بوريطة تلاقى نظيره الموريتاني وهدرو على الوضع فغزة وقضايا الساحل ونزاع الصحرا    المغرب يكسب 15 مرتبة في التصنيف العالمي لوضعية الممارسة الصحافية    الحقوقي عبد العزيز النويضي في ذمة الله    الملك محمد السادس يهنئ رئيس بولندا    ملاحظة الانتخابات امتداد طبيعي للرصد المنتظم لحقوق الإنسان    مستويات غير مسبوقة.. معدل بطالة الشباب يصل إلى "35.9%    "فاو": ارتفاع أسعار الغذاء عالميا    إسبانيا تستقبل أزيد من 16 مليون سائح خلال الربع الأول من العام 2024، ما يعد رقما قياسيا    احتجاجات الجامعات المريكانية.. أكثر من 2100 لي تعتاقلو وجامعة بنسلفانيا كطلب دعم كثر من البوليس    باكستان تطلق أول قمر اصطناعي لاستكشاف سطح القمر    حكومة فرنسا تفرق داعمي غزة بالقوة    طنجة.. توقيف شخص لتورطه في قضية تتعلق بالسرقة والضرب والجرح وإحداث خسائر مادية بسيارة    عاجل: النيابة العامة في تطوان تتابع مستشار وزير العدل السابق في حالة اعتقال وتودعه السجن إثر فضيحة "الوظيفة مقابل المال"    صحيفة بريطانية تكشف تطورات النفق القاري بين طنجة وإسبانيا    ريم فكري تكشف عن معاناتها مع اغتيال زوجها والخلاف مع والديه    اليوم العالمي لموسيقى الجاز… طنجة تتألق بحفل تاريخي عالمي    13 إصابة جديدة ب "كوفيد-19" (النشرة الأسبوعية)    المغرب يفكك خلية كانت تحضر لتنفيذ اعمال إرهابية    بعدما أوهموهم بفرص عمل.. احتجاز شباب مغاربة في تايلاند ومطالب بتدخل عاجل لإنقاذهم    الجامعة تعلن عن موعد مباريات كأس العرش    منتخب إفريقي يفرض على الجزائر خوض تصفيات مونديال 2026 بالمغرب    العجز التجاري للمغرب ينكمش 14.6% إلى 61.9 مليار درهم    الوزير آيت الطالب يعطي انطلاقة خدمات 14 مركزا للرعاية الصحية الأولية بجهة فاس مكناس (صور)    بدعم من السفارة الهولندية.. مندوبية السجون تجدد الشراكة مع جمعية "TIBU AFRICA" (صور)    بنموسى: إصلاح المنظومة التربوية الوطنية ورش استراتيجي يتطلب انخراط جميع الفاعلين    سعر الذهب يواصل الانخفاض للأسبوع الثاني على التوالي    بعد إلغاء موريتانيا الزيادة في رسومها الجمركية.. أسعار الخضر والفواكه مرشحة للارتفاع    المضيق تحتضن الدورة الثالثة لترياثلون تامودا باي بمشاركة مختلف الجنسيات    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    بركة يعلن عن خارطة طريق للبنيات التحتية استعدادًا لكأس العالم 2030    جدول مواعيد مباريات المنتخب المغربي في أولمبياد باريس 2024    مراسلون بلا حدود عن 2024.. ضغوط سياسية على الاعلام والشرق الأوسط "الأخطر"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    تركيا توقف التبادل التجاري مع إسرائيل بسبب "المأساة الإنسانية" في غزة    حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الاسلامي يعلن ترشح رئيسه للانتخابات الرئاسية في موريتانيا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    عدلي يشيد بتألق "ليفركوزن" في روما    اختتام الدورة الثانية لملتقى المعتمد الدولي للشعر    مجلة "الصقيلة" في عددها الرابع والعشرين تحاور القاص والإعلامي عبد العالي بركات وتستحضر الشاعر الراحل محمد الجيدي    المكتب المركزي للأبحاث