وهبي: الحكومة امتثلت لملاحظات القضاء الدستوري في "المسطرة المدنية"    السلطة القضائية تنضم إلى PNDAI    المطر ينقذ ما تبقى من الموسم الفلاحي ويحفز إنتاج الحوامض والفواكه    "كان المغرب".. المنتخب الجزائري يتغلب على السودان (3-0) في أولى مبارياته في دور المجموعات    مخطط التخفيف من آثار موجة البرد يستهدف حوالي 833 ألف نسمة    كأس إفريقيا للأمم 2025.. الملاعب المغربية تتغلب على تقلبات أحوال الطقس    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    توقيف شخص بحوزته أقراص مهلوسة وكوكايين بنقطة المراقبة المرورية بطنجة    "ريدوان": أحمل المغرب في قلبي أينما حللت وارتحلت        كأس إفريقيا للأمم 2025 .. منتخب بوركينا فاسو يحقق فوزا مثيرا على غينيا الاستوائية    قضية البرلماني بولعيش بين الحكم القضائي وتسريب المعطيات الشخصية .. أسئلة مشروعة حول الخلفيات وحدود النشر    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    توفيق الحماني: بين الفن والفلسفة... تحقيق في تجربة مؤثرة    المخرج عبد الكريم الدرقاوي يفجر قنبلة بمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي ويكشف عن «مفارقة مؤلمة في السينما المغربية»        نشرة إنذارية.. زخات رعدية محليا قوية وتساقطات ثلجية وطقس بارد من الأربعاء إلى السبت    شخص يزهق روح زوجته خنقا بطنجة‬    وفاة رئيس أركان وعدد من قادة الجيش الليبي في حادث سقوط طائرة في تركيا    نص: عصافير محتجزة    وزير الصحة يترأس الدورة الثانية للمجلس الإداري للوكالة المغربية للدم ومشتقاته    رباط النغم بين موسكو والرباط.. أكثر من 5 قارات تعزف على وتر واحد ختام يليق بمدينة تتنفس فنا    أطروحة دكتوراة عن أدب سناء الشعلان في جامعة الأزهر المصريّة    الكشف عن مشاريع الأفلام المستفيدة من الدعم    بنسعيد: الحكومة لا تخدم أي أجندة بطرح الصيغة الحالية لقانون مجلس الصحافة    روسيا تعتزم إنشاء محطة طاقة نووية على القمر خلال عقد    المغرب في المرتبة الثامنة إفريقيا ضمن فئة "الازدهار المنخفض"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    الاقتصاد المغربي في 2025 عنوان مرونة هيكلية وطموحات نحو نمو مستدام    الحكومة تصادق على مرسوم إعانة الأطفال اليتامى والمهملين    الأمطار لم توقّف الكرة .. مدرب تونس يُثني على ملاعب المغرب    بول بوت: العناصر الأوغندية افتقدت للروح القتالية    انفجار دموي يهز العاصمة الروسية    زلزال بقوة 6.1 درجات يضرب تايوان    كأس إفريقيا بالمغرب .. مباريات الأربعاء    فرنسا تندد بحظر واشنطن منح تأشيرة دخول لمفوض أوروبي سابق على خلفية قانون الخدمات الرقمية    مواجهات قوية للمجموعتين الخامسة والسادسة في كأس إفريقيا    انتصارات افتتاحية تعزز طموحات نيجيريا والسنغال وتونس في كأس إفريقيا    "أفريكا انتلجانس" ترصد شبكات نفوذ ممتدة حول فؤاد علي الهمة في قلب دوائر القرار بالمغرب    فدرالية الجمعيات الأمازيغية تهاجم "الدستور المركزي" وتطالب بفصل السلط والمساواة اللغوية    محامو المغرب يرفضون مشروع قانون المهنة ويرونه خطرا على استقلاليتهم    الذهب يسجل مستوى