قبل ساعات من انطلاق الجمع العام الانتخابي لعصبة الشمال لكرة القدم، تُشد الأنظار نحو مدينة القصر الكبير، حيث تُعقد مساء الجمعة جلسة يُتوقع أن تعيد ترتيب الموازين داخل واحدة من أقدم العصب الجهوية في المملكة. وبلغ السباق نحو رئاسة العصبة ذروته بين مرشحين لا يشتركان في أكثر من انتمائهما لنفس الرقعة الجغرافية: عبد اللطيف العافية، الرئيس الذي قضى أكثر من عقدين على رأس المكتب المديري، وعمر العباس، اسم جديد قادم من الجيل الذي تربى على هامش زمن التكرار الإداري. وبينما يعرض الأول تجربة الاستمرارية بلغة مألوفة، يُقدّم الثاني نفسه بلهجة شابة، مشحونة بنفس تجديدي اختار له شعارا واضحا: نعم للتغيير، نعم للأفضل. العباس، وهو مهندس متخصص في البنيات التحتية، راكم إلى جانب تكوينه الأكاديمي تجربة داخل هياكل التأطير المحلي، ويقود لائحة متنوعة تضم أسماء تنتمي لمدن ظلت طويلا على هامش القرار داخل العصبة. من العرائش إلى الحسيمة، ومن شفشاون إلى أصيلة، يحاول التحالف الجديد أن يترجم وعيا متأخرا بأن تمثيلية الأندية لم تكن يوما عادلة، ولا موزعة على أساس الكفاءة. وخلال ظهوره الإعلامي الأخير، بدا العباس واثقا من أن وقت التغيير قد حان. لم يطلق وعودا فضفاضة، بل تحدث بلغة مباشرة: تحسين الحكامة، رقمنة الإدارة، دمقرطة اللجان، وتحديث منظومة الدعم، دون حاجة إلى خصومة صاخبة. وقد لخّص العباس خطابه في عبارة مقتضبة تسربت إلى بعض الأوساط الكروية: وقت شباب، قادرين على التغيير. في الجهة المقابلة، يواجه عبد اللطيف العافية لحظة لم يعتدها. فالرجل الذي ظل عشرين سنة من دون منافسة حقيقية، اضطر هذه المرة إلى القيام بجولات تواصل متأخرة نحو بعض المناطق المهمشة، وعلى رأسها الحسيمة، حيث استُقبل بفتور، وواجه تحفظات صريحة من بعض المسيرين المحليين. ولم تُسعفه تلك الزيارات في امتصاص الانتقادات المتراكمة حول هشاشة التكوين، وضعف الشفافية، وضبابية معايير الانتقاء داخل دواليب العصبة. بل إن الجدل بلغ مستوى دفع أطرافا إلى التشكيك في قانونية إيداع لائحته، وفي ظروف إعداد الجمع العام نفسه، من دون صدور توضيح حاسم يقطع الشك بالبيان. ورغم ذلك، لا يزال محيط العافية يراهن على شبكة من العلاقات التي نسجها على امتداد سنوات التسيير، وعلى نواد تعتبر أن التجربة، ولو كانت متعبة، أفضل من المغامرة. لكن تلك القناعة بدأت تتآكل، أمام إصرار طيف واسع من المسيرين الشباب على قلب الصفحة بهدوء وصرامة. ولا تنحصر أهمية التصويت في من سيفوز بالرئاسة، بل تتعداه إلى اختبار نضج الجسم الكروي الجهوي. فخلف كل صوت، تتوارى مفاهيم عميقة عن تداول السلطة، وتجديد النخب، وصناعة القرار من خارج الدوائر المغلقة. ولن يكون الجمع العام مجرد لحظة اقتراع، بل لحظة مواجهة مع سؤال جوهري: هل تملك الفرق الشجاعة لكسر حلقة التدوير وإعادة التدوير؟ داخل القاعة، سيتحدث البعض عن الأرقام، عن التوازنات، عن التحالفات، لكن خارجها، تتكون قناعة ببطء: أن من يجرؤ على الترشح بشبابه ووضوحه في وجه رئاسة عمرها 21 عاما، يستحق على الأقل أن يُصغى إليه. وإذا ما حدثت المفاجأة، فلن تكون مجرد تغيير في الاسم، بل زلزالا ناعما في ثقافة التسيير الرياضي الجهوي. وإن لم تحدث، فسيكون ذلك تأكيدا على أن التغيير في كرة القدم، كما في السياسة، لا يُمنح.. بل يُنتزع.