: يعد مسجد محمد الخامس المسجد الرئيسي بمدينة طنجة، نظرا لموقعه وفخامة طرازه، واشتهاره بصومعته التي يبلغ طولها 70 مترا، التي تعمد أمير كويتي موَل المسجد أن يكون طول الصومعة على هذا النحو، حتى تضاهي طول صليب الكنيسة المعروفة بحي حسنونة بطنجة، وبني على مساحة 4500 متر مربع، وسمي المسجد في البداية مسجد الكويتيين، قبل أن يتم تغيير اسمه إلى مسجد محمد الخامس، وتم تدشين المسجد رسميا سنة 1983. هذا المسجد يشهد خلال الشهر الفضيل لهذه السنة إقبالا متزايدا وارتفاعا في أعداد المصلين أثناء صلاة التراويح، ويرجع الفضل في ذلك إلى جودة التلاوة ونداوة الأصوات لدى المقرئين المعتمدين في صلاة التراويح لهذه السنة، لاسيما المقرئ الأستاذ ياسين العشاب الذي يتميز بأسلوبه الخاص في التلاوة، واعتماده على التجويد بالمقامات الأندلسية بإتقان وإحكام. وأثار هذا النوع من التلاوة كثيرا من الإعجاب والتقدير لدى المصلين، كما أثار من جهة أخرى نقاشا حول قضية التلاوة بالطريقة المشرقية والطريقة المغربية، والتساؤل عن السبب في اكتساح التلاوة بالطريقة الحجازية والمشرقية للمساجد الأخرى، ما دام أن التلاوة بالطريقة المغربية الأصلية تتسم بهذه العذوبة وهذا الجمال، وتساعد كثيرا على الخشوع واستحضار معاني الجلال. وأصل المسألة أن ترتيل القرآن في المغرب مر بفترة انحطاط اتسمت بإهمال قواعد التجويد ومخارج الحروف مقابل الحفاظ النسبي على النغمة المغربية دون التمكن منها، والتشفيع بصيغة تشبه صيغة تلاوة الحزب العادية. ومع انتشار الصحوة الإسلامية والانفتاح الإعلامي على التلاوات المشرقية تبين البون الحاصل من ناحية الحفاظ على المخارج والقواعد، فعَمَدَ كثير من الحفاظ وعلماء التجويد غيرةً منهم على قواعد التجويد وفصاحة النطق وجودة الترتيل إلى تقليد المشارقة واعتماد التلاوة المصرية والشامية والخليجية بدل المغربية. وساهم المد الوهابي وتعلق القلوب بالبيت الحرام والمقام النبوي في تغليب التأثر بالترتيل على الطريقة السعودية والخليجية، وأصبحت مع الوقت قاعدة لازمة يعتمدها أساتذة علم التجويد في تلقين الصغار، وأصبحت التلاوة بالطريقة المغربية غريبة في دارها وبين أهلها. والواقع أن المقامات المغربية الأندلسية متينة البناء ثرية متنوعة وراقية، وأن التلاوة بها لمن درسها وتعمق فيها وعرف تاريخها وأصولها أغنى وأجمل بكثير جدا من التلاوة بالطريقة السعودية أو الخليجية، كما أنها تحتوي في طيها على عشرات الطبوع التي لا تجد لها نظيرا في أي مدرسة أخرى، وأن كل طبع منها يثير في القلوب عمق الشعور بالمعاني الرفيعة السامية، وأن كثيرا من المشارقة عندما استمعوا إليها تؤدى بإتقان أبدوا لها إعجابا كبيرا ودهشة. المشكلة إنما تتجلى في الفترة التي كانت تؤدى فيها مع إهمال القواعد والمخارج، فظن الظانون أنها لا تساعد على إتقان القرآن، وحقيقة الأمر أنها كانت في حاجة إلى فترة انبعاث وتجديد واستخراج أصولها من جديد وإعادة بث الروح فيها ونفض الغبار عنها وإخراجها للناس في حلة جديدة أنيقة. وفي فترة قريبة برز قراء أفاضل بدأوا يكسرون بتلاوتهم المجيدة تلك النظرة الخاطئة، ومنهم المقرئ الأستاذ ياسين العشاب، الذي يتميز إلى جانب حفظه للقرآن بثقافته ومستواه الدراسي العالي، إلى جانب ممارسته للكتابة ونظم الشعر، والبحث العلمي في أصول الطبوع والمقامات الأندلسية، ومع أسلوبه الجديد المحافظ في نفس الآن على أصول التلاوة المغربية الأندلسية أدرك كثير من الناس قيمة هذا النوع من التلاوة وأعجبوا به أيما إعجاب، وتبين مدى قدرتها على الحفاظ على القواعد مع تصوير معاني الآيات وإظهار ما تنطوي عليه من نور وجلال، وأدركوا أن التقليد واعتماد الخيار المشرقي في تلاوة القرآن لم يكن بالرأي السديد.