بدأ سوق القرب "بني مكادة" في مدينة طنجة استعادة نشاطه التجاري تدريجيا، بعد مرور تسعة أشهر على الحريق العنيف الذي أتى على أجزاء واسعة منه في فبراير الماضي، وتسبب في شلل تام للحركة التجارية في أحد أكبر الفضاءات المخصصة لإدماج الباعة الجائلين شمال المملكة. وتشير معاينات ميدانية إلى أن عشرات المحلات التجارية شرعت في فتح أبوابها خلال الأيام الأخيرة من شهر نونبر الجاري، حيث بدأ التجار في عرض بضائعهم واستقبال الزبائن بشكل أولي، بالتزامن مع استمرار أشغال الترميم والإصلاح في الأجنحة التي تضررت بشكل كلي. وكان الحريق الذي اندلع صباح 22 فبراير 2025 قد خلف خسائر مادية جسيمة طالت البنية التحتية والشبكة الكهربائية والأسقف، مما استدعى إخلاء السوق الذي يضم 626 محلا تجاريا ويمتد على مساحة تناهز 13 ألفا و300 متر مربع. ويعد هذا السوق، الذي كلف إنجازه غلافا ماليا تجاوز 74 مليون درهم، أحد أبرز مشاريع برنامج "طنجة الكبرى" الهادفة إلى تنظيم القطاع غير المهيكل. وأوكلت السلطات المحلية عمليات إعادة التأهيل إلى أربع شركات مقاولة عملت بالتوازي لتسريع وتيرة الأشغال، التي انطلقت بإزالة مخلفات الحريق وهدم الهياكل المتداعية، قبل الشروع في إعادة بناء نحو 80 محلا دمرت بالكامل، وترميم ما يزيد عن 200 محل آخر تضررت بنيتها جزئيا بفعل النيران والدخان. وشملت التدخلات التقنية إدخال تعديلات جوهرية على معايير السلامة، أبرزها نقل العدادات الكهربائية من داخل المحلات إلى فضاءات خارجية لتسهيل المراقبة والتدخل، وتجديد شبكة الإنارة، إضافة إلى تعزيز الجدران بألواح معدنية مقاومة للحرائق، وتحديث منظومة صرف مياه الأمطار لتفادي التسربات التي كانت تشكل تحديا سابقا. ورغم عودة الروح تدريجيا إلى السوق، عبر عدد من التجار عن استيائهم من طول فترة التوقف التي تجاوزت ثمانية أشهر، مشيرين إلى أنهم اضطروا خلالها لمزاولة أنشطتهم داخل خيام مؤقتة نُصبت وسط السوق في ظروف وصفوها ب"غير الصحية". في المقابل، تؤكد الجهات المشرفة على الورش أن وتيرة الأشغال سارت بشكل "منتظم" أخذا بعين الاعتبار الإكراهات التقنية والمناخية، متوقعة أن يتم تسليم كافة المحلات المتبقية وعودة السوق إلى طاقته الاستيعابية الكاملة بحلول الأسابيع الأولى من عام 2026، ما لم تظهر تحديات هيكلية إضافية. ويكتسي سوق بني مكادة أهمية استراتيجية كونه يقع في قلب إحدى أكثر المقاطعات كثافة سكانية في طنجة، حيث يعتبر الشريان التجاري الرئيسي لساكنة تقدر بأكثر من 300 ألف نسمة، ويعول المهنيون على استعادة الرواج التجاري المعهود قبل حلول موسم الربيع المقبل لتعويض الخسائر المتراكمة.