قد يبدو فوز عبد اللطيف العافية بولاية جديدة على رأس عصبة طنجةتطوانالحسيمة لكرة القدم استمرارية مألوفة، كما جرت العادة لعقود. لكن ما سبق هذه النتيجة كشف أن شيئا ما تغير في منطق السلطة داخل المؤسسة الرياضية. فهذه ليست مجرد دورة انتخابية انتهت كما بدأت. وإنما لحظة اضطر فيها المعسكر المحافظ الى صياغة برنامج انتخابي لأول مرة، بعد سنوات من الاكتفاء بسطوة التزكية. ما وقع لا يتعلق بشخص المترشح، بل بالوظيفة التي اضطلع بها ترشحه. لقد مثل عمر العباس لحظة قطيعة هادئة مع نمط رسخ نفسه طويلا داخل العصبة: مرشح وحيد، تقارير تمر بالاجماع، وانتخابات تدار كطقس اداري بلا رهانات حقيقية. وحين يدخل فاعل جديد بهذا النفس النقدي، ويجر المؤسسة الى منطق الشرح والرد، فاننا لا نكون امام منافسة عادية، بل امام انكشاف لمنطق ظل يعمل تحت رداء الشرعية الصامتة. للمرة الاولى، وضعت الوثائق السنوية تحت المجهر. ولم تعد ارقام الفائض تمر مرور الكرام. سئل الرئيس عن المداخيل، عن الصرف، عن الحسابات البنكية، عن تمثيلية الفرق الصغرى، عن منطق الاولويات في التوزيع والدعم. لم يكن هذا مألوفا، لا في الشكل ولا في المضمون. الاندية التي اعتادت لعب دور الشاهد الصامت وجدت نفسها مدعوة لاتخاذ موقف. وبهذا المعنى، كان الترشح ذاته عملا استثنائيا. ولان المؤسسة غير مهيأة للمواجهة العلنية، ظهرت علامات التوتر. فسر النقاش على انه طعن. واعتبرت الملاحظات تشويشا. وبدل ان يحتفى بالتعدد، استعادت القاعة لغة الانضباط. لكن هذه اللغة لم تمنع حصول الانكسار الرمزي: المعسكر الذي كان يتحرك بالعرف، اضطر الى الدفاع عن المنجز بلغة السياسة الرياضية. المترشح الذي دخل بلا سند تقليدي، فرض على البنية ان تتحدث. ان توضح. ان ترد. لا يتعلق الامر هنا بجدلية الفوز والخسارة. في لحظات التحول، قد يصبح الفارق العددي بلا معنى. فالمحصلة لا تقاس فقط بمن تولى المسؤولية، بل بما احدثه السباق ذاته من ارتباك في بنية لم تكن تعتقد انها معنية اصلا بالمنافسة. لم يكن الترشح مجرد مبادرة فردية، بل حدثا مؤسسيا: لقد اضطر الهيكل الى تفعيل ادوات دفاع لم يكن يستعملها من قبل. وهذا هو جوهر التحول: ان تنتقل المؤسسة من موقع الاحتكار الى موضع التبرير. ان تشعر بوجود من يتتبع قراراتها، يفكك خطابها، ويعيد ترتيب الاسئلة التي اعتادت أن تبقى خارج الاجتماع العام. وهنا تكمن دلالة اللحظة: لقد ارتفع مستوى الوعي داخل الاندية، وتغير الايقاع الداخلي، واهتز الشعور بالتلقائية الذي ظل يحكم المشهد منذ سنوات. قد يقال ان العافية فاز، وان العباس لم يقنع الاغلبية. لكن حتى هذا الانحياز العددي لا ينفي حقيقة ابعد: لاول مرة، خضعت التزكية لمنافسة. ولاول مرة، تجرأت لائحة على مساءلة ممارسات تسييرية في قلب المؤسسة. ولاول مرة، شعر الفاعلون التقليديون بان موقعهم ليس مضمونا سلفا. وهذه الثلاثية وحدها كافية للقول ان ما حدث كان استثناء مؤسسا، لا مجرد محطة عابرة. والاهم من ذلك، أن ما جرى لا يمكن عزله عن السياق الأوسع. كرة القدم في المغرب دخلت في مرحلة احتراف، لكن العصب الجهوية ظلت الى حد بعيد خارج هذا التحول. بقيت تشتغل بمنطق العلاقات، لا بالكفاءة. بالتراتبية، لا بالوضوح. بالتوافقات، لا بالبرامج. ترشح العباس، بكل ما حمله من ارتباك وتباين، كان إعلانا عن تأخر لم يعد مقبولا. لقد دخل مرشح بخطاب مختلف، فاضطر المعسكر التقليدي الى مغادرة منطقة الراحة. اجبر المؤسسة على الكلام. كشف عن اعطاب لم تعد قابلة للاخفاء. وحين يحدث ذلك في كيان ظل مغلقا لاكثر من عقدين، فان الخسارة تصبح نسبية، والنجاح يقاس بما يفرض من اسئلة، لا بما يحصى من اوراق. بعد اليوم، لن يكون الترشح عملا رمزيا. ولن تكون الانتخابات لحظة لتجديد المألوف. ما دشن في هذه الدورة، حتى وان ختم بفوز تقليدي، سيطارد المؤسسة في كل استحقاق قادم: سؤال يطرح، صوت يرتفع، ومترشح يطالب بحقه في خوض معركة متكافئة. وذاك وحده، كاف لجعل اسم العباس علامة فارقة في سجل مؤسسة اعتادت ان لا تسمع غير صداها.