أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    اتفاقية الصيد البحري..حجر ثقيل في حذاء علاقات إسبانيا والمغرب!    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    دراجي يهاجم "الكاف" بعد قراره الذي أنصف نهضة بركان    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    لا تيتي لا حب لملوك: اتحاد العاصمة دارو ريوسهم فالكابرانات وتقصاو حتى من كأس الجزائر    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    أخنوش يرد على خصومه: الدولة الاجتماعية ليست مشروعا ل"البوليميك" والحكومة أحسنت تنزيله    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    الشاطئ البلدي لطنجة يلفظ جثة شاب فقد الأسبوع الماضي    سانشيز: أفكر في إمكانية تقديم الاستقالة بعد الإعلان عن فتح تحقيق ضد زوجتي بتهمة استغلال النفوذ والفساد    بالأرقام .. أخنوش يكشف تدابير حكومته لمساندة المقاولات المتضررة جراء الأزمة الصحية    مكافأة مليون سنتيم لمن يعثر عليه.. هذه معطيات جديدة عن حيوان غريب ظهر في غابة    هادي خبار زينة.. أسماء المدير مخرجة "كذب أبيض" فلجنة تحكيم مهرجان كان العالمي    قميصُ بركان    مطار مراكش المنارة الدولي: ارتفاع بنسبة 22 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    طقس الخميس.. أجواء حارة وقطرات مطرية بهذه المناطق    المغرب ومنظمة "الفاو" يوقعان على وثيقة "مستقبل مرن للماء" بميزانية 31.5 مليون دولار    رئيس وزراء اسبانيا يفكر في الاستقالة بعد فتح تحقيق ضد زوجته في قضية فساد    تسريب فيديوهات لتصفية حسابات بين بارونات بتطوان    اللجنة الجهوية للتنمية البشرية بالشمال تصادق على برنامج عمل يضم 394 مشروعا برسم سنة 2024    العدو الجزائري يقحم الرياضة من جديد في حربه على المغرب    النصب على حالمين بالهجرة يقود سيدتين الى سجن الحسيمة    الجامعة الملكية لكرة القدم تتوصل بقرار ال"كاف" بشأن مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    الجزائر تتوصل رسميا بقرار خسارة مباراة بركان و"الكاف" يهدد بعقوبات إضافية    بنكيران يهاجم أخنوش ويقول: الأموال حسمت الانتخابات الجزئية    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    أخنوش مقدما الحصيلة المرحلية: إجراءات الحكومة هدفها مناعة الأسرة التي هي "النواة الصلبة لكل التدخلات"    خارجية أمريكا: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    سنطرال دانون تسلط الضوء على التقدم المحقق في برنامج "حليب بلادي" لفلاحة مستدامة ومتجددة    أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    الولايات المتحدة تنذر "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و262 شهيدا منذ بدء الحرب    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    جلسة قرائية تحتفي ب"ثربانتس" باليوم العالمي للكتاب    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الموسيقى الغرناطية وفعالياتها بمدينة وجدة
نشر في الوجدية يوم 30 - 08 - 2009

تعتبر الموسيقى الأندلسية، من الألوان الموسيقية التراثية، الأكثر أصالة وعمقا. وتتميز بتنوعها، وغناها الفني. وتعدد أساليبها، تبعا لمدارسها الثلاث:
1-مدرسة الآلة.
2-المدرسة الغرناطية.
3-مدرسة المألوف.
ونود من خلال هذه المساهمة، التعريف بالموسيقى الغرناطية في مدينة وجدة، إحدى أهم الحواضر المغاربية التي احتضنت التراث الموسيقي الأندلسي،وحافظت على اصالته ومقوماته الفنية...
ذ.عبد القهار الحجاري
عازف العود باحث موسيقي وأديب مغربي
كما تتميز أيضا بامتدادها الأورومتوسطي. وبطابعها المغاربي –الإيبري؛ نظرا للروابط التاريخية بين شعوب المنطقة. خاصة في عهد الحضارة الأندلسية. وما نتج عنها من إشعاع شمل مختلف أوجه الإبداع الفني والأدبي. ومس شتى مناحي الثقافة والفكر..