القضائية يعلن تفكيك خلية إرهابية من 5 عناصر    الكعبي يسجل "هاتريك" ويقود أولمبياكوس للفوز أمام أستون فيلا في دوري المؤتمر الأوروبي    غامبيا.. بوريطة يتباحث مع نظيره الغابوني    شمس الضحى أطاع الله الفني والإنساني في مسارها التشكيلي    تكريم حار للفنان نعمان لحلو في وزان    الدوري الأوربي: ليفركوزن يعود بالفوز من ميدان روما وتعادل مرسيليا واتالانتا    بلاغ هام من وزارة الداخلية بخصوص الشباب المدعوين للخدمة العسكرية    هل ما يزال مكيافيلي ملهما بالنسبة للسياسيين؟    مناهل العتيبي: ما تفاصيل الحكم على الناشطة الحقوقية السعودية بالسجن 11 عاماً؟    إقليم الصويرة: تسليط الضوء على التدابير الهادفة لضمان تنمية مستدامة لسلسلة شجر الأركان    مهرجان أيت عتاب يروج للثقافة المحلية    العقائد النصرانية    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الأمثال العامية بتطوان... (586)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حراك الريف بين دينامية المجتمع وفشل الدولة
نشر في ناظور سيتي يوم 31 - 07 - 2017

إن حراك الريف، الذي تمسك بالسلمية كمبدأ، وتحقيق ملف مطلبي ثقافي/اجتماعي/ اقتصادي كغاية وهدف، عبر أشكال نضالية أشاد الجميع بنضجها ومسؤوليتها، هذا الحراك الذي أكدت الحكومة المغربية نفسها، على أن مطالبه منطقية و مشروعة، تعهدت بالعمل على الإسراع في انجاز المشاريع العالقة والتي قيد الانجاز، وكذا إحقاق الملف المطلبي عبر مراحل، وحسب الأولويات؛ هذه المطالب التي سطرها في البداية شباب الحراك قبل أن تلتف حوله وتزكيه كل أطياف المجتمع الريفي؛ بمختلف فئاته العمرية، ونشاطاته الاقتصادية، وباختلاف المشارب الثقافية والسياسية لأفراده، فوق مجال جغرافي بأبعاد ومميزات أنتربولوجية وسوسيوثقافية خاصة وهوية تأبى الذوبان وحضور قوي في التاريخ.
لقد استمر الحراك الشعبي السلمي بالريف في ابتكار أساليب احتجاجية راقية، سواء من ناحية الشكل الذي عرف تنظيما استثنائيا، سيسجل بقوة في تاريخ الحركات الاجتماعية والاحتجاجية، أو من ناحية المحتوى؛ إن على مستوى مضامين الشعارات التي ترفع، أو بعض الأساليب والسلوكات الاحتجاجية المنتقاة بعناية فائقة، والتي دائما ما تكون دلالتها عميقة وقوية (الشموع، الورود، طنطنة الأواني، الكفن، مسيرات نسوية، مسيرات في الشواطئ...)، وكذا استدعاء الرموز التاريخية والاحتماء بالذاكرة الجماعية، عبر التذكير بملاحم وبطولات الريفيين، كتعبير عن التضحية والممانعة، وربط الماضي بالحاضر من أجل استشراف المستقبل والتأكيد على التمسك بالأمل.
لكن بعد لجوء الدولة المخزنية إلى ما أسمته " تطبيق القانون" من أجل "استعادة هيبتها"، عبر اعتقال ناصر الزفزافي(الشخص) والمئات من نشطاء حراك الريف، بكل من موقع الثقل-اقليم الحسيمة- وإقليمي الدريوش والناظور، واستدعاء آلاف آخرين من رجال ونساء الحراك، بغية تهديدهم وإجبارهم على توقيع التزام (غير قانوني حسب تصريح أحد المحامين) لثنيهم عن الخوض أو المشاركة الميدانية في أي شكل احتجاجي لاحقا، معتقدة أن هذه الأساليب الضيقة ستقضي على الحراك أو الزفزافي (الفكرة) بعدما تحول إلى ظاهرة تتغذى جذورها على تعنت من يملكون مفاتيح الحلول يوما بعد يوم.
