أنا ربكم الأعلى و ما أريكم إلا ما أرى. هكذا تكلم فرعون، و الفرعونية صفة لا تنحصر في ملك مصر بل تتعداها إلى زيد و ميشال من الناس. و هكذا أجاب القرآن (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) أي و الله إن فرعون علا في الأرض دون السماء و كذلك يفعل فراعنة كل زمان و مكان. أحداث العيون، بأي عقل تقرأ؟ هل بعقلية ما تراه دار لبيرهي و شقيقاتها، و ما على باقي القطيع إلا التأمين و ترديد السنفونية شهورا حتى يجد لنا المخزن لعبة جديدة تلهينا, فتسكتنا, ليستمر هو في نهب خيرات البلاد و استعباد العباد؟ علمتنا التجارب مع الأنظمة الإقطاعية القارونية، أنها تعمل على احتواء جميع الإحتجاجات الشعبية عن طريق شراء بعض الذمم و توريطها، أو قمعها بالعصا و الرصاص أو بزرع العناصر البوليسية وسط المحتجين قصد إخراج قطار النضال عن سكته. أثناء التظاهرات الطلابية و خصوصا التي تتجاوز أسوار الجامعات، دائما كان المناضلون يحذرون من هذه العناصر التي تبدأ في رشق قوات الأمن بالحجارة، حتى تعطي لها مبررا لوصفهم بالهمج، و من ثم يشعر رجال الأمن بالمظلومية، فيجتهدون أكثر في تكسير ضلوع المتظاهرين. في تقديري، إن ما حدث في العيون لن يخرج عن هذه الثلاثية: القمع بالرصاص لم يعد ممكنا نظرا للضغط الإعلامي الدولي. شراء ذمم الأعيان و الشيوخ الذي تجاوز مدة صلاحيته. و أمام طول المدة و عجز المخزن على تلبية مطالب النازحين لم يبق أمامه سوى تفجير الشكل الإحتجاجي من الداخل. مجرد إطلالة سطحية على الشريط الذي يظهر أحد العناصر الإجرامية يذبح رجل أمن و آخر يتبول على جثة، يتبين من خلال قراءة ما وراء الصورة و المشهد الهمجي لذاته، الإستعطافي لغيره، أن التصوير كان من أعلى؟ هنا نتساءل: من الذي يمتلك الفضاء الجوي من داخل دولة المخزن؟ و في الصحراء القاحلة؟ هل قناة الجزيرة هي من صورت هذا المشهد الهمجي من على طائرة الهيلوكبتر؟ و لنفترض أن جهة معينة أعطت التعليمات بعدم إطلاق الرصاص حتى لا يسقط ضحايا. فلماذا سمحت بسقوط شهداء من داخل قوات الأمن؟ ألا تضمن كل الشرائع الدولية الحق في الدفاع عن النفس؟ بل أن القانون يلاحق كل شخص علم بجريمة و لم يتدخل لإيقافها. ألم يكن حريا بالمحظوظين من على الطائرة إطلاق الرصاص على هؤلاء المجرمين؟ أم أن الهدف الغير المعلن هو تصويرها مهما كلف الثمن لإسترقاق قلوب العالم. يتساءل المرء: من الذي يجعل شخصا يتبول على جثة هامدة، غير إتمام تصوير المشهد الهوليودي؟ في غياب لجنة تحقيق وطنية، لا بد من التذكير أن من بين الإختلالات التي صاحبت محاكمة الطلبة ال 12 بوجدة المتهمين بالقتل ظلما و زورا، رفض المخزن طلب هيئة الدفاع بتشريح الجثة و الإعلان عن مكان قبرها، مما جعل أحد طلبة الإخوان في حلقياته يسخر من الرفاق و يتحداهم إن كانوا يعرفون قبره أنذاك، فخلص المتتبعون للملف أن الرفيق قتل من طرف العناصر المدسوسة في وسط الجسم الطلابي. الآن، بعد فشل المخزن في قضية أميناتو حيدر و منعه للصحافي لمرابط من السفر إلى العيون و طرده لقناة الجزيرة أياما قبل الهجوم على المخيم وتجنيد أقلامه للنيل من حرفيتها، حتى المسكين مصطفى العلوي في مشهد يثير السخرية، أنطقه الله تعالى مثلما أنطق الذئب الذي لم يستطع قطف العنب، فقال: حامض. في ظل هذه الحيثيات تصبح القضية فيها إن و أخواتها. رحم الله أحد أساتذي اليساريين الذي علمنا، أنه: إذا سمعتم خبرا في إذاعة إثم أقسموه على مئة و لنرى كم يبقى من صحته. في الطرف الآخر، لنفترض أن قتلة شهداء الأمن ليسوا بعناصر مدسوسة أو منخوسة، فالصحراويون ذوي النزعة الانفصالية ينظرون إليهم نظرة الأبطال لأنهم قتلوا أحد جنود (المحتل). كما ننظر نحن إلى الشهيد الزرقطوني الذي قتل أحد ضباط الأمن الفرنسي بالسكين. في ذلك الوقت، المغاربة أصحاب النزعة التحررية اعتبروه بطلا، و المغاربة الموالون لاستعمار و الذين حكمونا في مغرب الإحتقلال اعتبروه إرهابيا. خرج علينا صحاف إعلامنا، ليفتخر بعدم وجود ضحايا وسط المدنيين و كأن ذبح رجال الأمن على الطريقة الاستخبارية أمر هين و سهل. هامان و جميع جنوده يرددون معزوفة واحدة و وحيدة, و ما على الباقين إلا قول آمين. إنها الجزائر و الجزائر وحدها تتحمل المسؤولية و من يقول بغير هذا فهو خائن للوطن. الوطنية أصبحت سلعة للمزايدات السياسوية. إذا كانت الجزائر هي من نصبت أول خيمة؛ و جواسيسها هم من قتلوا جنودنا، فإنها تستحق التقدير. يالمهانة!! صحافة اسبانية تعتذر و دولة مغربية تضع نفسها في مواجهتها. كأن الصحافة هي الدولة الإسبانية و إن كان لرئيس حكومتها زاباتيرو موقف واضح. هكذا دائما الأنظمة الجبرية , كل من يتكلم لها عن اصلاح البيت الداخلي من أساسه، تخرج له فزاعة الخطر الخارجي المحدق، ليحصل النظام من جديد على الإجماع الوطني و يستمر عمر الأزمة و تضيع مطالب الصحراويين في السكن و العمل في مهب الريح. عشر شهداء، في يوم واحد، كأنما طائرات العدو الصهيوني قصفت إحدى التجمعات السكنية. في الدول التي تحترم نفسها، إذا سقط عامل بناء أجنبي من عمارة، يتابع مشغله أمام القضاء بتهمة عدم أخذ الحيطة و الحذر. و في شريعة عمر بن الخطاب (ض) يحاسب نفسه عن بغلة إذا عثرت في العراق. أما في المغرب، حسي مسي. معزة و لو طارت. أنا ربكم الأعلى و إني أرى لكم الجزائر هي الجزائر. تصبحون على وطن [email protected]