ونود من خلال هذه المساهمة، التعريف بالموسيقى الغرناطية في مدينة وجدة، إحدى أهم الحواضر المغاربية التي احتضنت التراث الموسيقي الأندلسي،وحافظت على اصالته ومقوماته الفنية...
مدينة وجدة، عاصمة الجهة الشرقية للمملكة المغربية. مدينة الألف سنة. المتاخمة للحدود المغربية-الجزائرية، تشكلت ملامحها الثقافية عبر الزمن. منذ أسسها زيري بن عطية المغراوي سنة 994 ميلادية (م) حاضرة شاهدة على التاريخ. بأسوار مدينتها العتيقة. وبواباتها الضخمة.. وأزقتها الاثرية البديعة. وأقواسها المتقنة الصنع. وأسواقها المزدحمة... تشم رائحة العصور الغابرة من جنباتها. وتشد مسامعك ألوان من الموسيقى المحلية المنبعثة، من المحلات التجارية للأشرطة الموسيقية المنتشرة وسط المدينة القديمة. ويمكنك أن تتعرف لونا من النغم الأصيل المتأنق، في إحدى الأمسيات الموسيقية، داخل إحدى المعالم المعمارية العريقة. في إطار الأنشطة الثقافية المحلية، والتي تتميز عروضها بجماليتها الأخاذة. التي تحملك إلى عوالم "الفردوس المفقود" (الأندلس). إنها الموسيقى الغرناطية أو الطرب الغرناطي كما يحلو للوجديين أن يسموها. ستجد نفسك في فناء بيت أندلسي المعمار. شاسع المساحة، تستغل فضاءاته، منذ عقود كمكتبة عمومية. تسمى: خزانة الشريف الإدريسي. وسط جمهور، له ذائقة جمالية خاصة. وأمام توالي فرق للطرب الغرناطي على الأداء الموسيقي والغناء. بزي، غالبا ما يكون مغربيا – أندلسيا، يتكون من جلباب أبيض وطربوش أحمر. وحذاء خفيف يسمى "البلغة". ويمكنك أن تتابع الطرب الغرناطي، أيضا في حديقة متحف " للامريم" الأثري حيث مسرحها في الهواء الطلق، لا يتسع إلا لبضع مئات من الحاضرين. وكأنه صمم خصيصا لجمهور نوعي غير محتشد، أو تستمتع به في "دار السبتي" العريقة... البديعة فسيفساؤها ونقوشها. فتوحي إليك أعمدتها الشامخة، وسقفها العالي. وشرفاتها المطلقة وجنباتها الواسعة... بجلال ورهبة المكان. وتخلبك ثرياتها المتدلية، وجدرانها المزينة... فتمس فعلا، بجمال السحر الوجدي.
وتشهد مدينة وجدة في السنوات الاخيرة حركة ملحوظة للموسيقى الغرناطية من خلال مهرجان الطرب الغرناطي الذي تشرف على تنظيمه كل سنة وزارة الثقافة والاتصال، ومركز الدراسات والأبحاث الغرناطية بوجدة. وقد تعود الجمهور على برنامج من شقين: شق تطبيقي يتعلق بالأداء. وشق نظري فكري فهناك عروض موسيقية، تقدمها جمعيات وفرق للطرب الغرناطي بوجدة، ومنها: الجمعية الأندلسية، والجمعية الموصلية، وفرقة الشيخ صالح، والمجموعة الغرناطية لولاية وجدة، والجمعية الإسماعيلية، وجمعية السلام... وجمعيات من الجزائر الشقيقة،كجمعية نادي الهلال من مدينة مستغانم.. ويشارك في المهرجان أبرز الفنانين المغاربيين الممارسين لهذا النوع من الموسيقى، أمثال الشيخ أحمد بيرو، وعبد السلام بريول، وبهيجة رحال، وفرانسواز أطلان، وزبيدة الإدريسي وسامي المغربي..