فالدولة؛ في صيغتها المغربية، فعلا، تشكل ذلك الاستثناء عن جدارة واستحقاق، بعدما كسرت كل الحواجز و ضربت كل المنطق عرض الحائط، واختلطت عليها كل الألوان حتى أضحت لا تفرق بين أبيض ولا أسود، و تمادت في زرع الرعب و الترهيب وسط نفوس المواطنين، فصارت آلة هوجاء لا تبقي ولا تذر، لواحة للبشر. وإن كانت الاعتقالات و الاختطافات في صفوف نشطاء وشباب الحراك السلمي مرفوضة جملة وتفصيلا، فكيف ستقنع الدولة شعبها وهي تعتقل وتختطف الصحفيين المحليين وتمارس تعتيما إعلاميا مطبقا على ما يجري بالريف، ألا يطرح هذا تساؤلات الشعب؟ ألهذه الدرجة وصلت الوقاحة بمسؤولينا؟ وبماذا سترد الدولة وتقنع المغاربة والعالم، بأنها لم تنتهك أي حق من حقوق الإنسان، وهم يشاهدون واقعنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالصوت والصورة، أو على صفحات وقنوات الإعلام الأجنبي، بينما إعلامنا المغلوب على أمره منكب على تغطية احتجاجات فنزويلا وقضايا الشرق الأوسط؟! ومن يتحمل المسؤولية فيما يحدث إذن؟ ومن يريد أن يقود بلادنا نحو النفق المظلم؟ لماذا كل هذا العبث والإصرار على السير في طريق تجبر المواطن على التذمر و اليأس من مؤسسات الدولة، والعمل على إجهاض الأمل في عدالة تم تأجيلها كثيرا، انتصارا لعقليات نخرتها العنجهية؟
وما دامت الدولة مصرة على تكريس استثنائها وتجسيده على الميدان، بأي منطق ستقنع العالم بعد أن امتدت أياديها الخفية والعلنية إلى رموز التسامح والتعايش؟ وبأي ذنب وتحت أي ذريعة سمحتم لجرأتكم باعتقال موسيقيين ومسرحيين وتشكيليين؟! بحق السماء كيف تسمحون لعدالتكم وقوانينكم لتحاكم من يقدمون أسمى رسالة في هذه الحياة؟ من يغرسون قيما نبيلة في هذا المجتمع، بتهم الفوضى والعنف و"المس بسلامة الدولة" و جرائم أخرى يستحي الإنسان أن يسمعها وما بالك بالعقل أن يستوعبها ويصدقها! وفقط في بلاد المتناقضات، نسمع هذا عن الفنان الذي يكرس كل حياته لخدمة الإنسان والإنسانية، و يعمل جاهدا على أن تكون الحياة دائما أفضل وأجمل، أنقى وأرقى.
وحتى لا نتدحرج إلى قاع الحضيض، ونهين هذا الشعب الذي يشهد التاريخ والجغرافيا على أنه كان دائما مستعدا للتضحية في سبيل حرية هذا الوطن، ولا يزال كذلك، إيمانا بحقه في دولة المؤسسات، ودولة التعاقد السياسي والمواطنة الحقة، وهذا ما ينبغي أن يستوعبه القائمين على تدبير الشأن العام لهذا الشعب المغلوب على أمره، عبر تحلي الدولة العميقة بإرادة سياسية تجعلها تفكر بعقلية القرن الحالي، وتترك المقاربات الأمنية-السياسية و التحرر من الهواجس الأمنية التي شكلت حجر الزاوية لكل سياسة عمومية لمغرب ما بعد 1956م، وتنصت لهذا الشعب عساها تفهم أن سياسات العصا والجزرة لم تعد صالحة في زمن أصبح فيه العالم ضيعة صغيرة، بحكم الثورة المعلوماتية والتكنولوجية التي تطبع عالم اليوم، وإن الدولة المغربية في عمقها لم تواكب ما عرفته الدنيا من متغيرات، وظلت تنفي حركية التاريخ ودينامية المجتمع، بعد أن ظلت متشبثة بأساليب مخزنية تقيأ عليها الدهر بعد أن أكل وشرب، فالمجتمع المغربي الحالي يطمح إلى تحديث الدولة ومؤسساتها، وبناء دولة تُقر بالتعددية والاختلاف، وتؤسس للمواطنة الحقة في دولة المواطينين لا الرعايا، بينما ظل المخزن لم يرواح القرن التاسع عشر زمنيا، ولازال رهين التعريف