بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الخميس على وقع الأخضر    الادعاء الإسباني يدعو إلى إغلاق التحقيق في حق زوجة رئيس الوزراء    الحكومة تقر بفشل سياسية استيراد أضاحي العيد    تشجيعا لجهودهم.. تتويج منتجي أفضل المنتوجات المجالية بمعرض الفلاحة بمكناس    الوزير جازولي يدعو المستثمرين الألمان إلى اغتنام الفرص التي يتيحها المغرب    منصة "واتساب" تختبر خاصية لنقل الملفات دون الحاجة إلى اتصال بالإنترنت    الاتحاد الجزائري يعلن شرطه الوحيد لمواجهة نهضة بركان!    تراجع حركة المسافرين بمطار الحسيمة خلال شهر مارس الماضي    نظام الضمان الاجتماعي.. راتب الشيخوخة للمؤمن لهم اللي عندهومًهاد الشروط    المغرب: كنرفضو إقتحام المسجد الاقصى وقيام دولة فلسطينية هو اللي غادي يساهم فإحلال السلام    "اتصالات المغرب".. عدد الزبناء ديالها فات 77 مليون بزيادة وصلات ل2,7 فالمية    بعد خسارته ب 10 دون مقابل.. المنتخب الجزائري لكرة اليد يعلن انسحابه من البطولة العربية    واش هادشي غايأثر على شراكة اسبانيا والمغرب والبرتغال فمونديال 2030.. الحكومة فالصبليون دارت الوصاية على الاتحاد الإسباني بسبب الفساد وخايفين من خرق لقوانين الفيفا    البحرية الملكية تنقذ مرشحين للهجرة السرية    الزيادة العامة بالأجور تستثني الأطباء والأساتذة ومصدر حكومي يكشف الأسباب    مضامين "التربية الجنسية" في تدريب مؤطري المخيمات تثير الجدل بالمغرب    القمة الإسلامية للطفولة بالمغرب: سننقل معاناة أطفال فلسطين إلى العالم    المغرب يستنكر اقتحام باحات المسجد الأقصى    المعارضة: تهديد سانشيز بالاستقالة "مسرحية"    حاول الهجرة إلى إسبانيا.. أمواج البحر تلفظ جثة جديدة    اتساع التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جديدة    الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي : إصدار 2905 تراخيص إلى غاية 23 أبريل الجاري    الحكومة تراجع نسب احتساب رواتب الشيخوخة للمتقاعدين    ألباريس يبرز تميز علاقات اسبانيا مع المغرب    تشافي لن يرحل عن برشلونة قبل نهاية 2025    3 مقترحات أمام المغرب بخصوص موعد كأس إفريقيا 2025    عودة أمطار الخير إلى سماء المملكة ابتداء من يوم غد    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    "فدرالية اليسار" تنتقد "الإرهاب الفكري" المصاحب لنقاش تعديل مدونة الأسرة    وكالة : "القط الأنمر" من الأصناف المهددة بالانقراض    استئنافية أكادير تصدر حكمها في قضية وفاة الشاب أمين شاريز    منصة "تيك توك" تعلق ميزة المكافآت في تطبيقها الجديد    وفينكم يا الاسلاميين اللي طلعتو شعارات سياسية فالشارع وحرضتو المغاربة باش تحرجو الملكية بسباب التطبيع.. هاهي حماس بدات تعترف بالهزيمة وتنازلت على مبادئها: مستعدين نحطو السلاح بشرط تقبل اسرائيل بحل الدولتين    أبيدجان.. أخرباش تشيد بوجاهة واشتمالية قرار الأمم المتحدة بشأن الذكاء الاصطناعي    العلاقة ستظل "استراتيجية ومستقرة" مع المغرب بغض النظر عما تقرره محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الصيد البحري    تتويج المغربي إلياس حجري بلقب القارىء العالمي لتلاوة القرآن الكريم    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    سيمو السدراتي يعلن الاعتزال    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألان تورين منتقدا السوسيولوجيا الكلاسيكية
نشر في الشرق المغربية يوم 09 - 04 - 2012

محمد المستاري**/ يعد ألان تورين من أهم رواد علم الاجتماع المعاصر، وهو فرنسي الأصل، من مواليد سنة 1925، عمل باحثا في المجلس الوطني للبحوث الفرنسية حتى سنة 1958، أسس مركز دراسات علم الاجتماع العمل في جامعة تشيلي في سنة 1960، وأصبح باحثا في إيكول «إيتوديس» في العلوم بباريس، اشتهر بتطويره مفهوم «مجتمع ما بعد الصناعي»، اهتم بدراسة «الحركات الاجتماعية»، وكتب الكثير في هذا المجال.
