أكادير تحتفي بالذكرى 69 لتأسيس المديرية العامة للأمن الوطني    الأميرة للا حسناء تترأس الدورة الأولى للمجلس الإداري لمؤسسة المسرح الملكي بالرباط    القاضي الجباري يعتذر عن الترشح لولاية ثانية على رأس نادي القضاة    ترامب يُنهي جولته الخليجية بصفقات قياسية    على صفيح ساخن .. سعيد الناصري يتبرأ من إسكوبار الصحراء ويطالب بمواجهة لطيفة رأفت    "مؤشرات إيجابية ويقظة متواصلة".. خرشوفة يعرض حصيلة الأمن الوطني بمدينة شفشاون    انخفاض بنسبة 86 بالمئة في المساحات الغابوية المتضررة من الحرائق سنة 2024    موسم طانطان: شاهد حيّ على ثقافة الرحل    "الهاكا" ترفض شكايات الأحزاب ضد حملة "مونديال 2030"    أكاديمية محمد السادس لكرة القدم.. مشتل يسهم في تألق المنتخبات المغربية    شراكة تهتمّ بذوي إعاقة بصرية بالمغرب    تلاوة ملتمس الرقابة تنهي مبادرة المعارضة لحجب الثقة عن حكومة أخنوش    أبرز تعديلات النظام الأساسي ل"الباطرونا"    "الكاف" يكشف عن تصميم جديد لكأس عصبة الأبطال يوم الخميس المقبل    الوزارة تكشف موعد مهرجان العيطة الجبلية بتاونات    حادثة سير مميتة تودي بحياة مسنّ بمدارة تانوغة ضواحي بني ملال    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بارتفاع    إطلاق برنامج مخصص للمقاولات الصغيرة جدا    المغرب يواجه جنوب إفريقيا في المباراة النهائية لكأس أمم إفريقيا للشباب    للتتويج القاري الثالث.. نهضة بركان يستضيف سيمبا التنزاني في ذهاب نهائي كأس "الكاف"    الحرارة تعود إلى مناطق داخلية بالمغرب    وفد اسباني يطّلع على دينامية التنمية بجهة الداخلة وادي الذهب    ترامب: كثيرون يتضورون جوعا في غزة    أوراق قديمة عصِيّةَ الاحتراق !    25 سنة من الأشرطة المرسومة بتطوان    عن المثقف المغيّب والمنابر المغلقة..!    تيكتوك... حين تعرّت الشخصية المغربية أمام العالم!    تغازوت تحتضن مؤتمر شركات السفر الفرنسية لتعزيز التعاون السياحي المغربي الفرنسي    في عز الموسم.. أسعار الفواكه تلهب جيوب المغاربة وتثير موجة تذمر    المغرب يرسخ ريادته كقبلة إفريقية لاحتضان المباريات الدولية    وهبي للمحامين.. سأقاضيكم، بسببكم أصبت بالسكري    لازارو وزينب أسامة يعلنان عن عمل فني مشترك بعنوان "بينالتي"    على هامش افتتاح المعرض الدولي للصحة ..دعوات رسمية تحث على استغلال البيانات وتقدم مجالات التشخيص والعلاج (صور)    بعد سنتين على اختفائه.. "جزار سوريا" وداعم "الأسد" يظهر في الجزائر    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الارتفاع    تقرير: 33% فقط من النساء المغربيات يمتلكن حسابا بنكيا    إسرائيل تسلم واشنطن قائمة "خطوط حمراء" بشأن الاتفاق النووي مع إيران    الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر: الاقتصاد العالمي يواجه تحديات عميقة وتباطؤاً في النمو عام 2025    واشنطن تؤكد اهتمام القيادة السورية