كما جرت العادة أن يشتمل البرنامج أيضا على ندوات ،حول الطرب الغرناطي. من مختلف الجوانب التاريخية والفنية.. يساهم فيها عدد من الأكاديميين والباحثين، وأطر الجمعيات والمجموعات الموسيقية، بالإضافة إلى معرض لصور الدورات السابقة للمهرجان. وقد تمكنت هذه التظاهرة الفنية الهامة على مدار دوراتها الإحدى عشر، من استقطاب جمهور نوعي عريض من ممارسين للموسيقى، في ألوان نغمية أخرى، ومثقفين ومهتمين منذوقين...
في كراس للجمعية الاندلسية بوجدة، كتب بخط مغربي جميل بعنوان: نوبات من الطرب الغرناطي. صنائع أندلسية وقصائد مديحية، نقرأ في بطاقة تعريف الجمعية. "إن الموسيقى من أهم الوسائل التي ترقى بأذهاننا إلى مستوى الجمال المطلق والفناء فيه...". وفي النغم الأندلسي عامة والغرناطي بصفة خاصة. ما يجعلنا نحس بسعة فضائه، وعمق أغواره وسحر جماله... أكثر مما يمكن أن يصوره الطرب نفسه. والنغم الرفيع ليس مجرد طرب. بل يتعداه إلى ما هو أعمق.. إلى ما يوحي بالجمال.. ويرتفع بإحساسنا إلى مستوى الفناء فيه. إنها تلك الطاقة التعبيرية التي تزخر بها بنية العمل الموسيقي الغرناطي؛ النوبة بطبوعها وميازينها، بقالبها المصوغ بدقة فنية بالغة. بحييث ألفت الصياغة اللحنية بين عقلانية المنطق الرياضي، وشعرية النغم تأليفا عجيبا، تزخر به الحركة اللحنية-الإيقاعية... ويفصح عنه الاداء الموسيقي عزفا وغناء.
إننا نشعر بالطرب، بفضل تلك القوة التعبيرية المنداحة. وقد نشعر بالدهشة والانبهار... ويجتاحنا ذلك الإحساس بالجمال المطلق. بل ويمكن أن نرقي إلى درجة الفناء فيه.
ويؤكد الأستاذ عبد العزيز بن عبد الجليل صاحب كتاب "مدخل إلى تاريخ الموسيقى المغربية" أن الموسيقى الأندلسية مكونة من ثلاث مدارس هي:
"المدرسة التونسية واصلها اشبيلي. والمدرسة الجزائرية وأصلها غرناطي. والمدرسة المغربية وهي متأثرة بالمدرسة البلنسية في فاس. والمدرسة الغرناطية الحديثة في تطوان وشفشاون..." وإن ما هو أكيد أن الموسيقى الغرناطية مدرسة أندلسية قائمة بذاتها. من بين ثلاث مدارس تشكل كلها الموسيقى الأندلسية: مدرسة الآلة وهي السائدة في المغرب مدرسة الغرناطي في وجدة والرباط والجزائر، ومدرسة المألوف في تونس. وعدد نوبات الموسيقى الغرناطية اثنا عشر نوبة كاملة هي:
الماية – رمل الماية – الرمل – الذيل – الرصد – رصد الذيل – الزيدان – الصيكة (بالصاد وهي مختلفة عن مقام السيكاه) – المزموم – الحسين – الغريب – المجنبة - وأربع نوبات ناقصة هي: الموال – غريبة الحسين – الجركاه – العراق – وإيقاعاتها خمسة هي: المصدر- البطايحي – الدرج – الانصراف –المخلس.
وغالبا من يقوم غرناطي وجدة، على قالب لحني – إيقاعي مكون من ثلاث لحظات كبرى:
1-مقدمة آلية: تعزف على إحدى الآلات الوترية: عود أوكمان أو بانجو أو مندولين.
2-موال يؤديه المنشد مع مصاحبة آلية.
3-أداء القصيدة وتشترك فيه الآلات الموسيقية مع تجاوب المجموعة مع صوت المنشد المنفرد.
اهتم سكان مدينة وجدة بالموسيقى الغرناطية. وتأنقوا في تذوقها فتأسست عدة أجواق ومجموعات موسيقية أندلسية. وظهرت جمعيات تؤطر هذه الحركة الموسيقية. وقد عرف عقد الثمانينيات، تأسيس عدد منها تمارس الطرب الغرناطي وتعنى بنشره. من أهمها الجمعية الموصلية للطرب الغرناطي، ومجموعة الشيخ صالح ومجموعة السلام..
