تتطلع جهة طنجةتطوانالحسيمة إلى تنويع منتوجها السياحي لتقليص الاعتماد على موسم البحر القصير، بعد صيف وُصف بالضعيف في بعض الوجهات الساحلية. ويبرز هذا التحدي بشكل خاص في مدن مثل أصيلة التي سجلت موسما أقصر من المعتاد، بحسب فاعلين في القطاع، ما جعل أصواتا تلح على ضرورة تعزيز بدائل ثقافية وبيئية. وتشكل السياحة الشاطئية أبرز ركائز العرض في الجهة، التي تتوفر على أكثر من أربعين شاطئا مصنفا وساحل يمتد لأزيد من 500 كيلومتر بين الواجهتين المتوسطية والأطلسية. ويجعل هذا الامتداد من مدن مثل طنجة، تطوان، المضيقوالحسيمة وجهات رئيسية خلال فصل الصيف، غير أن هذا النموذج كشف محدوديته بمجرد تراجع أعداد الزوار بانقضاء العطلة. شواطئ ممتلئة .. وأسرة محدودة وبحسب معطيات صادرة عن المجلس الجهوي للسياحة بطنجة–تطوان–الحسيمة، فإن الطاقة الفندقية للجهة حوالي 36 إلى 37 ألف سرير، نصفها تقريبا في طنجة بما يقارب 19 ألف سرير. وتعمل فعاليات مؤسساتية رسمية، بشراكة مع المهنيين، على رفع هذا الرصيد وتوزيعه بشكل أفضل بين المدن الساحلية والداخلية، بما يسمح بتخفيف الضغط عن الشواطئ وإطالة الموسم. ويتقاطع هذا الرهان الجهوي مع دينامية وطنية واسعة. فقد أعلنت وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني أن المغرب استقبل 11.6 مليون زائر خلال النصف الأول من 2025، بزيادة قدرها 16 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من 2024. كما بلغت الإيرادات 67 مليار درهم، أي بارتفاع نسبته 13 بالمئة، فيما أكد المرصد الوطني للسياحة أن ليالي المبيت المصنفة ارتفعت ب13 بالمئة، وهو ما يعكس توسع قاعدة الزوار واستدامة الطلب. "القطب الشمالي" يرسخ ريادته وفي هذا السياق، تبرز طنجة كقاطرة للجهة. فقد سجلت وفق المرصد ارتفاعا في ليالي المبيت بلغ 24 بالمئة في النصف الأول من 2025، منتقلة من نحو 659 ألف ليلة إلى 817 ألف ليلة. كما ارتفعت حركة المسافرين عبر مطار ابن بطوطة بنسبة 23 بالمئة في يونيو الماضي مقارنة بالشهر نفسه من 2024، حسب بيانات المكتب الوطني للمطارات. إضافة إلى ذلك، عزز القطار فائق السرعة موقع المدينة كمركز للأعمال والمؤتمرات، وهو مشروع يشرف عليه المكتب الوطني للسكك الحديدية. مدن بإيقاعات متباينة أما تطوان وشفشاون، فتعتمدان على موروث ثقافي وإيكولوجي مميز. فالأولى، المعروفة بتراثها الأندلسي وأسوارها البيضاء، تعمل على تثمين المدينة العتيقة ومتاحفها من خلال برامج ترميم وإعادة تأهيل. والثانية، بأزقتها الزرقاء ومحيطها الجبلي، تركز على السياحة البيئية، حيث أطلقت المديرية الجهوية للسياحة مسارات جديدة للمشي في الجبال. وهكذا تسعى المدينتان إلى تقديم بدائل قادرة على استقطاب الزوار في فصلي الربيع والخريف، وليس فقط في عطلة الصيف. ومن جهة أخرى، تحاول الحسيمة الاستفادة من موقعها على المتوسط وطبيعتها الجبلية المحيطة عبر الجمع بين البحر والبيئة. فالمشاريع الموجهة للرياضات البحرية والفنادق الصغيرة ودور الضيافة تهدف إلى جذب فئات جديدة من الزوار، رغم استمرار تحديات الربط والنقل. وفي المقابل، أظهرت أصيلة حدود الاعتماد على البحر وحده، بعدما سجلت موسما قصيرا بشكل لافت. غير أن رصيدها الثقافي والفني، المرتبط بمهرجاناتها التشكيلية، يمنحها فرصة لتقديم عروض بديلة قادرة على إطالة الموسم. وعلى مستوى المؤشرات الإجمالية، تؤكد بيانات المرصد الوطني للسياحة أن جهة طنجة–تطوان–الحسيمة سجلت نحو 1.016 مليون ليلة مبيت في النصف الأول من 2025، بزيادة ملحوظة مقارنة بالعام السابق، مع تحسن شهري بلغ 7 بالمئة في يونيو. ومع ذلك، يظل التوزيع غير متوازن، إذ تستحوذ طنجة على النصيب الأكبر من النمو، بينما تكافح مدن أخرى لتثبيت موقعها في السوق. وهكذا، وبين البحر والتاريخ والطبيعة، تعمل فعاليات مؤسساتية رسمية، إلى جانب الفاعلين المهنيين، على إعادة رسم ملامح السياحة في جهة طنجةتطوانالحسيمة. والهدف هو ترسيخ موقعها كوجهة متعددة الأبعاد قادرة على جذب الزوار على مدار السنة، والتخفيف من الضغط المرتبط بذروة الصيف، في انسجام مع توجهات الدولة التي تعتبر السياحة أحد محركات النمو الرئيسية.