الجديدة ب"السلام" مع إسرائيل    ريال مدريد يهنئ برشلونة بلقب "الليغا"    متحف البطحاء بفاس يستقطب آلاف الزوار بعد ترميمه ويبرز غنى الحضارة المغربية    جوردي ألبا يمدد عقده مع إنتر ميامي إلى غاية 2027    نداء إنساني من ابنتي الكاتب بوعلام صنصال: لا نعلم أي شيء عن حالته داخل سجنه بالجزائر    من طنجة إلى مراكش.. الصالون الوطني لوكالات كراء السيارات يتوسّع وطنياً    الزيارة لكنوز العرب زائرة / 1من3    جدل حول مشروع قانون المسطرة الجنائية والتنسيقية توضّح: "لا صفة ضبطية للمقدمين"    تيزنيت تحتفل ليلاً بصعود الأمل و"الريزينغ" يشعل ساحة الاستقبال وأجواء فرح لا تُنسى ( صور )    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    تزايد عدد المشردين يقلص الدخول إلى مطار مدريد    ابتلاع الطفل لأجسام غريبة .. أخطار وإسعافات أولية    ارتفاع الضغط يطال 1,2 مليون مغربي    دراسة: الاحترار المناخي يهدد أوروبا بانتشار وبائي لحمى الضنك وشيكونغونيا    دراسة: الإفراط في الأغذية المُعالجة قد يضاعف خطر الإصابة بأعراض مبكرة لمرض باركنسون    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    جلالة الملك يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة بمناسبة انطلاق موسم الحج    رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية المعطل صابر أيوب في الرباط
نشر في ناظور سيتي يوم 05 - 06 - 2011

استيقض"صابر أيوب" هذا الصباح الرمادي وهوفي أحد الفنادق المتواضعةبباب الحد بعاصمةالبلاد، وراح يفرك عينيه ليطرد النوم من جفونه المنتفخة..فتح عينيه هذا الصباح ليتثبث حتى من جوده هوكذلك..بعد أن غسل وجهه، نظر في مرآة "الفندق"المنكسرةالتي تعكس له وجوها كثيرة..بحث عن قطعة واحدة تعكس له وجها واحدا بالكامل..ركز على قطعة واحدة، وراح يتفرس في قسمات وجهه ويتأملها..لقد انصرم على نضاله من أجل الشغل في شوارع عاصمة المملكةأربع سنوات ، سنوات بأعيادها وأتراحها،سنوات اغتصبها منه منشارالزمن الأرعن عنوة..حين أضاف غبار تلك السنوات الضائعة إلى غبار تلك التي قضاها بالجامعة، انتفض عائدا إلى الوراء مذعورامن هول انتفاخ الرقم!؟..عاد به قطارالذاكرة القهقرى، فتذكر ذلك الماضي غيرالبعيدالذي بدأ يغيب ويبحر في عالم النسيان.. شعر بنوع من الحزن والأسى عندما عادت به مخيلته إلى تلك الأيام الغابرة.. لكن سرعان ما تشع ذكرى جميلة في خاطره، ذكرى تعود به إلى الأيام الخوالي، أيام طفولته الأولى السعيدة في قريته البعيدة، أيام دخوله إلى المدرسة وهو يحلم بغد زاهر في بلده..لكن هذه الإنخطافة الروحية الجميلة المفاجئة، وهذه النشوة السامية، سرعان ماتتبخرحين تسلل إليها شعاع صغير من صور الواقع المر وهو ينظر إلى زملائه المعطلين، ليسحبه هذا الشعاع من الحلقة المسحورة التي شرد فيها. ويرى حقيقة البطالة التي تطل بقرونها البغيضة على الواقع، ويتلاشى الحلم الفردوسي الطفولي السرابي الجميل مثلما يتلاشى زبد البحر، وتتهدم كل صور تلك الأحلام الورديةبدون ارتطام ولاضجيج، وتحترق كل أجنحة الفراشات الوهمية الجميلة التي بناها بخياله الجامح..