إلا أن أقدم هذه الجمعيات وأهمها قبل الاستقلال، كما يشير إلى ذلك الاستاذ يونس الشامي صاحب أول تدوين بالنوطة الموسيقية لنوبات الطرب الاندلسي في أجزاء ضخمة. يحمل كل جزء منها اسم النوبة الاندلسية المدونة.. هي الجمعية الأندلسية للطرب والمسرح والآداب بوجدة. وقد أسسها محمد بن اسماعيل. في وجدة سنة 1921، ولا تزال قائمة إلى اليوم. وهي جمعية ثقافية فنية مستقلة ساهمت في تكوين أجيال متتالية من الفنانين الذين عملوا طيلة عمرها المديد على خدمة التراث الموسيقي الاندسي الخالد. وصيانته من الاندثار. ومن الأهداف التي عملت على تحقيقها:
* النهوض بالموسيقى الاندلسية، وما يتصل بها، من فنون وآداب.
*صيانة التراث الأندلسي، والعمل على تطوره، وتحبيبه للجمهور. ونشره بطرق علمية، تساير روح العصر، مع المحافظة على اصالته وخصوصيته.
*البحث عن المواهب، وتكوينها تكوينا أدبيا، وفنيا، وجماليا، يؤهلها لنشر هذا التراث، بين الاجيال الصاعدة، بطرق وأساليب تربوية،تخلق لدى ناشئتنا، وشبابنا ذائقة جمالية رفيعة. وتجعلهم يتعاملون مع تراثنا الموسيقي الأندلسي، انطلاقا من منظور فكري وجمالي، بهذب النفوس والطباع ويغذي العقول والأرواح. ويرفع من مستوى نظرتهم إلى هذا الفن الذي اقترن –خطأ- في أذهان كثير من الناس، بالخلاعة والمجون خلال عصور الانحطاط والجمود..
كما تعمل الجمعية الأندلسية، على ضمان استمرارية ذلك التواصل الحضاري بين المغرب – ووجدة خاصة- وبلاد الأندلس التي لازالت تحمل في طياتها وكيانها كثيرا من تلك الخصائص الحضارية الخالدة. وللجمعية سجل حافل في مسيرتها الفنية على مدى ثمانية وسبعين عاما.
أما الجمعية الموصلية للطرب الغرناطي فقد تأسست، كما اشرنا إلى ذلك قبل قليل، بوجدة سنة 1984م، وهي جمعية موسيقية تهتم بالطرب الغرناطي، وتوليه عناية فائقة، من الناحيتين الأدبية والفنية. وتجعل نشره بين الشباب في مقدمة أهدافها. ويتمثل نشاط الجمعية الموصلية، في إحياء سهرات وأمسيات فنية في مختلف المناسبات الدينية والثقافية. كما أنها أبانت عن مستوى فني رفيع داخل المغرب وخارجه، خلال التظاهرات الفنية المتنوعة التي شاركت فيها فرقتها الموسيقية.
وتأسست مجموعة الشيخ صالح للطرب الغرناطي سنة 1986. ومن أهدافها الأساسية، إحياء التراث الغرناطي، وحمايته من الاندثار. ومحاولة نشره والتعريف به محليا ووطنيا ودوليا، وتشارك المجموعة باستمرار، في مختلف التظاهرات الموسيقية في المغرب، والبلدان العربية وفي أوروبا.
