كشف تقرير "مؤشر الازدهار العالمي 2025" عن تموقع المغرب في المرتبة الثامنة إفريقيا من حيث مستوى الازدهار، محققا مجموع نقاط بلغ 30.02 من أصل 100، وهو ما يضع المملكة ضمن فئة الدول ذات "الازدهار المنخفض". ويشير التقرير، الذي شمل تصنيف 186 دولة حول العالم، إلى أن المغرب حل بعد كل من موريشيوس التي تصدرت الترتيب الإفريقي بمعدل 41.05 نقطة، وسيشل بمعدل 40.77 نقطة، والجزائر بمعدل 40.36 نقطة، ثم ليبيا ب 33.84 نقطة، ومصر ب 33.24 نقطة، وتونس ب 32.25 نقطة، والغابون ب 32.20 نقطة، ليأتي المغرب ثامنا متقدما على بوتسوانا التي سجلت 27.35 نقطة، وموريتانيا ب 25.45 نقطة، وفق معطيات التقرير نفسه الصادر عن "هيلو سيف" والمنشور بتاريخ 24 دجنبر 2025.
وتكمن أهمية هذا التصنيف بالنسبة للمغرب في كونه لا يعتمد فقط على الناتج الداخلي الخام أو الدخل القومي الإجمالي، بل يقوم على مقاربة متعددة الأبعاد تدمج 6 مؤشرات رئيسية هي: الناتج الداخلي الخام للفرد، والدخل القومي الإجمالي للفرد، ومعدل الادخار الوطني الإجمالي، ومؤشر التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، ومعامل جيني لقياس الفوارق الاجتماعية، إضافة إلى معدل الفقر، مع أوزان دقيقة تعكس أثر كل عنصر على الازدهار طويل الأمد. وبحسب التقرير، فإن المغرب، بحصوله على 30.02 نقطة، يوجد عند عتبة الانتقال بين فئة "الازدهار الضعيف" التي تشمل الدول التي تتراوح نقاطها بين 30 و 40 نقطة، وفئة "الازدهار الضعيف جدا" التي تقل عن 30 نقطة، وهو ما يعكس تحسنا نسبيا مقارنة بعدد من دول إفريقيا جنوب الصحراء، لكنه في المقابل يبرز محدودية ترجمة النمو الاقتصادي إلى تحسن شامل في جودة الحياة وتقليص الفوارق الاجتماعية. وفي السياق الإقليمي لشمال إفريقيا، ي يتموقع المغرب خلف الجزائر وتونس ومصر، وهي دول استفادت بدرجات متفاوتة من موارد طبيعية أو من تراكمات تاريخية في البنية الاقتصادية والخدمات الاجتماعية، رغم ما تواجهه من أزمات مالية أو اختلالات اقتصادية، وهو ما يعكس، وفق قراءة التقرير، تفاوتا في نماذج توزيع الثروة ومستويات الاستثمار في الرأسمال البشري والبنيات التحتية. أما على المستوى القاري، فيبرز التقرير فجوة بنيوية واضحة بين شمال إفريقيا وبعض الدول الجزرية مثل موريشيوس وسيشل، التي استطاعت بناء نماذج اقتصادية أكثر تنوعا واستقرارا، قائمة على السياحة عالية القيمة، والخدمات المالية، ومستويات متقدمة من الحكامة والمؤسسات، وهو ما انعكس إيجابا على مؤشرات التنمية البشرية وتقليص التفاوتات الاجتماعية، مقارنة بدول مثل المغرب التي ما زالت تواجه تحديات مرتبطة بسوق الشغل، والتعليم، والحماية الاجتماعية. وعلى الصعيد الدولي، يضع التقرير المغرب ضمن مجموعة واسعة من الدول النامية التي لم تنجح بعد في الارتقاء إلى فئة "الازدهار المتوسط" التي تبدأ من 40 نقطة، في وقت تهيمن فيه الدول الأوروبية الشمالية والغربية على المراتب الأولى عالميا، حيث تصدرت لوكسمبورغ الترتيب العالمي بمعدل 86.20 نقطة، متبوعة بالنرويج ب 85.09 نقطة، وإيرلندا ب 84.72 نقطة، وسويسرا ب 81.17 نقطة. ويشير التقرير إلى أن هذه الدول لا تتميز فقط بارتفاع الدخل الفردي، بل أيضا بانخفاض معدلات الفقر، واعتدال الفوارق الاجتماعية، وارتفاع مؤشر التنمية البشرية. وفي هذا الإطار، يلفت التقرير إلى أن المغرب يستفيد من موقع جغرافي استراتيجي يربط بين إفريقيا وأوروبا، ومن استقرار سياسي نسبي مقارنة بعدد من دول المنطقة، غير أن هذه العوامل لم تترجم بعد إلى قفزة نوعية في مؤشرات الازدهار، بسبب استمرار تحديات من قبيل ضعف الإنتاجية، وارتفاع معدلات البطالة، خاصة في صفوف الشباب، وتفاوت الولوج إلى الخدمات الصحية والتعليمية بين الوسطين الحضري والقروي، وهي عناصر تنعكس مباشرة على ترتيب المملكة في المؤشر العالمي. ويتسم السياق العالمي باتساع الفجوة بين الدول ذات الازدهار المرتفع جدا، التي تتجاوز 60 نقطة، والدول ذات الازدهار الضعيف، التي تقل عن 40 نقطة، وهو ما يعكس، حسب التقرير، اختلالات هيكلية في توزيع الثروة العالمية، وتأثيرات العولمة غير المتكافئة، إضافة إلى تداعيات الأزمات الصحية والاقتصادية الأخيرة، وعلى رأسها جائحة كوفيد 19، وارتفاع معدلات التضخم العالمية، واضطراب سلاسل التوريد، وهي عوامل أثرت بشكل مباشر أو غير مباشر على الاقتصادات النامية. وفي المنطقة العربية، يُظهر التقرير أن دول الخليج العربي، وعلى رأسها قطر التي حققت 80.52 نقطة، والإمارات العربية المتحدة ب 65.95 نقطة، استطاعت تحقيق مستويات مرتفعة من الازدهار بفضل مزيج من العائدات الطاقية والاستثمار المكثف في البنية التحتية والخدمات الاجتماعية.