ويتذكر الله رب العالمين..هل سيعيش لقرون طوال مثل عمالقة الأساطيرالقديمة أوالأنبياء القدامى الذين يموتون بعدقرون من العيش والصبر؟، ياأيهاالإله الرحيم، في أية غياهب تنمحق لحظات حياته القليلة؟، لقد فقد كل شيءتقريبافي معارك الحياة، ولازال لم يظفر بأي شيء..فكر كيف سيقضي كل أيامه يتلف نفسه مع عالم من الخواء البارد في عالم يشبه الجحيم أو هو الجحيم عينه، عالم تجرى فيه مباريات التوظيف في عاصمة البلاد لإقصاء أبناء الفقراء البعيدين الذين لايملكون تكاليف السفر وتكاليف المبيت في فندق مشبوه في العاصمةحيث الإدرارت المركزية التي تباع فيها الوظائف لأبناء الميسورين، ويوزع الباقي كهداياعلى أبناءالمحظوظين بالزبونية، والقرابة، والحزبية..بعض الناس الذين تأسفوا لحال صابر أيوب نصحوه أكثر من مرة باللجوء إلى القطاع الخاص، لكن كيف سيعمل في مقاولة عائلية متخلفة لا تعرف معنى شهادة جامعية عليا؟، وكيف سيقبل بوظيفة بليدة في قطاع خاص بدون ضمانات وهوبشهادة عليا، بينما أخت الوزير الفلاني بشهادة إبتدائية صارت موظفة وبنفوذ عريض في إدارة عموميةمركزية، وإبن أخت الوزير العلاني بدون شهادة، أو بشهادة مزورة اشتراها من روسيا، صارموظفا شبحا في الإدارةالعموميةالعلانية، و.. وصابر أيوب كإبن فلاح مغبون كل يوم ينتظر، ويتغدى بالأمل، وهوفي غرفة كوابيسه المظلمةبفندقه المشبوه المتواضع حيث يتعشش البق..
ذات صباح كئيب، وبعد أيام مخيبة للأمل، راح صابر أيوب يتأمل من جديد، مرة أخرى، وجهه الشاحب في مرآة الفندق المنكسرة، ليتأكد من بقائه ووجوده..طالعته بضعة شعيرات ناصعة البياض مبثوثة على رأسه، يراها منتشرة عليه مثلما ينتشر الأنثروبولوجيون البيض بوقاحتهم وسط مجتمع زنجي إفريقي يمهدون بأبحاثهم الإستطلاعية لإحتلاله بالقوة العسكرية..أحاطه طنين يرن في أذنيه وكأن جيوشا من الذباب استقر في تجاويفهما وتساءل مع نفسه:أليس من حقه أن يفرح ويحلم في هذا الوطن الذي يتشبث به ويطرده؟، وإلى متى هذا الإنتظار؟
: أجابه طنين آخر ند من أغوار نفسه
وراء ذلك السؤال ياولدي يكمن فلفل الحياة..!، لكن لمن تحكي زبورك ياداوود وسط ضجيج المصالح ؟،فالمصالح الشخصية والأنانية المفرطة لبني البشر هي سبب كل الكوارث التي عرفتها وتعرفها البشرية على وجه الكرةالأرضيةمنذ فجر التاريخ إلى اليوم، ومن سيفهم ألمك ياصابر أيوب في عصر البترول، والحروب، والمال، والمهرجانات،والأنانية، والذرة، والأقمارالإصطناعية؟، فنحن أبناء قابيل الفلاح القاتل وهابيل الراعي الشهيد.ونحن جميعا أبناء آدم وحواء الذين طُردوا من الجنة والذين قال عنهم الله تعالىفي سورة الأعراف الأية 24"قال اهبطوابعضكم لبعض عدوولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين..""
