بين رافعات البناء ولوحات الاشهار التي تعد باقامات شاهقة باطلالة على البحر، تعيش مدينة طنجة تحولا عمرانيا لافتا نحو البناء العمودي، في تحول يعيد تشكيل ملامحها الحضرية ويطرح اسئلة حول معناه ومآلاته. وعلى امتداد الشريط الساحلي وداخل محاور استراتيجية في المدينة، تتوالى المشاريع العقارية التي تعتمد نموذج الابراج السكنية او المختلطة. - إعلان - فلم تعد العمارة الافقية هي القاعدة، بل باتت الابراج العالية، التي تصل الى 24 و30 طابقا، تعكس تصورا جديدا للعيش والاستثمار، يتجاوز الوظيفة السكنية الى خطاب رمزي يرغب في اعادة صياغة صورة طنجة كمدينة حديثة، عصرية، وقابلة للتسويق العقاري على النطاق الدولي. وفي خلفية هذا الارتفاع المتزايد، تقف دوافع متشابكة. فمن جهة، يشكل ضغط العقار في قلب المدينة احد المحركات الرئيسية نحو التمدد العمودي، خاصة في ظل محدودية الاوعية العقارية ذات القيمة المرتفعة. ومن جهة اخرى، تندفع الشركات العقارية نحو هذا النموذج بوصفه اكثر مردودية، سواء من حيث استغلال المساحة او من حيث الاستجابة لطلب فئة من الزبناء تبحث عن موقع ومكانة لا عن مجرد شقة للسكن. لكن هذا التصاعد في عدد الابراج يثير، في المقابل، اسئلة حول قدرة المدينة على احتضان هذا التحول دون توتر في توازنها البنيوي. فالكثير من هذه المشاريع تقام في بيئات لم تعد بنيتها التحتية اصلا لاستيعاب الكثافة التي ستنتج عن مئات الاسر الجديدة في مبان عالية، سواء من حيث شبكات الصرف او قدرات التنقل او الفضاءات العامة. ولا تتعلق المخاوف بالشكل، بل بالوظيفة والانسجام مع النسيج المحيط، خاصة حين لا يرافق الارتفاع اي تفكير مواز في المرافق الاساسية. اضافة الى ذلك، يظهر تباين واضح بين هوية هذه المشاريع وطبيعة الحاجيات السكنية الفعلية في المدينة. فمعظم الابراج الجارية او المعلن عنها، تستهدف في خطابها التجاري فئات ذات دخل مرتفع او الجالية المغربية في الخارج، مع اغفال شبه تام للفئات الوسطى او الباحثين عن سكن رئيسي. وتبدو هذه المشاريع بهذه الصيغة مندمجة اكثر في منطق الاستثمار منها في منطق الاستقرار، وهو ما يعمق الفجوة القائمة اصلا بين العرض العقاري والطلب الاجتماعي المحلي. وفي غياب استراتيجية عمرانية معلنة وواضحة المعالم، تتجه طنجة الى نموذج عمراني قيد التشكل، يرسم اساسا من خلال قرارات السوق، لا عبر رؤية مهيكلة من المؤسسات المعنية بالتخطيط. وبينما تتعدد المبادرات، وتتنافس الشركات على توقيع ابراج اعلى وافخم، يغيب عن المشهد سؤال جوهري: كيف يمكن لهذا الصعود ان يتحقق دون ان تنكسر القاعدة الاجتماعية والعمرانية التي يستند اليها؟ ورغم ان التحولات العمرانية لا تقاس فقط بخط السماء، فان ما يجري في طنجة اليوم يحمل دلالات تتجاوز المعمار. فالبناء العمودي لا يغير فقط شكل المدينة، بل يعيد ترتيب علاقتها بذاتها، وبمحيطها، وبمن يملكون حق السكن فيها.