شرعت جماعة طنجة في تنفيذ مشروع لإعادة بناء فندق "سيسيل" التاريخي، أحد أقدم المعالم الفندقية المطلة على خليج المدينة، وذلك بموجب رخصة بناء رسمية صادرة بتاريخ 20 نونبر 2024، تشمل أيضاً تشييد بناية إضافية ملحقة. ويأتي المشروع في سياق محاولات إعادة الاعتبار لمجموعة من المباني التاريخية التي ارتبطت بفترة طنجة الدولية، وسط تساؤلات متجددة من نشطاء محليين حول طابع التدخلات العمرانية ومدى احترامها للهوية المعمارية الأصلية. شُيّد فندق "سيسيل" في أواخر القرن التاسع عشر، ويُعد ثاني أقدم فندق في طنجة بعد "كونتيننتال" ، وقد كان أول منشأة فندقية تُقام خارج أسوار المدينة القديمة، بمحاذاة الشاطئ، في مرحلة تحوُّل عمراني عميق جعل من طنجة وجهة للأجانب والدبلوماسيين ورجال الأعمال الأوروبيين. وتُظهر الوثائق التاريخية أن الفندق افتُتح في البداية تحت اسم "نيويورك هوتيل"، قبل أن يُعاد تسميته مع مطلع القرن العشرين ب"سيسيل"، تيمّناً بفندق "غراند سيسيل" الشهير في لندن، في خطوة تعكس الطموح آنذاك لتقريب تجربة طنجة من نماذج الضيافة الأوروبية. تميّز المبنى منذ إنشائه بهندسة معمارية أوروبية أنيقة، ذات طابع نيوكلاسيكي متقشف في الداخل، لكنه غني بالتفاصيل في الواجهة الخارجية المطلة على البحر. ويؤكد باحثون أن الفندق شكّل استثناءً من حيث الجودة الجمالية مقارنة بعدد من الفنادق التي شُيدت في نفس الفترة، خصوصاً من حيث العناية بالشرفات والنوافذ العالية المطلة على الواجهة البحرية. ويقول الدكتور طارق أزرقون، الباحث في تاريخ المعمار بشمال المغرب: "فندق سيسيل لم يكن فقط مكاناً للإيواء، بل واجهة حضارية لمدينة كانت توازن بين الشرق والغرب، واحتضنت في تلك الحقبة نخبة عالمية من المثقفين والفنانين". يستحضر المهتمون بالتاريخ المحلي لحظة فارقة حين أقام الملك محمد الخامس بالفندق سنة 1947، خلال زيارته الشهيرة إلى طنجة، قبيل إلقاء خطابه في ساحة السوق الكبير. وقد أورد المؤرخ الراحل عبد الهادي التازي هذه الواقعة في مؤلفه حول الزيارة الملكية، مؤكداً أن الغرفة التي أقام بها الملك كانت تطل مباشرة على البحر، ما منح تلك المحطة بعداً رمزياً إضافياً.