ويحظى تورين شهرة واسعة في أمريكا اللاتينية وفي أوربا، حيث حصل في سنة 1998، على جائزة «أمالفي Amalfi»، الأوربية لعلم الاجتماع والعلوم الاجتماعية، وفي عام 2004 تلقى تورين درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة «فالبرايسو» في تشيلي، وفي سنة 2006 تلقى درجة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الوطنية في «سانت مارتن»، وفي ديسمبر 2006 من جامعة كولومبيا الوطنية، وفي سنة 2008 تلقى أيضا درجة دكتوراه فخرية من جامعة «مايوردي سان ماركوس» في ليما.
وتأثر ألان تورين منذ شبابه بأشكال عديدة من الرفض السياسي، وبناء عليه، جعل منه سوسيولوجيا مناضلا بكتاباته التي تتميز بجدة منظورها إذا لم نقل منظورها الثوري.
ولألان تورين عدة مؤلفات ساهمت في إغناء البحث العلمي السوسيولوجي، ومن بينها: «نقد الحداثة سنة 1998 Critique de la modernité»، «براديغما جديدة: من أجل فهم عالم اليوم 2005»، «الحركات الاجتماعية»، «ما هي الديمقراطية؟»، وعدة مؤلفات أخرى...
ثانيا: لماذا تخصص ألان تورين في علم الاجتماع؟
لم يكن تسجيل ألان تورين لاسمه في الحقل السوسيولوجي اعتباطيا وتعسفيا أو صدفة من غير مبرر موضوعي، وإنما كان ذلك تأثراً منذ شبابه بأشكال عديدة من الرفض السياسي: رفض للحروب الاستعمارية «العبثية الأليمة»، ورفض لاشتراكية جي موليه «الخائنة»، ورفض لذلك الخيار الذي فرضه مالرو على المثقفين الفرنسيين بين الديجولة والحزب الشيوعي.
فبناءً على هذه الظروف المقلقة، جعلت تورين مدفوعًا للانتماء بروح النضال، والرغبة في المشاركة، والحلم بتغيير العالم.
ويؤكد تورين أن انتماءه للسوسيولوجيا ليس دافعًا شخصيًا، بل هو شرط موضوعي لقيام السوسيولوجيا كعلم. حيث يقول في هذا الخصوص: «إن يكن المرء عالم اجتماع اليوم، هو أن يتأمل شروط وجود مجتمع جديد، والطريقة التي يمكن بها للأزمة والقطيعة من جانب، والصراعات من جانب آخر، أن تتَّحد جميعًا لوضع تنظيم اجتماعي وثقافي جديد، من العبث الحلم بمجتمع مثالي مع نسيان التمزقات والانقلابات التي توشك على الحدوث».
