لا تزال تداعيات حادثة قارب التهريب التي أودت بحياة عنصرين من الحرس المدني الإسباني تُلقي بظلالها على ضفتي المتوسط، بعد إعلان مدريد عن توقيف آخر المشتبه فيهم، المغربي عبد النور الهيشو، الذي ظل متواريا عن الأنظار لأزيد من سنة. وبحسب ما ذكرت صحيفة "إل بايس" الاسبانية، فقد سلم الهيشو، البالغ من العمر 39 عاما، نفسه طوعا بعد أكثر من 15 شهراً من التخفي داخل المغرب. ووفق مصادر قضائية إسبانية، فإن قرار عودته إلى إسبانيا لم يكن معزولا عن ضغوط متزايدة من جهات متعددة، أبرزها شبكات التهريب نفسها، التي باتت ترى فيه "حلقة ضعيفة" قد تجرّ خلفها تحقيقات لا تُحمد عقباها. ورغم نفيه خلال جلسة الاستماع أمام المحكمة الوطنية الإسبانية نيّته التسبب في وفاة الضابطين ميغيل أنخيل غونثاليث ودافيد بيريث، إلا أن النيابة العامة تصر على أن الواقعة المعروفة بحادث "الناركولانشا"، تشكل جريمة قتل عمد موثقة بالفيديو، جرى خلالها توجيه قارب التهريب السريع عمداً نحو زورق الحرس المدني، في سلوك يوصف بأنه استعراض للقوة من طرف شبكات التهريب في المنطقة. وبينما لم تفصح السلطات بعد عن تفاصيل دقيقة حول الأصول الجغرافية للموقوف داخل المغرب، إلا أن الأوساط الإعلامية والحقوقية تتوقف عند حقيقة أن بعض الألقاب العائلية المتداولة في هذا الملف سبق أن ارتبطت بمناطق ساحلية بعينها شمال المملكة، لطالما كانت مسرحا لتحركات بحرية غير قانونية عبر سنوات، في ظل تضاريس جغرافية معقدة ومسالك يصعب ضبطها بالكامل. ويعيد توقيف الهيشو إلى الواجهة قضية "المعابر الصامتة" شمال المغرب، التي تطورت عبر العقود من مجرد مسالك للتهريب التقليدي إلى فضاء لتكتيكات متطورة تنخرط فيها قوارب سريعة، تجهيزات اتصالات عالية، وأحيانا علاقات تمتد عبر أكثر من جنسية. وهي ظاهرة تفرض تحديا حقيقيا على المنظومات الأمنية، كما على السياسات الاجتماعية والتنموية في تلك المناطق التي تُوصف بالهشة رغم قربها من أكبر مشاريع البنية التحتية بالمملكة. وتحولت القضية، التي يتابعها الرأي العام الإسباني بكثير من الحساسية، إلى ملف قضائي معقّد، يواجه فيه المتهمون الأربعة – وكلهم من أصول مغربية – تهماً ثقيلة تشمل القتل العمد، محاولة القتل، التهريب، والانتماء إلى منظمة إجرامية يقودها أحد أباطرة التهريب المعروفين في الجنوب الإسباني بلقب "بوسبوس". ويُنتظر أن تُسلّط المحاكمة الضوء على الجوانب الخفية في عمل شبكات التهريب عبر مضيق جبل طارق، كما قد تفتح الباب أمام مراجعة آليات التنسيق الأمني بين الرباطومدريد في مجال مكافحة التهريب البحري. وتبقى الأسئلة قائمة حول مدى قدرة المقاربات الزجرية وحدها على كبح منظومة اقتصادية موازية تُغري الشباب في عدد من مناطق الشمال المغربي، في ظل محدودية البدائل الاقتصادية والتنموية.