كل يوم يمتطي صابر أيوب صهوة الفراغ ويجلس فوق درج الضياع أمام فندق "باليما"يتطلع ورفاقه إلى البرلمان، يحكون أجسادهم كالقرود، حتى تباغتهم الشرطة والقوات المساعدة التي لهم دائمابالمرصاد عن كثب وكأنهم فرقة من اللصوص، ليطلقوا سيقانهم للريح بطريقة كاريكاتيرية بدون اتجاه أمام مرآى الناس وعدسات كاميرات وسائل الإعلام الوطنية والدولية ، وبطريقة تجلب للرأس الدواروالغثيان. وهم يهرولون في الشوارع مثل خراثيت ثائرة هاجمتها أسودغابات البراري..إن الطريقة التي تم بها رمي "صابر أيوب" وزملاءه إلى الشارع العام، ياأصدقائي الأعزاء، هي طريقة لاترمى بها لعبة لايريدها أحد!..كل يوم في الرباط يأكلون ويثرثرون ويتغوطون وينامون وينتظرون نهاية العالم..آه، ياله من زمن تعس!، كيف يستطيع صابر أيوب أن يبرزلك أيها القارىءالمبجل ذلك العالم من الخواء الذي يغرق فيه؟، وكيف يستطيع أن يبرزلك ذلك الجحيم الذي يتخبط فيه؟.. كل يوم يتطلع إلى نجمة شاردةبعيدة بشغف فضولي، ومن يستطيع أن يرمي إليه بسترة النجاة حتى لايغرق في يم اليأس.. المعطلون الذين تحملوا فوق مايتحمله أقوى إنسان يبكون ويمضغون الإستياء المر في صمت ولا حل يلوح في الأفق.. فئران من الألم تقرض قلب صابر أيوب.. وثلوج اليأس تتهاطل عليه بكثافة..والوقت يسير ببط على إيقاع مهرجان موازين وكأنه يمشي نكاية به..ولم يجد خير ما يخفي به عاره ويبدد به فراغ وخواء أيامه الباردة سوى أن يدس وجهه بين دفتي كتاب يحمل عنوان:"متعة الفشل في بلاد الغنى الفاحش والفقرالمدقع"..إن حياة صابر أيوب حقيقة وواقع مر، إنها نوع من الكوميديا الإنسانية على مسرح الحياة المغربي ،إنها فصل من فصول الجحيم، "فالعاطل عن العمل والمواطن الجائع كما يقول "فرانز فانون" في كتابه "المعذبون في الأرض " لايسعون إلى الحقيقة ولايدعون أنهم يمثلونها، ذلك أنهم الحقيقة نفسها"..ويالها من حقيقة مرة وأيام فظيعة حقا يعيشها صابر أيوب وزملاءه..!،يعيشون مثل تلك الحالة الشنيعة الفظيعةلأن اقتصادنا، ياسادتي، لاينتمي إلى أية مدرسة، وليس له أصلا فلسفة، وبقي بدون رأس ولا قدمين وظل ينشر الفوضى عبرمقاولات عائلية متخلفة، وقطاعات أخرى طفيليةغير مهيكلةفي أنحاء البلاد..ولو عاد قارون إلى الأرض ومعه ميزانيته المالية، وعاد آدم سميت، وماركس، وريكاردو، وكينز ومعهم خططهم الإقتصادية، وعقدوا مؤتمرهم في البرلمان، أو في وزارة التشغيل، أو إحدى الوزارات الأخرىلفهم كيف وصلنا إلى هذا لعجزوا عن حل ألغازهاوربما، لهجروا الإقتصاد وأغلقوا أبواب المؤسسات التعليمية واحترفواالموسيقى وأشياء أخرى.. تسليهم وتلهيهم حتى لايصابوا بقرحة المعدة أو جلطة في الدماغ..
أمام هذه الوضعية الضبابيةالقاتمة المجدبة المتشابكة،ومع هذا الحضيض، هل هناك من أمل للخروج من هذا الوضع المأزمي؟،نعم هناك أمل، خاصة حين تكون هناك إرادات صادقة، وصبر متأجج، ورغبة ونوايا حسنة للخروج منه.. ويوم تتوفرمثل هذه الشروط وغيرها، أنذاك سيبدأبزوغ فجر جديد الذي سيطل علينا بعينين طافحتين بالبشرومعه نهارطويل ورائع، وكما قال أحدالشعراء وبتصرف:
البشر بعيدين عن النور
و حين ننزل أيادينا الليلية القذرة
سيحل النهار مكان الليل المظلم
..ولن يكون هناك أبدا مكانا للخوف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.