ثالثا: موقف تورين من السوسيولوجيا التقليدية ومبادئها:
بدءًا بمسار ألان تورين السوسيولوجي، أراد الباحث الفرنسي أن يتحرر من قيود المدرسة الوضعية في السوسيولوجيا وريثة أوغست كونتAugust Comte ، وإميل دوركهايم، والتي كانت تدرس الظواهر الاجتماعية Phénomène Sociales متمثلة في القاعدة الأولى في منهج دوركهايم Durkheim باعتبارها «أشياء Des Choses» خارجية لها وجودها المستقل عن الأفراد، بل لها قوة إلزامية وإكراهية وقهرية عليهم (الأفراد)، الشيء الذي يوضح حسب تورين أن الوجود الموضوعي والمستقل للظاهرة الاجتماعية، يعني أن المجتمع والدولة هما الآلهة الجديدة عند دوركهايم Emile Durkheim.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لم يكتفي تورين بتحرره من المدرسة الوضعية فحسب، بل عمل على تقديم وعرض عدة انتقادات اعتبرها موضوعية تدعم تحرره من المدرسة التقليدية، لكونها اهتمت باختلاف مدارسها بدراسة النظام Système، أي دراسة المؤسسات: كالأسرة، والمدرسة، والمجتمع، والدولة، وهي بذلك حسب تورين تكرس سيطرة النظام الاجتماعي على الفاعلين Les actions، وتغفل دراسة الجانب الآخر في المجتمع وهو -الحركات الاجتماعية Mouvements Sociales– التي يعبِّر بها الفاعلون عن ذواتهم في مواجهة وتصدي سيطرة وقهر هذه المؤسسات.
ولذلك يؤكد ألان تورين أن انتماءه للسوسيولوجيا هو انتماء من أجل التغيير ورفض سيطرة النظام الاجتماعي على الفاعلين Les actions.
أما عن مبادئ السوسيولوجيا التقليدية، فيرى تورين أنها مجرد صورة لنمط خاص: تطابق النسق الاجتماعي مع الدولة القومية، الشيء الذي يعطي مكانا مركزيا لفكرة المؤسسةEtablissement ، وتحليل منظومات إحصائية محددة محل مستوى المشاركة الاجتماعية رُغمَا من أن هذه الأخيرة مبدأ أساسي في السوسيولوجيا إذا ما اعتبرناها فعَّالة ونِضَالِيَّةَ.
رابعا: سوسيولوجيا ألان تورين: «سوسيولوجيا الفعل»
إن من الأمور البديهية في حقل المعرفة السوسيولوجية، «أن كل سوسيولوجي يبتكر سوسيولوجياه»، وأن «السوسيولوجيا بنت عصرها».
ولذلك يمكن القول أنه إذا كانت سوسيولوجيا أوغست كونت ومعه إميل دوركهايم، بل والمدرسة الوضعية عموما تعمل على دراسة النظام، أي المؤسسات، فإن ألان تورين يعدها تكرس النظام الاجتماعي على الفاعلين.
وإذا كانت سوسيولوجيا كارل ماركس Karl Marx قائمة على فكرة أن 'الحياة الاجتماعية مؤسسة على علاقة تقوم على السيطرة'، في مواجهة سوسيولوجيا فيبر Max Weber 'القائمة على فكرة أن الفاعل توجهه دائما قيم معينة'. فإن ألان تورين يعتبر أن سوسيولوجياه، هي «سوسيولوجيا الفعل»، وهي ما يقصده الاثنان: (فاعلين متعارضين عبر علاقات سيطرة، وصراعات، لديهم نفس التوجهات الثقافية والأنشطة التي تنتجها)، وبالتالي، فإن مفاهيم ومناهج علم الاجتماع الكلاسيكي، ذي الطبيعة الميكانيكية والقاصرة على المجتمع الصناعي، تتزعزع، بل وتنهار في علم الاجتماع الجديد، وهو «سوسيولوجيا الفعل»، سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية تحديدا.
أ- موضوع علم الاجتماع في منظور ألان تورين:
يرى ألان تورين أن الموضوع الرئيسي لعلم الاجتماع هو دراسة التصرفات الاجتماعية التي ترتبط بالتاريخية، أي بعلاقات وصراعات الطبقات، وهي ما ندعوه «بالحركات الاجتماعيةMouvements Sociales»، فالسوسيولوجيا في نظر تورين لا تفترض الصدفة والتعسفية، ولكن يجب أن تكون نضالية، بل وثورية لتحرير الفاعل الاجتماعي من تكريس النظام الاجتماعي وقيوده.
