كرست القمة المغربية الإسبانية التي اختتمت أعمالها في مدريد نجاح الدبلوماسية المغربية في تحييد ملف الجمارك التجارية في سبتة ومليلية عن مخرجات اللقاء، بعدما اختارت الرباط الإبقاء على هذا الموضوع خارج نطاق التفاهمات المعلنة، انسجاما مع رؤية سيادية واضحة. وخلال المباحثات، لم يتجاوب الجانب المغربي مع الضغوط المكثفة التي مارستها الأوساط السياسية والاقتصادية في إسبانيا قبل القمة، والتي كانت تتطلع إلى انتزاع جدول زمني يخفف الإجراءات التي اتخذتها الرباط لإنعاش اقتصاد المدينتين المحتلتين. وجاء البيان الختامي خاليا من أي التزام يعيد الوضع إلى ما كان عليه سابقا، في تأكيد من الرباط أن القضايا ذات الطابع السيادي والاستراتيجي تتقدم على أي ترتيبات تقنية أو تجارية. ويعكس تغييب موضوع المعابر عن البيان الختامي نجاح المغرب في فصل مسار التعاون الاستراتيجي مع مدريد – الذي يشهد زخما في ملفات الأمن والهجرة والإعداد المشترك لمونديال 2030 – عن ملف المدينتين المحتلتين الذي يندرج في نطاق سيادي دقيق. كما ترفض المملكة تحويل المدينتين المحتلتين إلى منصات تجارية ذات تأثير سلبي على الاقتصاد الوطني، وتفضل الإبقاء على وضعية الجمود التجاري باعتبارها واقعا يعكس طبيعة الخلاف القائم بشأن الوجود الإسباني فيهما. وبدا أن مدريد تعاملت بقدر كبير من الواقعية مع هذا الموقف، مفضلة الحفاظ على المكاسب الكبرى للشراكة الاستراتيجية، وتجنب إثارة ملفات معقدة قد تعقد مسار العلاقات، في وقت تجد فيه الهيئات الاقتصادية في سبتة ومليلية نفسها خارج دائرة التفاهمات الثنائية. ويرى متابعون أن تشدد الموقف المغربي يستند إلى التحولات البنيوية في اقتصاد شمال المملكة، الذي تجاوز مرحلة الاقتصاد المعيشي المرتبط بالتهريب نحو منظومات صناعية ولوجستية حديثة. وباتت الرباط تنظر إلى أي نشاط تجاري غير مقنن مع المدينتين المحتلتين كعنصر يربك مسار التنمية المحلية. وتشير قراءات استراتيجية إلى أن ميزان القوى مال بشكل لافت لصالح المغرب، الذي أصبح يحدد أولويات الشراكة من موقع قوة، مدعوما بمكانة جيوسياسية متقدمة جعلته شريكا رئيسيا لأوروبا. وقد أدركت النخب السياسية في مدريد أن استمرار التعاون الأمني وتدفق الاستثمارات يمر عبر تفهم أكبر للمنظور المغربي، حتى إن أدى ذلك إلى تراجع الاهتمام بالمطالب المحلية في سبتة ومليلية. وفي ظل هذه المعادلة، يبدو أن حالة "الغموض البناء" التي تكتنف مستقبل الجمارك التجارية ستتواصل، في سياق ارتياح مغربي نابع من الحسم المتقدم في ملف الصحراء، ما منح الرباط هامشا أوسع لتدبير ملفات الشمال بمنطق سيادي كامل. وتشير المؤشرات الراهنة إلى أن المملكة، المتحررة من ضغوط الماضي، مستمرة في مقاربتها التي تُبقي المدينتين المحتلتين أقرب إلى نقط عبور للأشخاص بدل كونهما مراكز تجارية نشطة، في انتظار حلول شاملة تعالج وضعهما التاريخي والجغرافي.