تتراكم الملفات حول رئيس مقاطعة بني مكادة محمد الحمامي، من تزوير الشواهد الإدارية إلى رخص البناء الاستثنائية، وسط دعوات متزايدة للمساءلة في واحدة من أكثر القضايا التي تعكس عمق الاختلالات الإدارية في طنجة. وتفجرت في الأيام الماضية فضيحة تزوير شواهد إدارية رسمية داخل المقاطعة الأكبر سكانا في المغرب، ما أعاد إلى الواجهة ملفا أقدم لا يزال جاثما على صدر المدينة، يعرف محليا ب"الرخص الحمامية"، التي وزعت خلال فترات متفرقة خارج المساطر المعتمدة، وساهمت في نشوء عمران غير منظم وأحياء تفتقر إلى البنية الأساسية. ورغم أن الفضيحة الجديدة تتعلق برخصة لمؤسسة تعليمية خاصة، يشتبه في تزوير وثائقها الرسمية واستخدام أختام غير قانونية، إلا أن أوساطا حقوقية ترى فيها امتدادا لمنهجية ماضية أكثر منها حالة معزولة. وسبق أن وجهت انتقادات قوية لرئيس المقاطعة بشأن تراخيص بناء منحت لعدد من المواطنين في أحياء غير مهيأة، بعضها صدر خلال فترات انتخابية حساسة،. ومثل محمد الحمامي، النائب البرلماني والرئيس الحالي للمقاطعة، خلال الصيف الماضي أمام النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بطنجة، بخصوص شبهات التزوير في وثائق إدارية، بينما يتابع القضاء المختص مسار الملف وفق الإجراءات القانونية المعتمدة. وتشير مصادر من داخل المقاطعة إلى أن شبكة غير رسمية من الوسطاء كانت تسهل الحصول على شواهد سكن وهمية، وأخرى إدارية دون احترام الضوابط القانونية، ما أدى إلى تضخم البناء غير المهيكل، وتعقيد الربط القانوني بشبكات الماء والكهرباء في عدد من أحياء بني مكادة. وعاد مصطلح "الرخص الحمامية" إلى التداول الإعلامي، في إشارة إلى عشرات الرخص التي سلمت خلال فترات سابقة، خارج نظام التهيئة وبتعارض مع الوثائق الحضرية. وتتهم هذه التراخيص بأنها استخدمت كوسيلة لخلق ولاءات انتخابية، لا كأداة لتنظيم المجال. ورغم تداول هذه الملفات في النقاش العمومي منذ سنوات، لا تزال في نطاق التتبع المؤسساتي والإداري، بينما يواصل القضاء ممارسة اختصاصه في إطار الضمانات القانونية المعمول بها. وفي واحدة من دورات مجلس الهيئة المنتخبة، تجنب رئيس المقاطعة التطرق إلى هذه النقاط، مكتفيا بالإشارة إلى أن "من أخطأ يجب أن يحاسب"، من دون أن يقدم معطيات دقيقة بشأن ما إذا فتح تحقيق داخلي حول الشواهد المزورة، أو تم سحب الرخص المشبوهة. وفيما أكدت وزارة الداخلية، في أكثر من مناسبة، أن زمن التساهل مع الفساد والاختلالات قد انتهى، لا تزال بعض الملفات تُواكب على مستوى التتبع الإداري، في انتظار ما ستسفر عنه الآليات المعتمدة لمراقبة التسيير داخل الجماعات الحضرية الكبرى، التي تظل مجالا معقدا بحكم تداخل الصلاحيات وحجم التحديات الترابية. وفي الأحياء المتضررة، لا تخطئ العين مشهد البناء الفوضوي، وتقطع الخدمات، وتضارب الوثائق الإدارية بين ما هو مصادق عليه وما هو واقع فعلي، بينما تستمر الساكنة في التردد بين مكاتب الجماعة والمصالح التقنية، بحثا عن تسوية لا تأتي. ويتحول ملف الرخص في بني مكادة إلى مرآة لتراكمات عمرانية وإدارية اختلطت فيها الحسابات الانتخابية بالمسؤولية العمومية، دون أن تفعل بعد أدوات ربط الفعل السياسي بالمساءلة القانونية. وبينما تنتظر المدينة حسم القضاء، يبقى السؤال الأهم، من يحاسب من، وهل انتهى زمن الإفلات من العقاب، أم لا يزال الباب مشرعا أمام نسخة جديدة من "الرخص الحمامية".