قياسيا جديدا متجاوزا 4500 دولار للأونصة    عجز ميزانية المغرب يقترب من 72 مليار درهم نهاية نونبر 2025    "الهيلولة".. موسم حجّ يهود العالم إلى ضريح "دافيد بن باروخ" في ضواحي تارودانت    الأمطار تغرق حي سعيد حجي بسلا وتربك الساكنة    طقس ممطر في توقعات اليوم الأربعاء بالمغرب    بكين وموسكو تتهمان واشنطن بممارسة سلوك رعاة البقر ضد فنزويلا    عاصفة قوية تضرب كاليفورنيا وتتسبب في إجلاء المئات    كأس أمم إفريقيا 2025.. بنك المغرب يصدر قطعة نقدية تذكارية فضية من فئة 250 درهما ويطرح للتداول ورقة بنكية تذكارية من فئة 100 درهم    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها        الولايات المتحدة توافق على أول نسخة أقراص من علاج رائج لإنقاص الوزن    دراسة: ضوء النهار الطبيعي يساعد في ضبط مستويات الغلوكوز في الدم لدى مرضى السكري    دراسة صينية: تناول الجبن والقشدة يقلل من خطر الإصابة بالخرف    خطر صحي في البيوت.. أجهزة في مطبخك تهاجم رئتيك    مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الساسي : مذكرة الأحزاب الأربعة
نشر في زنقة 20 يوم 16 - 05 - 2015

رفعت أحزاب المعارضة الأربعة (حزب الاستقلال – الأصالة والمعاصرة – الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية – الاتحاد الدستوري) مذكرة إلى الملك، مؤرخة ب 26 مارس 2015، تطلب تحكيمه إثر تصريحات لرئيس الحكومة اعتبرتها المذكرة منافية للدستور، وخاصة التصريح الذي أدلى به في الراشيدية يوم 15 مارس 2015، والذي ورد فيه أن الملك تعرض لضغوطات كادت تسقط الحكومة، ولكنه صمد في وجهها. واتهمت المذكرة عبد الإله بنكيران بإقحام المؤسسة الملكية في الصراع الحزبي وبإشاعة معلومات خاطئة تقدم حزبه كحزب مميز لدى الملك، مما ينتهك مبدأ المساواة بين الأحزاب ويعرقل الاختيار الديمقراطي، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات.
وأشارت المذكرة إلى أن طلب التحكيم جاء لتجنب مواجهة علنية لن تخدم مصالح البلاد ونبل العمل السياسي (؟ !)
ورغم أن بنكيران، حين أقحم الملك في صراعه مع خصومه، صنع ذلك في سياق استحسان الموقف الملكي، فإن الكثير من خطابات رئيس الحكومة يطرح، بكل تأكيد، مشكلة حقيقية؛ فالرجل يلمح، أو يشير صراحة، إلى وقائع جنائية خطيرة يقول إنها تحصل في البلاد بدون أن يربط ذلك بإثارة الواجب الملقى على حكومته والقاضي بفتح مساطر وتحقيقات وتتبعات ومُساءلات (علاقة خصومه بتجارة أو تجار المخدرات مثلاً).
معارضو بنكيران، أيضاً، يلعبون اللعبة، ذاتها، ويمعنون في محاولات الإيحاء بأنهم يحظون أكثر من غيرهم برضى الملك ويتحدثون كما لو كانوا ناطقين رسميين باسمه؛ فبعد تقديم المذكرة، صرح أحد موقعيها بأن “جلالة الملك، من خلال تكليف مستشاريه بالإنصات لقادة الأحزاب الأربعة، استجاب فوراً لأنه حريص على ألا يُستغل شخصه في الصراعات الحزبية” و”لم يسبق في تاريخ المغرب أن حصل مثل هذا التفاعل الفوري مع المذكرات”. وللتذكير، فالأستاذ عبد الرحمان اليوسفي واجه معارضيه، كذلك، بشعار “حكومة صاحب الجلالة” رغبة منه في ترتيب نتيجة مفادها أن كل ما تصنعه الحكومة يوافق الإرادة الملكية.
