وجه جلالة الملك محمد السادس في خطاب عيد العرش رسالة واضحة ترتكز على تنمية منصفة وتلاحم وطني وإقليمي، مؤكدا ضرورة مواجهة التحديات التنموية وتعزيز الوحدة المغاربية، في رؤية ملكية جريئة تستجيب لتطلعات المغرب الحديث. واعتبر الحسين كنون محلل سياسي في تصريح خاص ل "رسالة24" أن جلالة الملك أرسى من خلال هذا التوجيه الملكي مرجعية جديدة في تدبير الشأن التنموي والوطني، منسجمة مع تحولات الواقع المغربي ومعززة بدعوة صريحة إلى إعادة بناء الثقة وتعميق التعاون مع دول الجوار وفي مقدمتها الجزائر. أكد الحسين كنون، المحامي والمحلل السياسي، في تصريح خص به موقع "رسالة24″، أن خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش المجيد ليس خطابا عاديا، بل يمثل محطة تاريخية فارقة، لما يتضمنه من رسائل قوية ودلالات عميقة. ووصف كنون هذا الخطاب بأنه خطاب واقعي، صريح، عميق المفاهيم، ويشكل مرجعية جديدة ضمن خطاب الجيل الجديد الذي يتماشى مع طبيعة المغرب المتحول، مغرب اليوم الذي لم يعد يشبه مغرب الأمس، كما سبق أن شدد جلالة الملك في مناسبات متعددة. وأوضح كنون، أن الطابع الرمزي لهذا الخطاب، باعتباره خطاب العرش، يمنحه بعدا خاصا، إذ يتحول إلى خارطة طريق واضحة، وإلى بوصلة ترشد كافة الفاعلين بمختلف مشاربهم، سواء كانوا سياسيين أو اقتصاديين، كما يخاطب أيضا شركاء المغرب على الصعيدين الداخلي والخارجي. فالمغرب كما جاء في خطاب جلالة الملك بات يحمل هما مركزيا يتمثل في التنمية الشاملة، سواء تعلق الأمر بالتنمية البشرية أو المجالية أو المندمجة، وهو توجه استراتيجي يميز النموذج التنموي المغربي. وأضاف المتحدث أن المملكة قطعت أشواطا متقدمة في مسار التنمية البشرية، التي ترتكز على النهوض بالعنصر البشري عبر الرفع من جودة التعليم، وتجويد الخدمات الصحية، وتعزيز التكوين المهني، بالإضافة إلى تمكين المواطنين من فرص تأسيس المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتشجيع التعاونيات والجمعيات وتسهيل الولوج إلى القروض والدعم فضلا عن تنزيل مضامين الدولة الاجتماعية التي تروم توفير خدمات أساسية بشكل عادل ومنصف. ورغم هذه المكتسبات أشار كنون إلى أن المغرب، وإن راكم نقاط قوة مهمة لا يزال يواجه بعض مواطن الضعف التي يجب التعامل معها بجرأة وفعالية، وعلى رأسها التفاوتات المجالية. فالتنمية المجالية المندمجة تظل من أبرز التحديات المطروحة، حيث يشهد المغرب تفاوتا واضحا بين مناطق تنعم بمشاريع البنية التحتية الكبرى والخدمات الحديثة، كالمحور الممتد بين الدارالبيضاء والرباط والقنيطرة وبين مناطق أخرى نائية تعاني من ضعف الولوج إلى الطرق، وغياب المستشفيات، وانعدام وسائل النقل العصري، وهو ما يتطلب مجهودا مضاعفا لتقليص هذه الفجوة. وأكد كنون أن الخطاب الملكي وجه الحكومة للعمل على إعداد جيل جديد من الاستراتيجيات التنموية التي تضمن العدالة المجالية، من خلال التنسيق والتكامل بين مختلف الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات الترابية، وترسيخ مبدأ التضامن والتعاون وتبادل الخبرات وتعزيز الربط بين القرى والمراكز الحضرية عبر توفير البنيات التحتية الأساسية كالماء الصالح للشرب، والكهرباء، والأنترنت، والشبكة الطرقية، بما يضمن استفادة جميع المواطنين من الخدمات العمومية دون تمييز. وشدد كنون على أن جلالة الملك، اختتم خطابه بعبارة بليغة تلخص الفلسفة العامة للرؤية الملكية، مفادها أن الغاية من كل السياسات العمومية، سواء أكانت تنموية أو اقتصادية أو اجتماعية هي ضمان العيش الكريم للمواطن. فإذا لم تنعكس هذه السياسات إيجابا على الحياة اليومية للمواطنات والمواطنين فإنها تظل ناقصة ولا ترقى إلى مستوى التطلعات ولا تحقق رضا الملك، ولا رضا الشعب. وفي السياق ذاته، اعتبر كنون أن جلالة الملك بعث برسالة واضحة إلى الجيران، خاصة الجزائر، حين أكد على التمسك بمبدأ اليد الممدودة، مشيرا إلى أن هذا ليس مجرد خطاب سياسي، بل يعكس رؤية استراتيجية متكاملة تؤمن بأن التنمية لا يمكن أن تكون حكرا على دولة واحدة، بل ينبغي أن تتقاسمها شعوب المنطقة فالمغرب الذي يعد نفسه جزءا لا يتجزأ من عمقه الإفريقي، يتطلع إلى بناء علاقات تعاون متينة مع الأشقاء الأفارقة والعرب، ضمن منطق رابح-رابح، ويظل مؤمنا بوحدة شعوب المغرب الكبير رغم التحديات. كما ذكر كنون بأن الاتحاد المغاربي تأسس سنة 1989 في مراكش، والمغرب لا يزال مؤمنا بهذا المشروع، ولا يرى في دعوته للوحدة مع الجزائر سوى امتدادا لهذه الرؤية الحكيمة التي تقودها المؤسسة الملكية. فالعلاقات التاريخية والدينية والثقافية المشتركة بين الشعبين المغربي والجزائري تظل رصيدا يجب استثماره لصالح المستقبل المشترك. وعلى مستوى الاستحقاقات السياسية المقبلة، أشار كنون إلى أن جلالة الملك وضع خطوطًا عريضة للتحضير الجيد للانتخابات القادمة، بما يجعلها محطة مفصلية في مسار تعزيز الممارسة الديمقراطية بالمغرب. إذ دعا إلى الانضباط للجدولة الزمنية الدستورية، مع فتح مشاورات جدية وإعداد مدونة سلوك انتخابي تؤطر سلوك الأحزاب والفاعلين السياسيين، وهو ما سبق لجلالته أن نادى به تحت قبة البرلمان. وأكد كنون أن الخطاب الملكي لم يكن مجرد مناسبة ظرفية، بل تضمن إشارات دقيقة إلى استحقاقات كبرى تنتظر المغرب، وفي مقدمتها تنظيم مونديال 2030، ما يفرض تعبئة وطنية شاملة، وتهيئة المؤسسات المنتخبة لتكون في مستوى هذا الرهان الدولي. فالحكومة المقبلة، والبرلمان، وباقي المؤسسات الدستورية، سيكون عليها الاضطلاع بمسؤوليات كبيرة، وتقديم أداء سياسي وتنموي يليق بمكانة المغرب. وختم كنون تصريحه بالتأكيد على أن الخطاب الملكي كان واضحًا، قويًا، متكامل الأبعاد، جريئًا في طرحه، عقلانيًا في تحليله، وذا نبرة موضوعية تروم تعبئة شاملة. فهو دعوة موجهة إلى كل الفاعلين، حكومة، مؤسسات، ومواطنين، للانخراط الفعلي في دينامية التنمية، واستثمار ما يزخر به المغرب من إمكانات ليصبح، تحت قيادة جلالة الملك، بلدًا صاعدًا يستجيب لتطلعات أجياله ويؤكد مكانته بين الأمم.