بعد انقضاء أكثر من نصف الولاية الانتدابية الجارية، تتأكد المؤشرات التي راجت في كواليس الشأن المحلي بطنجة: تجربة التسيير التي أفرزها اعتماد القاسم الانتخابي الجديد خلال استحقاقات 2021، أماطت اللثام عن خلل بنيوي في التمثيلية السياسية داخل المجالس المنتخبة، خلل لم يقتصر على الأشخاص، بل مسّ جوهر الممارسة الديمقراطية المحلية. فالهيئات التمثيلية، سواء تعلق الأمر بالمجلس الجماعي لطنجة أو بالفرق المكونة لمجالس المقاطعات الأربع، تبدو وكأنها تشتغل بمنطق "التدبير تحت الحد الأدنى"، حيث تقلّ المبادرة، ويغيب التأطير، وتتراجع أدوار المنتخب لفائدة نمط من التسيير الإداري المحض. فالحضور لا يُترجم إلى مشاركة فعلية، والنقاش، حين يحدث، يراوح بين الطابع الارتجالي والانطباعي، وأحيانا لا يرقى حتى إلى الحد الأدنى من الترافع حول قضايا الشأن المحلي. في المجلس الجماعي، ما اكثر الكواسي وما أقل السياسة. فالأغلبية المسيرة تُتهم بعدم الانسجام وغياب التوجه الجماعي، بينما الفرق المعارضة تتفاوت بين من يلوّح بشعارات المحاسبة، ومن يمارس معارضة ظرفية، رهينة بتموقعه السياسي الظرفي، لا بقناعات مبدئية. وضمن هذا السياق، يبرز فريق العدالة والتنمية كأقوى الفرق المعارضة من حيث الحضور العددي ووتيرة التدخلات. غير أن هذا المعطى لا يخفي إشكالية أعمق تتعلق ب"الانسجام الخطابي والسياسي"، لا سيما حين يتعلق الأمر بشعار "الوضوح السياسي" الذي لا يتوقف الحزب عن التغني به. هذا الشعار تلقى صفعة قوية خلال جلسة انتخاب النائب العاشر لرئيس المجلس الجماعي سنة 2023، عندما قرر الحزب، في تناقض صارخ مع موقفه المعلن سلفا بعدم الانخراط في العملية "ترشيحا وتصويتا"، الاصطفاف في صف المعارضة والتصويت ضد المرشح، في خطوة أربكت حتى المتابعين الأكثر تمرسا بمناورات المجالس. ويعد رئيس الفريق، أحمد بروحو، من الوجوه الأكثر حضورا في الجلسات العمومية، إن لم يكن الأكثر استحواذا على زمن النقاش. فتدخلاته، التي لا تقل عن أربعين دقيقة في كل دورة، تحوّلت إلى عنصر مركزي في الجلسات، لكنها أيضا أصبحت محط انتقادات واسعة بسبب ميلها إلى الإطناب وتوسيع الهامش الخطابي على حساب المضمون التدبيري العملي. أما على مستوى المقاطعات، فإن مقاطعة بني مكادة، وهي الأكبر من حيث الكثافة السكانية وعدد الدوائر الانتخابية، لم تنجح إلى حدود اليوم في استثمار هذا المعطى الديموغرافي في توجيه سياساتها العمومية التشاركية. المجلس يشتغل بمنطق موسمي، والمبادرات التنموية ظلت حبيسة مقاربات مشتتة يغلب عليها الطابع المناسباتي. ملفات حيوية، من قبيل التأهيل الحضري، لا تزال تدار بمنطق رد الفعل، لا وفق رؤية استشرافية واضحة. بدورها، مقاطعة مغوغة، تعاني من اختلال في التوازنات داخل هيئتها التداولية. فالتنسيق داخل الأغلبية المسيرة لا يخلو من التوترات، والتحالفات المبنية على تفاهمات ظرفية غالباً ما تنعكس سلباً على نجاعة الأداء الجماعي. مشاريع مهيكلة معلّقة، وبرمجة مالية تفتقر إلى النجاعة، وتواصل مؤسساتي باهت. أما مقاطعة السواني، التي كانت في وقت سابق تُقدّم كنموذج لممارسة رصينة للاختصاصات الذاتية للجماعة، انزلقت بدورها نحو تدبير قائم على الروتين الإداري والتبرير المستمر للعجز. فالحديث عن مشاريع مبرمجة لا يقابله أثر ملموس في الميدان، والساكنة لم تعد تميز بين الدورة العادية والدورة الاستثنائية، طالما أن نتائجها تبقى استثنائية فقط على الورق. أما مقاطعة المدينة، فالمشهد فيها أكثر رمزية من غيرها: مقاطعة بقيمة تاريخية، تُدار بنفس بيروقراطي لا يوازي طموحات محيطها. المجلس المحلي هناك يبدو أقرب إلى لجنة تدبير مؤقتة، والتمثيلية فيه تُختزل في صور مناسباتية دون أثر حقيقي على مستوى التفاعل مع تطلعات المواطنين. وراء هذا المشهد الرمادي، تلوح خلفية بنيوية تتعلق بالقاسم الانتخابي الذي بُني على قاعدة عدد المسجلين، بدل الأصوات المعبر عنها، وهو ما ساهم في إنتاج مجالس هجينة، دخلها عدد من المنتخبين بدون رصيد سياسي، ولا تجربة، ولا حتى تمثيلية فعلية. وهو الأمر الذي انعكس على مستوى التنسيق داخل الفرق، وعلى التوازنات داخل مكونات الهيئات التداولية، سواء في الجماعة أو المقاطعات. تموقعات هجينة، أدوار باهتة، وتحالفات هجينة، أفرزت منتخبين يمارسون سياسة "القدمين": واحدة في الأغلبية للاستفادة من التسيير المفوض، وأخرى في المعارضة لضمان هامش مناورة في قضايا جانبية. هذا التذبذب في التموقع السياسي أفقد المجالس القدرة على الترافع الحقيقي، وأفرغ مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة من محتواه. وفي مدينة بحجم طنجة، حيث الرهانات التنموية تفرض نسقا مؤسساتيا قويا، وجد المواطن نفسه وجها لوجه مع مجالس غير قادرة على مباشرة الاختصاصات المخولة لها، ولا على تأطير محيطها المحلي. وبين الأغلبية المشتتة، والمعارضة المرتبكة، والفرق التي تنتظر فقط انتهاء الولاية، يحق للمواطن أن يسائل الجميع: هل نحن أمام تجربة تمثيلية، أم مجرد تمرين جماعي على الانتظار؟ ثلاث سنوات من "الممارسة الجماعية" كانت كافية لتُفقد الساكنة آخر ما تبقى من رصيد الثقة، وتدفعها للتساؤل: هل نحن في حاجة إلى تعديل النصوص التنظيمية، أم إلى إعادة تعريف مفهوم "المنتخب المحلي" من أساسه؟