتها «عصر النهضة». بل لنكن أقل مجاملة وأكثر صراحة فنقول: إن رموز «الإسلام السياسي» في حاجة أكيدة إلى اكتشاف فكر النهضة. أرى أن الحاجة، في الواقع، تكمن في قراءة الفكر العربي الإسلامي في عصر النهضة، من حيث إن تشابها عظيما لا يزال قائما بين حالنا في العصر المذكور وحالنا اليوم، من جهة التطلع إلى مجاوزة حال الظلم والاستبداد والتطلع إلى الخروج من وهدة التخلف عن ركب الإنسانية المتقدمة، (والتقدم أحد مفاهيم عصر النهضة)، والحاجة، من جهة ثانية، في اكتشاف الفكر السياسي الإسلامي في عصر العطاء الحضاري العظيم، وأخص سمات ذلك الفكر هي الإقبال على الآخر والانفتاح على «تجارب الأمم»، (وتكرارنا للعبارة متعمد). والحاجة، ثالثا وأخيرا، في تدبر المعاني البعيدة لهذه «الدولة المدنية» التي كثر الحديث عنها دون تبين لدلالتها على أرض الواقع في وجودنا العربي الإسلامي: وجود التعدد، والاختلاف، والمواطنة، وحقوق الإنسان. وجود لا يتنافى في شيء مع العمق الإسلامي. فوائد وعبر كلنا، لا شك في ذلك، في حاجة أكيدة إلى استحضارها واستلهام دروسها.
الدولة الإسلامية الممكنة اليوم هي الدولة المدنية الحق ذات المرجعية الإسلامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.