الذي وضعه " جون واتبربوري" عندما وصف المخزن بأنه " نظيمة راسخة من العنف المستديم"، وظل هذا المخزن متمسكا بالوظيفة التحكيمية كما يقول جرمان عياش، والتي يقصد بها الإخضاع والهيمنة، ويعتمد نفس آليات اشتغال "السلطان الحسن الأول"، من خلال مراهنته على ما سمي تاريخيا ب " الحرْكات"، وهي الحملات العسكرية التي كانت تشنها جيوش المخزن على بعض القبائل والمناطق من أجل تأديبها وإخضاعها(نموذج حملة بوشتى البغدادي على قبيلة ابقوين بالريف سنة 1898م)، وهذه السياسة نفسها هي التي يشتغل بها مخزن القرن 21، فقط تم استبدال اسمها وتغييره إلى "المقاربة الأمنية"، فإذا استحضرنا أن مخزن القرن 19 كان يشن حملاته العسكرية تحت ذريعة "استتباب الأمن" داخل مجال جغرافي أسمته الدراسات السوسيولوجية الكولونيالية وخاصة السوسيولوجيين Robert Montagne وMichaux-bllaire ب "بلاد السيبة"، في إطار مجموعة من التعارضات (بلاد السيبة /بلاد المخزن- البادية/المدينة- الشرع/العرف)، فإن مخزن القرن الحالي يسير في نفس السياق مع حراك الريف السلمي ويبرر سياساته القمعية بما يسميه "حماية الملك العام ومؤسسات الدولة"، رغم أن الكل يجمع(حتى المقربين من القصر) على أن شباب حراك الريف ظل منذ اليوم الأول، حريصا على حماية وسلامة مؤسسات الدولة و سيارات الشرطة.
وتأسيسا على ما ذكرناه، فيتوجب على الدولة إعادة النظر في ما نهجته من مقاربات تجاه حراك الريف (إلى حد الآن)، واستدراكا للأخطاء التي ارتكبتها في معالجة الملف المطلبي دون خسارة الكثير من الوقت، و السيولة المالية، وكذا ثقة المواطن في الدولة ومؤسساتها (وهي التي لا تقدر بثمن)، وتفاديا لإعادة إنتاج نفس الأخطاء، حان الوقت للتفكير في تبني مقاربة تنموية حقيقية، واعتماد مقاربات تشاركية فعالة عبر فتح حوار جاد و مباشر مع شباب الحراك/المواطنينن، بعد أن يتم الإفراج عنهم وبعيدا عن الدكاكين السياسية ومشتقاتها من جمعيات الانتهازيين، باعتبارهما جزء من المشكل المطروح، وذلك بتحملها لنصيب أوفر من المسؤولية، لما آلت إليه الوضعية السوسويواقتصادية للريف، عبر سوء تدبيرها للشأن العام وتبذيرها للمال العام في صفقات ومشاريع بدون نجاعة أو وهمية في حالات أخرى، وإن كانت الخطوط العريضة للسياسات الكبرى تسطر على مستوى المركز، ويتم تنزيلها عموديا، كما حدث مع مشروع الجهوية المتقدمة التي شكل الهاجس الأمني عمودها الفقري، عندما لجأ مهندسي التقطيع الترابي الأخير إلى تمزيق الريف مع سبق الإصرار على عدم إنصافه كوحدة متجانسة أنتربولوجيا، تاريخيا وسوسيوثقافيا، ما يعني التكريس لنفس السياسات المركزية القديمة بألوان وشعارات جديدة فقط، وهو في ذات الوقت يعني تمادي المخزن في إنتاج نفس الأعطاب.
ووسط هذا العبث كله، سيظل الريف إنسانا ومجالا أكبر الخاسرين، بعد أن تعمد صناع القرار بالمركز ترحيل وتهجير أقاليم الريف، وتحويلها إلى ملحقات ترابية تابعة لجهات، ما يفرق بينها أكثر مما يجمع بينها، بعد اقتلاع الريف قسرا من تربته الأصلية، وضربا في كل الخصوصيات المشتركة لأفراده، ومجاله المتجانس الغني بمؤهلات وإمكانيات، وموقع جيواستراتيجي مهم... كان من الممكن أن تشكل كل هذه المعطيات قاعدة صلبة لبناء قطب اقتصادي قوي بالريف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.