حين قررت محكمة الاستئناف بطنجة قبل أيام، إغلاق الحدود في وجه محمد الحمامي ومتابعته في حالة سراح، لم يكن الأمر يتعلق بمجرد إجراء قضائي في ملف إداري معقد، بل لحظة مفصلية ألقت الضوء على مسار سياسي يزداد تعقيدا، وعلى موقع تمثيلي يعيش منذ مدة على حافة التآكل، سواء في البرلمان أو في محيطه المحلي. وتتعلق القضية، التي تعود جذورها إلى سنوات مضت، باتهامات بتزوير وثائق وأختام إدارية للحصول على ترخيص لمؤسسة تعليمية خاصة، وتستند إلى شكاية سابقة تقدمت بها ولاية طنجة خلال عهد الوالي محمد امهيدية. وهي اليوم تطرح أكثر من سؤال حول الحدود الفاصلة بين استعمال الموقع الانتخابي وبين منطق المسؤولية العمومية. لكن الملف القضائي، رغم ثقله، ليس سوى امتداد طبيعي لسلسلة من الإشكالات التي رافقت مسار الحمامي منذ بداية الولاية التشريعية الحالية. فالرجل، الذي التحق بحزب الاستقلال قبيل انتخابات 2021 بعد أن لفظه حزب الأصالة والمعاصرة، سرعان ما وجد موطئ قدم داخل هياكل الحزب، وأصبح يقدم في كواليسه كضامن لحضوره الانتخابي بمدينة طنجة. غير أن واقع التمثيلية لم يترجم هذه "الضمانة" إلى أداء ملموس، بل كشف عن مفارقة حادة بين الواجهة السياسية والمردودية المؤسساتية. في مجلس النواب، حيث يفترض أن يكون صوته حاضرا في قضايا الساكنة الكبرى، يقتصر سجل الحمامي الرقابي على أربعة أسئلة شفوية وسبعة عشر سؤالا كتابيا خلال أكثر من أربع سنوات. أرقام توحي بحضور رمزي لا يتناسب مع حجم التحديات التي تعرفها دائرة طنجةأصيلة، ولا مع طموحات الناخبين الذين صوتوا على لائحة الاستقلال في واحدة من أكبر الدوائر المحلية في المغرب. وعلى المستوى المحلي، لم يكن الوضع أكثر استقرارا. منذ سنة 2022، بدأ الحمامي يفقد أغلبيته داخل مجلس مقاطعة بني مكادة، ودخلت علاقته بمحيطه السياسي والمؤسساتي في دائرة التوتر. تعثرت دورات المجلس، وبدأت مؤشرات العزلة تتزايد. بل إن بعض الدورات فشلت في الانعقاد بسبب غياب النصاب، كما حدث في دورة يونيو 2025، ما عزز الانطباع بأن موقعه في التسيير لم يعد محكوما بشرعية واضحة. في مجلس النواب، حيث يفترض أن يكون صوته حاضرا في قضايا الساكنة الكبرى، يقتصر سجل الحمامي الرقابي على أربعة أسئلة شفوية وسبعة عشر سؤالا كتابيا خلال أكثر من أربع سنوات. وسط هذه العواصف، برزت ملفات أخرى زادت من تعقيد الصورة. في 2023، وجهت إلى الحمامي تهم تتعلق بالاعتداء على صحافي محلي خلال نشاط رسمي، وتقرر استدعاؤه للمثول أمام القضاء بعد امتناعه المتكرر، ما أعاد الجدل حول أسلوبه في تدبير العلاقة مع الصحافة والرأي العام. ثم جاء غيابه اللافت عن حفل تدشين المركب الاستشفائي الجامعي محمد السادس بطنجة، بحضور الملك، ليعمق التساؤلات حول موقعه داخل المنظومة الترابية، في لحظة وطنية رمزية لم يتخلف عنها باقي المنتخبين والفاعلين المحليين. هذا التراكم من الإخفاقات والتوترات لا يمكن فصله عن طبيعة العلاقة التي ربطت الحمامي بحزب الاستقلال منذ التحاقه به. فبينما يواصل تقديم نفسه في دوائر حزبية ضيقة كأحد أعمدة التنظيم بالمدينة، تزداد التساؤلات داخل الحزب وخارجه حول الكلفة السياسية لهذا الحضور، وجدوى استمراره في ظل ضعف التمثيل وغياب المبادرة. وفي نهاية المطاف، لا يتعلق الأمر بشخص بقدر ما يتعلق بنمط من التمثيل السياسي ينبغي أن يخضع للتقييم الهادئ. فالمؤسسات، سواء كانت تشريعية أو ترابية، لا يمكن أن تظل رهينة لأداء متواضع يراكم التحديات أكثر مما يجيب عنها. والمساءلة لا تعني الإدانة، بقدر ما تعني استعادة المعنى من وراء التفويض الشعبي. في حالة محمد الحمامي، يبدو أن اللحظة الراهنة، بكل ما تحمله من التباسات، تفتح بابا ضروريا لإعادة النظر: في التمثيلية، في المسؤولية، وفي حدود التداخل بين الموقع السياسي والممارسة اليومية. وإذا كان القرار القضائي الأخير قد حاصر حركته الجغرافية، فإن الوضع السياسي العام يحاصره منذ مدة داخل مشهد يتغير بسرعة، ولا يرحم من يتأخر عن اللحاق به.