سؤال نطرحه بقوة في خضم الجدل الكبير الذي عرفته الساحة السياسية والاجتماعية والحقوقية بشأن ما يسمى ب "التشرميل"، والأسباب والمسببات التي تقف وراء انتشار هذه الظاهرة، وأخذها مساحة كبيرة من الاهتمام السياسي والإعلامي، والدور الذي لعبته السلطات الأمنية بمختلف فروعها من خلال التحرك بسرعة لاحتوائها والسيطرة عليها، لتفادي المخاطر المحتملة التي قد تفرزها في مستقبل الأيام كنوع جديد من "الإرهاب الاجتماعي". وهو سؤال نعتقد أنه ضروري وملح بالنظر إلى ما يعرفه المجتمع المغربي من تحولات وتطورات بعض منها يظل سلبيا وربما من الخطورة مما يستدعي معه تعبئة شاملة من الجميع، من أجل حماية استقرار المجتمع والمؤسسات، وأمن وسلامة المواطنين والممتلكات. ولعل مسؤولية الحكومة في هذا الشأن تبقى ذات أولوية باعتبارها السلطة التنفيذية والمكلفة بتطبيق برنامجها الحكومي في كليته وتفاصيله وجزئياته، دون إهمال لقطاع من القطاعات أو ملف من الملفات أو قضية من القضايا، خاصة إذا كانت تتسم أو تتميز بالطابع الاستراتيجي أو الحيوي أو المستقبلي. فعندما نتساءل عن وجود سياسة حكومية من عدمها فيما يتعلق بقضية النهوض بالشباب، فإنما ننطلق من إيماننا بأن قضية الشباب تعتبر قضية محورية وأساسية في رسم معالم مستقبل البلاد، وأنه بدون إيلاء الشباب الاهتمام الذي يستحقه والرعاية التي يحتاجها والعناية التي يتطلبها، لا يمكن الحديث عن نهضة مجتمعية أو تطور حقيقي، ما دام أن تفكير الحكومة منصب على أولويات وحسابات أخرى بعيدة عن انتظارات وتطلعات ملايين الشباب المغربي. إن ظاهرة التشرميل مثلا ليست إلا نتيجة منطقية وانعكاسا واضحا لفشل سياستها الخاصة بالشباب، برغم وجود عدد من القطاعات ذات الصلة والتي كان عليها أن تكون السباقة إلى وضع برامج ومشاريع ومخططات من أجل النهوض بالشباب وتشجيعه على العلم والمعرفة والاستفادة من التطور التكنولوجي والتقني والمعلومياتي بما يعود عليه بالنفع ويؤهله لخوض غمار الحياة بشكل إيجابي بعيدا عن كل السلبيات والمظاهر والسلوكيات والأفكار العدمية، لكنها ظلت حبيسة مقاربات تقليدية جامدة لم تفلح في حماية شبابنا ومراهقينا من السقوط في مستنقع الاستلاب الفكري والثقافي والتقليد الأعمى للآخر، بقدر ما دفعته قسرا إلى اليأس والعدمية والتمرد والبحث عن الاختلاف بطرق وأساليب وممارسات وسلوكات مستفزة للشعور الاجتماعي والأخلاقي والديني، ومنافية لأصول التربية والتكوين ولمنظومتنا التعليمية برمتها. مما شجع بعض شبابنا ومراهقينا على التباهي بتلك الأساليب والسلوكيات والمظاهر عبر الفايسبوك في تحد سافر للمجتمع. فإذا كانت المقاربة الأمنية ضرورية ومهمة في تطويق تداعيات وانعكاسات هذه المظاهر والسلوكيات والممارسات إلا أنها ليست الوسيلة الوحيدة للتغلب عليها، وبالتالي لا يمكن حصر القضية كلها في منطق الاعتقال والزجر والعقوبة كما يحلو للحكومة أن تفعل، في حين، أن المطلوب هو سياسة حكومية حقيقية وفاعلة للنهوض بالشباب وانتشاله من أوحال اليأس العدمية والتمرد، التي هي فقط نتيجة لسياسة اقتصادية واجتماعية مدمرة، من أبرز نتائجها ارتفاع معدل البطالة وتقلص فرص الشغل وازدياد أعداد المعطلين من حاملي الشهادات العليا، وعدم رضى 57 بالمائة من المغاربة عن رواتبهم و 79 بالمائة منهم يتوقعون ارتفاعها أكثر في تكاليف المعيشة، بما يعني مزيدا من معاناة الأسر المغربية التي يتشكل معظم أفرادها اليوم من الشباب والمراهقين ومن هم دون سن العاشرة. إن فشل الحكومة حتى الآن في تنفيذ ولو جزء بسيط من برنامجها المتعلق بتحقيق حد أدنى من العيش الكريم للمواطن المغربي، هو السبب الأول والعميق وراء كل ما تعيشه مدننا الكبيرة والصغيرة خاصة في أحيائها الشعبية والعشوائية والقصديرية من مظاهر البؤس والحرمان والفقر والإقصاء التي تقف وراء تعاطي بعض شبابنا ومراهقينا للمخدرات وحبوب الهلوسة وأعمال الإجرام والتي جاءت ظاهرة التشرميل لتسلط الضوء عليها أكثر وتضع الحكومة في قفص الاتهام.