ب- مهمة علم الاجتماع بالنسبة إلى ألان تورين:
يرى ألان تورين أن مهمة علم الاجتماع هي: «أن يُقّْرَ لنفسه بهدف ووظيفة»، وليس كما جعلها فيبرWeber (أي مهمة علم الاجتماع)، هي: «فقط كيفية فهم النظام الاجتماعي»، فتورين يحدِّد أهمية علم الاجتماع انطلاقا من النضال الدائم والمستمر ضداً على الوضعية الزائفة للنظام القائم وخطاباته التبريرية.
وعلاوة على ذلك، يرى ألان تورين أن مهمة علم الاجتماع في وضعه الجديد يجب أن يكون ذا الدور الإيجابيRôle Positive الذي يمثل دينامكية علم الاجتماع والتي تنعكس بالضرورة لا محال على الباحث الاجتماعي وتؤثر في أدواته المنهجية وغاياته. يقول تورين:
«علم الاجتماع الجديد يساهم في أن يتصرف أعضاء المجتمع كفاعلين بقدر الإمكان. وأن يتخلص المجتمع نفسه من نظامه وأيديولوجياته وبلاغته عن طريق إبداع نظمًا للفعل بواسطتها تصيغ المنظومة الاجتماعية باستمرار نفسها... فهدف علم الاجتماع هو تنشيط المجتمع».
ج- عَالِمُ الاجتماع بالنسبة إلى ألان تورين:
يقول تورين Alain Touraine: «الإنسان السوسيولوجي لا تقوده مصلحته، ولكن ما ينتظر منه».
انطلاقا من هذه المقولة لألان تورين يتضح أنه يؤكد على أن مهمة عالم الاجتماع هي النضال من أجل التغيير، ومساعدة الفاعلين على التحرر من ضغوطات النظام الاجتماعي الإلزامي والإكراهي على نشاطهم، ويؤكد أيضا على مساعدة المجتمعات على الفعل Action، على صنع تاريخها، في غِنًى عن المصالح والإغراءات الشخصية.
هذا ونلمح من ألان تورين نزوع إنساني بفضل انتقاده للمثقفين والسوسيولوجيين الذين ساهموا في فرض سيطرة الفكر على الفاعلين دون مساعدتهم على مقاومة النظم كما هو الشأن ل مشيل فوكو، وبيير بورديو، في فردهم لمثل هذه السيطرة.
يقول تورين: «أنا مثل الآخرين معجب بمثقفي هذا البلد عندما يبتكرون ممارسات بحثية جديدة، وعندما يمسكون بجوانب خبيثة في حياة المجتمع كما بفعل شتراوس وفوكو... ولكن إذا لم يكن لنا دور آخر من الأفضل للمرء أن يهاجر عن أن يكون مقلدًا أو مفسرًا... لماذا نكون نحن علماء اجتماع إذا لم يكن من أجل مساعدة المجتمعات على الفعل، على صنع تاريخها، بدلاً من أن ننساق إلى الاغتراب والخضوع واللاوعي».
د- المجتمع بالنسبة إلى ألان تورين:
إن المجتمع وفقا للطرح التوريني، هو ما ينبغي أن يكون لديه تنظيم واستمرارية، فعلى مستوى نظام المجتمع، هو مجموعة وظائف لا تتم إلا من خلال الضبط Contrôle (ضبط العلاقات، من خلال الوظائف). أمَّا على مستوى الاستمرارية فيمكن قراءة المجتمع في حركاته ودينامياته لا أندرسه في سكناته.
فشرط التنظيم مضافًا إليه شرط الاستمرارية هو ما يمنح المجتمع معناه المحتمل، فالمجتمع ينتج تاريخا ويؤثر في بنياته عن طريق إرادتي: «الفعل» و«التغير»،...