ويظهر أن مصدر قلق وانشغال المعارضة الرباعية لا ينحصر في محاولة بنكيران إظهار حزبه بمظهر الحزب الذي يحظى بأفضلية ملكية، بل يمتد ليشمل مجمل خطاباته ونبرته الهجومية الحادة ككل. لقد اعتبر لشكر أن تصريحات بنكيران تستوجب متابعته جنائياً لأنها تصف معارضيه بالفاسدين و”الشفارة”؛ لكن خطابات قادة الأحزاب الأربعة لا تقل عنفاً، فهي اتهمت بنكيران بالولاء ل “داعش” والعمالة للموساد وشَبَّهَتْهُ بهتلر، وذهبت إلى أن الملك غاضب عليه وأن حزب العدالة والتنمية يسعى إلى زعزعة استقرار البلاد، لكن “المغرب زاوية بها إمارة المؤمنين، ولذلك لن تنجح مساعي زعزعته”.
المذكرة تطلب تحكيم الملك في قضية لا تستدعي، ربما، مثل هذا التحكيم؛ فوظيفة الملك كحكم بين المؤسسات، المنصوص عليها في الفصل 42 من الدستور، تعني، إجمالاً، حق تدخل الملك في حالة قيام نزاع بين المؤسسات، أي بين الحكومة والبرلمان، أساسًا، لمعالجة الوضع بالشكل الذي يضمن دوام الدولة واستمرارها وحسن سير المؤسسات.ونحن، اليوم، أمام تصريحات لرئيس الحكومة،تقدم معلومات،ولسنا أمام تضارب في القرارات، مثلاً، أو تنازع في الصلاحيات أو اصطدام أو أزمة أو اختلال في السير المؤسسي وفي أسس التعايش بين المؤسسات.
المعارضة الرباعية تشعر بأنها مُسَّتْ في صورتها لدى الرأي العام وأصابها ضرر معنوي، لكن أحداً لم يمنعها من ممارسة حق الرد، وما الذي يجعلها تعتقد أن الناس ستصدق كلام رئيس الحكومة ولن تصدق كلام قادتها؟
والمذكرة لا يُستشف منها، بوضوح، نوع الإجراء الذي تنتظر من الملك أن يباشره.. هل “التحكيم” الذي ينتظره محررو الوثيقة هو صدور إشارة “توبيخ” من الملك إلى بنكيران أو نقطة نظام ملكية تتولى التذكير بأن القصر يقف على المسافة نفسها من جميع الأحزاب؟ وهل يعتبرون أن الوضع السياسي في البلاد محتاج إلى هذا التذكير في مرحلة التحضير للانتخابات، وأنه سينفعهم انتخابياً وسيكون بمثابة رسالة إلى رجال ونساء الإدارة الترابية؟ لقد أبدى إدريس لشكر مخاوفه من “وجود مؤامرة على صناديق الاقتراع” !
والمذكرة تكاد تفترض أن الملك لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم، بينما هو موجود في الميدان، يواكب ما يجري بدقة، وحكم المباراة لا يحتاج إلى من يطالبه بالتدخل فهو يمكن أن يوقف اللعب أو يطرد لاعباً، تلقائياً، بدون انتظار التوصل بشكوى. وقد سبق لبنكيران أن اعتذر إلى الملك وإلى مستشاريه علناً، ومعنى ذلك أن رئيس الحكومة تلقى، ربما، إشارة تفيد بأنه تجاوز الحدود وأخل بالأصول والقواعد المرعية، أي أن النظام يتوفر على ما يكفي من أجهزة للتلقي والالتقاط وأجهزة للإرسال وبث الإشارات.
والمذكرة تنم عن شعور محرريها بنوع من الضعف وعدم الثقة في النفس، والخوف من أن تتدنى نتائجهم في الانتخابات المقبلة، فهم يحسون بأن تصريحات بنكيران تقويه انتخابياً، وهذا ما يفسر الإلحاح في المذكرة على مبدأي تكافؤ الفرص والمساواة بين الأحزاب.