وتنسب هذه الجمعية الى الشيخ صالح محمد بن سعيد بن صالح شعبان. ولد سنة 1911 بمدينة وجدة، تتلمذ على يد الشيخ محمد بن إسماعيل، والشيخ العربي بن صاري، وهما من رواد الطرب الغرناطي بالمغرب والجزائر. أسس أول جمعية موسيقية له سنة 1930 شاركت في عدة مهرجانات وطنية ودولية. له أعمال فنية خاصة. جعلته يتميز بالطابع الوجدي الخالص. خاصة في مجال القصيدة، توفي سنة 1973م، تاركا رصيدا هاما من الإنجازات الفنية. وروادا من أبنائه وتلامذته. حملوا مشعل مواصلة البحث في هذا التراث الأصيل. وأبرزهم ابنه الفنان محمد شعبان، أحد رموز الطرب الغرناطي اليوم بمدينة وجدة الذي جرى تكريمه في الدورة 11 لمهرجان وجدة للطرب الغرناطي، أواخر شهر فبراير 2002. وتحدث مدير مركز الدراسات والابحاث الغرناطية بوجدة الاستاذ محمد بن عبد الله، لحظة التكريم عن موهبة ونبوغ الفنان محمد شعبان. وما شهد له به شيوخ كبار معاصرون في هذا الجنس الموسيقي الاصيل،كفنان طبع الطرب الغرناطي بطابع خاص. وساهم في تميزه عن الأنماط الموسيقية العريقة في جميع أقطار المغرب العربي.
واتلفت مجموعة السلام لقدماء الطرب الغرناطي سنة 1986م. بلم شتات مجموعة من أعلام وشيوخ الطرب الغرناطي بوجدة، أبرزهم أحمد الزموري. وقامت مجموعة السلام لقدماء الطرب الغرناطي بعدة أنشطة وأمسيات بوجدة. وتواظب على المشاركة في مهرجان الطرب الغرناطي بوجدة. وقد أحيت حفلات بمدينة مليلة سنوات 1993م، 1994م، 1995م، وبالرباط سنة 1992م، وتمثل هذه المجموعة نموذجا لافتا لامتداد التراث الموسيقي الغرناطي عبر شيوخه في اتجاه الحفاظ عليه، وتطويره على يد الهواة من شبابه.
تأسست جمعية التواصل للطرب الغرناطي والأندلسي سنة 1985 بمدينة وجدة. من طرف مجموعة من الشباب الهواة لهذا النوع من الطرب. وبفضل مجهوداتهم. المتواصلة، استطاعوا تحقيق ما تصبوا إليه الجمعية من أهداف ثقافية وفنية. وهذا ما يتجلى واضحا من خلال الأنشطة الثقافية الكثيرة والمتنوعة التي قامت بها منها:
*مشاركة الجمعية في جميع مهرجانات الطرب الغرناطي التي نظمتها وزارة الثقافة بمدينة وجدة وكذا الندوات والحلقات الدراسية في هذا المجال.
*المشاركة في عدة مهرجانات بالجزائر الشقيقة. خاصة بمديني وهران وتلمسان. وفي مختلف المناسبات الوطنية وعلى صعيد الجهة الشرقية من المملكة.
وتأسست الجمعية الإسماعيلية للطرب الغرناطي بتاريخ 2 مارس 1992. وقد اشتغل مؤسسو هذه الجمعية من قبل في إطار جمعية السلام لقدماء الطرب الغرناطي، وسميت الاسماعيلية باسم الشيخ محمد بن اسماعيل أحد أبرز رواد الموسيقى الغرناطية. وقد دشنت باكورة أعمالها بالاحتفال بعيد العرش يوم 2 مارس 1993. كما شاركت الجمعية في العديد من التظاهرات الموسيقية نذكر منها:
*جميع دورات مهرجان وجدة للطرب الغرناطي، منذ سنة 1992.
*سهرات رمضانية من تنظيم وزارة الثقافة والاتصال.
*إحياء السهرات التي كانت الجماعات المحلية تنظمها بمناسبة الاعياد الدينية والوطنية.
وتعتزم الجميعة في إطار خطة عمل مستقبلية إنجاز المهام التالية:
*تاسيس قسم خاص بالاطفال تابع للجمعية بهدف إعدادهم إعدادا فنيا وتربويا حتى يحملوا مشعل التراث الموسيقي الغرناطي.
*مواصلة المشاركة في المهرجانات الوطنية والدولية.