خامسا: إسهامات ألان تورين الفكرية في مجال علم الاجتماع:
لن نبالغ إذا قلنا إن ألان تورين ليس مجرد عابر في السوسيولوجيا كما مَرَّ ويَمُر العديد من الباحثين، وذلك بالنظر إلى حضوره القوي والمعلن، فتورين انطلاقا من همومه السياسية استطاع أن يبلور جهوده الفكرية إذا لم نقل الثورية في مجال علم الاجتماع. وقد وصلت هذه الجهود إلى حد الرِّيادة في مجالين وموضوعين هامين من مجالات علم الاجتماع:
أ- سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية:
تهدف الحركة الاجتماعية الحديثة عند ألان تورين، إلى تحرير الذات التي تمثل إليه مفهوم «الفاعل الاجتماعي»، أي المفهوم الذي يجعل للعلاقة الاجتماعية بعدًا أصيلاً في الفرد. كما يؤكد تورين على أن الحركة الاجتماعية تكون عن إرادة ووعي الأفراد بذواتهم في غنى عن تشكل نِقابة سياسية من أجل الدفاع عن مطالبهم.
يقول تورين: «الحركة الاجتماعية الجديدة: «لا تتشكل بالعمل السياسي والصدام، ولكن بتأثيرها في الرأي العام».
ب- سوسيولوجيا المجتمعات التابعة:
بفضل إقامة ألان تورين الطويلة في أمريكا اللاتينية وشيلي خصوصًا، اكتشف أن علم الاجتماع الغربي ليس فعالاً في دراسة مجتمعات العالم الثالث، وانطلاقا من ذلك قام بتطوير «سوسيولوجيا التنمية» التي يقصد بها سوسيولوجيا الانتقال من مجتمع لآخر.
ويعرف تورين «المجتمعات التابعة»، أنها المجتمعات التي تقود التنمية والتصنيع فيها برجوازية أجنبية.
وبالإضافة إلى تورين، يعتبر أن السوسيولوجيا في العالم الثالث هي أعقد بكثير، وذلك من حيث إن البرجوازية في تلك البلدان، هي التي تعمل غير أنها أجنبية. وبالتالي إن وظائف وأدوار المكونات الاجتماعية مثل الدولة Etat، الطبقةClass ، المؤسسات Etablissements، وباقي الفاعلين، تختلف اختلافًا جذريًا عن مثيلاتها في علم الاجتماع الكلاسيكي. ومن هنا، كان الجهد الذي بدله تورين في بلورة سوسيولوجيا المجتمعات التابعة.
سادسا: الحركة الاجتماعية عند ألان تورين:
يعد موضوع «الحركة الاجتماعية» من أهم المباحث الأساسية التي اشتغل عليها ألان تورين، وتعني بالنسبة إليه تحديداً، أن ما يقوم به الفاعلون les Actions ليس مجرد ردود أفعال تجاه تكريس المؤسسات الاجتماعية Etablissements Sociales عليهم، ولكنهم ينتجونها ويحددونها بتوجهاتهم الثقافية وبالصراعات الاجتماعية المنخرطين فيها.
إن احتفاء ألان تورين بالحركة الاجتماعية ودورها في الثقافة المعاصرة، جعله ينتقد كل من «ماركيوز»، و«فوكو»، و«لوي ألتوسير»، و«بورديو»، ويأتي ذلك حينما رأى هؤلاء أن الحركة الاجتماعية مجرد تمرد يتم على هامش المجتمع دون تأثير كبير. بدعوى أن المجتمع المعاصر أصبح يميل أكثر فأكثر إلى التسلط والمراقبة المحكمة، وذلك حيث إن الحياة الاجتماعية لم تعد إلا تجليات لسيطرة مطلقة.