لا شك أن المعارضة الرباعية تستحضر ما تكشفه استطلاعات الرأي العام من استمرار شعبية بنكيران، وحشود الجماهير التي تشارك في تجمعاته، ونزوله شخصياً لتأطير تظاهرات حزبه، ومحدودية الأثر الذي خلفته المسيرات المنظمة ضده والإضراب العام والاحتجاجات القطاعية.
الأحزاب الأربعة لا تتبين، بالقدر الكافي، ملامح المرحلة المقبلة. هي تعلم أن هناك تحالفاً بين النظام وحزب العدالة والتنمية لترتيب وضع ما بعد “الربيع”، ولكنها لا تريد لهذا التحالف أن يعمر طويلاً وأن يؤدي إلى المزيد من تهميشها.
والمذكرة تقدر قيمة ووزن الشخص، داخل التحالف المشار إليه، وتدرك أنه لولا بنكيران لاتخذ هذا التحالف شكلاً آخر، ولولا بنكيران لحملت الحياة السياسية اليوم في المغرب طعماً آخر. يمكن أن يعيب البعض على المذكرة شخصنتها للصراع السياسي وتركيزها على الشخص عوض الانكباب على التجربة ككل، ولكن الجميع يعلم بأنه لا يمكن الحديث عن هذه التجربة دون الحديث عن مركزية دور بنكيران فيها.
والمذكرة لا تندرج، بالضرورة، في سياق الاستقلالية عن النظام، بل في سياق إسداء خدمة ثمينة له ومساعدته على تلبية الحاجة، التي قد يستشعرها الآن، إلى الحد من نفوذ حزب العدالة والتنمية،رغم التحالف معه، وتمنح النظام ، ولو بدون إذن مباشر منه ربما، فرصةً أو أساساً لبذل حركة أو القيام بتدخل في اتجاه لجم الاندفاع البنكيراني وتقليص حظوظ حزبه في حصد المزيد من المكتسبات.
قد يستفيد النظام من وجود المذكرة بواسطة استخدامها في لعبة ضبط التوازنات، ولكن ذلك لن يغير شيئًا من جوهر الحقيقة القائمة اليوم في البلاد، وهو أنه ليس هناك حزب آخر في المغرب قادر على أن يقدم إلى النظام الخدمات التي يقدمها إليه حزب العدالة والتنمية، وخاصة بفضل رصيد المصداقية التي يتمتع بها الحزب حتى الآن؛ ذلك أن حزب بنكيران دَعَّمَ النظام في خطته لإطفاء جذوة الحراك بالشارع، وفتح السبيل نحو إجراء العمليات المؤلمة التي لم يكن بمستطاع الحكومات السابقة إجراؤها (المقاصة – التقاعد)، ووجه ضربة قاصمة إلى دينامية الإضرابات في القطاع العام من خلال الاقتطاعات، وكاد أن يخلي الشارع من مظاهرات الخريجين العاطلين بدون تقديم بدائل مقنعة لحل مشكلتهم، وترك الأجهزة النافذة تفعل ما تشاء بدون حسيب ولا رقيب، وضمن استمرار الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية الأساسية في البلاد، وأسهم في خطط قص أجنحة المجتمع المدني غير المنصاع وفي التضييق على النشطاء الحقوقيين وقمع الرموز والتنظيمات المتحركة في الحقل السياسي المضاد، وشارك بحيوية ملحوظة في تأسيس وتزيين الأطروحة القائلة بأن هاجس الحفاظ على “الاستقرار الذي ننعم به” وكسب الحرب على الإرهاب أهم من إرساء ديمقراطية حقة وإنجاز الإصلاحات البنيوية الكبرى.
إلى متى سيستمر تحالف النظام مع بنكيران؟ هذا سؤال يؤرق محرري المذكرة ولا يتوفرون، بصدده، على جواب !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.