*التنسيق مع الجمعيات الموسيقية الغرناطية ومركز الدراسات والأبحاث الغرناطية بوجدة فيما يخص البحث الموسيقي الأندلسي عامة والغرناطي بصفة خاصة. والمساهمة في تعزيز مكسب مهرجان وجدة للطرب الغرناطي، لما لهذه الموسيقى من طابع محلي وجدي خالص، وإشعاع فني بالغ الأهمية.
ويتسم عمل الجمعية الإسماعيلية بروح التعاون والتنسيق مع مختلف الجمعيات والفعاليات الغرناطية.
مجموعة ولاية وجدة للطرب الغرناطي جمعية موسيقية تعنى بالموسيقى الغرناطية ذات الطابع الوجدي الخالص. من خلال فرقتها الموسيقية وأطرها الذين تمرسوا في تشكيلات جمعوية غرناطية كجمعية التواصل وجمعية الشيخ صالح... وبفضل مجهودات ورصيد أفراد مجموعة ولاية وجدة التي ظهرت في الآونة الأخيرة كجمعة وازنة أمكن لها أن تسجل إسمها من خلال حضورها في الساحة الموسيقية الغرناطية بمدينة وجدة.
ومن خلال هذا الجرد السريع لجمعات الطرب الغرناطي بوجدة. يتضح جليا ثراء الساحة الموسيقية الغرناطية بالمدينة. وغنى رصيدها الفني. ودينامية أسماء فنية عديدة من كلا الجنسين وازنة بارعة في الحفظ. والرواية متعمقة في النوبة الغرناطية وميازينها "وانقلاباتها" "واستخباراتها". ذات مستوى عال في الأداء غناء وعزفا على مختلف الآلات الإيقاعة والوترية وغيرها منذ الرواد الاوائل... محمد بن اسماعيل، الشيخ صالح، أحمد الزموري، الغوتي العشعاشي.. إلى رواد اليوم أمثال أبناء شعبان وسلامي والجيلالي والغيدي وغزلان وأحمد الفقير وعياد والرمضاني وحسني ورشيد العسري ومحسن الزموري وفاطمة الزهراء بن زينت وآمنة بنسعد ووفاء دزيري... وعبد الإله بن مسعود.. وغيرهم كثر لا يسعنا المجال لذكرهم جميعهم.
يلاحظ المتتبع للشأن الموسيقي بمدينة وجدة، دينامية مشهودة لمركز الدراسات والابحاث الغرناطية، في السنوات الأخيرة بشكل خاص. فعلاوة على ثقله الوازن في التحضير لدورات مهرجان وجدة للطرب الغرناطي، يعقد المركز عدة ندوات علمية، وحلقات دراسية تسفر عن دراسات وبحوث قيمة. تشكل إضافة كمية ونوعية في مسير البحث في التراث الغرناطي عامة والموسيقي منه بصفة خاصة. وذلك بالرغم من شح الامكانيات المادية والبشرية الموضوعة تحت تصرف المركز. فالمقر صغير. وهو عبارة عن غرفتين صغيرتين في "دار السبتي" بشارع المغرب العربي. والوسائل والتجهيزات تعاني من نقص مهول.. والموارد البشرية غير كافية، إذ يشغل المركز بمدير وكاتبة واحدة فقط. ويؤكد الأستاذ محمد بن عبد الله مدير مركز الدراسات والابحاث الغرناطية بوجدة الذي تأسس سنة 1990م، ان هذا الوضع غير الطبيعي، يعوق العمل الذي يستند نظريا إلى أهداف كبرى، تتوسل بمشاريع طموحة. ومتبصرة بالأخطار التي تهدد التراث الغرناطي، ومن تلك الأهداف التي سطرها المركز لنفسه:
1- جمع وتحقيق وتدوين التراث الموسيقي الغرناطي وتسجيله. ويقول الأستاذ أحمد عيدون، رئيس قسم الموسيقى وفنون الرقص، بوزارة الثقافة والاتصال: "إن هذه المهمة هي التي ستفتح الآفاق لعمل علمي جدي وأساسي. وتتطلب وسائل بشرية ومادية لابد منها.." وذلك في مداخلة له حول منهجية علمية في تدوين الطرب الغرناطي. في إطار ندوة البحث في التراث الغرناطي حصيلة وآفاق. ونظمتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة بتعاون مع المركز سنة 1997.