يعتبر ألان تورين أن انتقادات «ماركيوز»، و«فوكو»، و«ألتوسير»، و«بورديو»، للحركة الاجتماعية قد ينسحب عليها في شكلها ودورها النقابي القديم المرتبط بالعمل السياسي من فئة نقابية تطالب بحقوقهم. لكن، ألان تورين يعتبر أن الحركة الاجتماعية الجديدة من وجهته: «لا تتشكل بالعمل السياسي والصدام، ولكن بتأثيرها في الرأي العام».
فهنا حسب تورين، نتحدث عن حركة اجتماعية جديدة لها تأثيرها البالغ، وقائمة في تأسيسها على وعي وقناعة بخلاف الحركة «الباردة»، أو المتشكلة بالعمل السياسي والمرتبطة بالمجتمع الصناعي أساساً.
تتميز الحركة الاجتماعية الجديدة عند ألان تورين بقدر معين من التنظيم والاستمرارية اللذان من خلالهما تسعى إلى الفعالية في إعادة إنتاج تاريخ الأنساق الاجتماعية، كما تتميز بكونها لا توجد في المجتمع الصناعي ولا في المجتمع قبل الصناعي.
ويشدد ألان تورين على أن الحركة الاجتماعية هي التي من خلالها يمكن أن ندافع عن هويتنا، واستقلالنا الذاتي، وحريتنا من الخضوع والخنوع للسيطرة. لدى نجد تورين يلح بالدفاع عن الحقوق كأفراد بمبدأ المقاومة وشرعية السلوك الذي يتمثل في الحركة الاجتماعية المستمرة والتي من المستحيل السيطرة عليها.
ومن أجل ذلك يقترح ألان تورين تأسيس الحركة الاجتماعية على ثلاثة مبادئ يعتبرها أساسية، وهي كالتالي:
- مبدأ الهوية: ويقصد ألان تورين بمبدأ الهوية ضرورة تحديد الهوية الذاتية التي يمكن أن تكون متعددة ومركبة (مجموعة، طبقة، شريحة اجتماعية...) وبمقابلها أيضًا يجب تحديد هوية الخصم أي يجب أن تكون هناك فكرة وقضية.
- مبدأ التعارض: يفترض مبدأ التعارض في الحركة الاجتماعية، عند تورين، تحديد الخصم، أي يجب أن يكون الخصم الذي قائمة عليه الحركة، واضحًا وموضوعيًا. وبصيغة أخرى، أن يكون لسؤال: لماذا الحركة الاجتماعية؟ جوابًا معينا وواضحًا مثلا: «الحركة العمالية ضد تنظيم العمل، من أجل الاستقلال العمالي».
- مبدأ الكلية: ويقصد ألان تورين بهذا المبدأ أن تكون الحركة الاجتماعية مكونة من وعي جمعي وبصيغة جمعية وشمولية لا أقلية وفردية، وذلك من أجل النجاح في التأثير على الرأي العام والحصول على الحقوق والمطالب، وذلك لأنه، حسب تورين، إذا كانت هناك حركة كلية شمولية فمن المستحيل السيطرة عليها.
واستنتاجا من مبدأ الكلية عند ألان تورين، الحركة الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق إلا في ظل الوعي بالسيطرة على حقوقهم. وأن الحقوق لا يمكن أن ترجع إليهم. لأن الحقوق لا يتمتع بها المغفَّلين.
هذا وعلاوة على أن ألان تورين اشتغل على الفعل الاحتجاجي، والعمل النقابي، والحركات الطلابية، والحركات الجديدة لأنصار البيئة ومناهضي العولمة المجازفة، والرأسمالية المتوحشة، كما نجده شارك في الاحتجاجات ضد الحروب الاستعمارية التي خاضتها بلاده فرنسا منذ شبابه قبل شعوره بالأخوة مع المثقفين والعمال الذين كانوا يرفضون الديكتاتورية الشيوعية في بودابست...