2- متابعة دراسته كتعبير فني أتبت جمال حضوره عبر تاريخ عريض. بما يختزن فنه الأصيل من قدرة على الامتداد الجغرافي من الاندلس مرورا بالمغرب إلى المشرق.
3- تشجيع الدراسة والبحث في ميدان التراث الغرناطي.واستقطاب الفعاليات المتخصصة.. وعقد ندوات وحلقات... وأعمال دراسية معمقة ومستمرة على المدى القصير والمتوسط والبعيد. بشراكة مع المؤسسات والفعاليات الثقافية والفنية.
4- استثمار جميع الوسائل الممكنة للنهوض بهذا التراث. ويؤكد الأستاذ محمد بن عبد الله أنه "من الضروري الملح أن تتكاثف الجهود، بين الجهات الوصية، والمؤسسات الجامعية والهيئات العلمية والاكاديمية، والمنشآت الاستثمارية، لحشد الطاقات البشرية والموارد المالية والتجهيزات التقنية الحديثة. لتحقيق الأهداف المتوخاة من إنشاء مركز الدراسات والأبحاث الغرناطية للتعجيل بإنجاز المهام المنوطة به."
5- تسهيل اتصال المولوعين به. من خلال تنظيم انشطة مختلفة.
6- ربط علاقات التعاون وتبادل المعلومات والدراسات والوثائق والخبرات. مع المؤسسات والفعاليات المتخصصة في هذا المجال داخل المغرب وخارجه. وخاصة على صعيد دول المغرب العربي ودول غرب البحر المتوسط (اسبانيا والبرتغال).
7- تنظيم لقاءات وملتقيات دراسية قصد تعميق البحث في هذا التراث الخالد.
وسعيا لتحقيق هذه الأهداف، رغم ظروف العمل الصعبة فقد أنجز مركز الدراسات والابحاث الغرناطية عدة أعمال منها:
تنظيم عدة ندوات وحلقات دراسية، انصب فيها الجهد على جمع الرصيد الشعري والزجلي لنوبة رمل الماية. وتحقيق نصوص هذا الرصيد. والقيام بدراسة بنياته اللحنية والإيقاعية، وصولا إلى توثيق هذه النوبة، توثيقا أدبيا وتدوينها تدوينا موسيقيا.
كما يتجه الاهتمام لدى المسؤولين والمركز إلى العناية بالجوانب الثقافية والادبية والفنية التي تمكن الباحثين والدارسين من الكشف عن كنوز هذا التراث. ومن أجل ذلك، نظم مركز الدراسات والأبحاث الغرناطية بوجدة بتعاون مع مؤسسات أخرى، عدة ندوات وحلقات دراسية من بينها: أشغال دراسية تناولت "أساليب أداء النوبة في المغرب العربي". و"الأصول الأندلسية للطرب الغرناطي." و "التراث الغرناطي وإشكالية توثيقه أدبيا وتدوينه موسيقيا".
إن النهوض بهذه المهام التي أطلق ديناميتها مركز الدراسات والأبحاث الغرناطية بوجدة. من أجل الرقي بالموسيقى الغرناطية من مستوى الحفاظ على الموروث النغمي المتحدر من الفردوس المفقود. وهو المستوى الذي لابد من إنجازه واستنفاذه علميا بالجمع والتحقيق والتسجيل والتدوين... إلى مستوى استثمار ثرائه الفني وجماليته المتفردة، بالعمل الموسيقى الدؤوب والدراسة التحليلية والجمالية.. كل هذا يستوجب حشد الطاقات والإمكانيات المادية والبشرية اللازمة لمثل هذا المشروع الجبار الذي يرتكز إلى الوعي العصري بأهمية التراث الغرناطي والموسيقي منه بخاصة باعتباره من مقومات ثقافتنا الوطنية. ورافدا من روافد حضارتنا العربية الاندلسية العريقة وزخما ثقافيا يمثل الخصوصية الغنية التي لابد منها لبناء مداخل الحداثة ثقافيا وفنيا..
نشر ب"جريدة الفنون" العدد26


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.