ويلخص ألان تورين هدفه من الحركة الاجتماعية الجديدة في تحديد إرادة الحصول على حقوق جديدة، وفرض الاعتراف بالحقوق الواجبة المحتكرة عليهم، كما يلح ألان تورين بتأكيده على الانضمام إلى الحركة الاجتماعية الجديدة التي تمثل كما سبق الذكر الدفاع عن الهوية والمصالح الخاصة والنضال ضدا على الخصم.
سابعا: دور علم الاجتماع المعاصر في منظور ألان تورين:
يرصد ألان تورين أنه في كل مرحلة من تطور المجتمع هناك علم يمثل موقعًا مركزيًا ويكون بالغ التأثير. إذ يقول: «كالاقتصاد في المجتمع الصناعي، والفلسفة السياسية في المجتمعات التجارية قبل الثورة الصناعية، أما اليوم فهذا الموقع يمثله علم الاجتماع المعاصر. وذلك من حيث كونه أصبح بؤرة الحياة الثقافية المعاصرة. كما أصبح دوره إيجابيًا في إنتاج المجتمع».
وبالإضافة إلى تورين، يتمثل دور علم الاجتماع المعاصر في تنشيط المجتمع ومساعدة المجتمعات على الفعل، على صنع تاريخها، ومساعدة الفاعلين على التحرر من سجن وقيود المؤسسات الاجتماعية التي تكرس النظام على نشاطهم وتجعل من حركاتهم الاجتماعية ضد خصومها على هامش المجتمع من غير تأثير ولا فعالية.
ويضيف أيضا، تورين، أن دور علم الاجتماع المعاصر يرتبط ارتباطا قويًا بروح النضال وتغيير العالم. أي الخروج من عالم الصراعات، والحروب، والرأسمالية، والأوهام الراسخة، إلى عالم يعترف بالفاعلين الاجتماعيين وإرادتهم في إنتاج وإعادة الإنتاج.
ثامنا: خلاصة عامة عن ألان تورين:
استخلاصا من إنجازات ألان تورين وإسهاماته الفكرية المتنوعة، نلحظ بأنه ليس باحثا عابرًا في الميدان السوسيولوجي، بل له حضور قوي ومتميز، جعله يعد من كبار وعمالقة هذا العلم، فيما يخص تحليله العميق وجدَّة منظوره إذا لم نقل منظوره الثوري.
هذا وإلى جانب صياغته لبراديغم Paradigme قوي حاول من خلاله إبعاد كثير من السوسيولوجيين الذين يستهدفون الحصول على مصالحهم الذاتية نتيجة للإغراءات الأيديولوجية.يقول: «الإنسان السوسيولوجي لا تقوده مصلحته ولكن ما يتوقع منه».
ألان تورين طالما أمد الحقل السوسيولوجي بالعديد من الإسهامات والمفاهيم العديدة من قبيل «الفاعل الاجتماعي»، و«الحركة الاجتماعية»، و«المجتمع المبرمج» أو«ما بعد الصناعي».
وبالإضافة إلى ألان تورين، فهو من عمالقة علم الاجتماع الذين ساهموْا في إغناء السوسيولوجيا بجهاز مفاهيمي ثري. كما أنه من علماء الاجتماع الذين لهم نزوع إنساني وخوف على العالم من الحروب والصراعات، والعولمة والحداثة المجازفة، لذا نراه دائم النضال بأفكاره ومنجزاته القوية والثورية...
* لائحة المراجع والمصادر:
- Alain Touraine, le reteur de l'acteur, Paris, Fayard, 1984.
- ألان تورين، نقد الحداثة la Critique de la Modernité، ترجمة أنور مغيث، المجلس الأعلى للثقافة 1998.
- ألان تورين، براديغما جديدة لفهم عالم اليوم، ترجمة: جورج سليمان، مركز دراسات الوحدة العربية، المنظمة العربية للترجمة.
- عبد الرحيم العطري، الحركات الاحتجاجية بالمغرب، دفاتر وجهة نظر،الرباط،2008 .
**باحث في علم الاجتماع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.