فرضت طنجة قواعد جديدة للتعاون الأمني مع الجارة الشمالية، معتمدة على "الندّية العملياتية" وتوظيف التكنولوجيا الدقيقة بدل الاكتفاء بالدور التقليدي لحراسة الحدود، وذلك وفق ما كشفت عنه تقارير إسبانية حديثة نشرتها صحيفة "لاراثون" المقربة من دوائر القرار في مدريد. وأوضحت الصحيفة، نقلا عن مصادر أمنية إسبانية، أن فعالية المصالح المغربية في تحييد المخاطر قبل وصولها إلى الضفة الأخرى تعود أساسا إلى جودة المعلومات الاستخباراتية التي توفرها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، إضافة إلى التحديث التقني المستمر لنقاط المراقبة في الميناء المتوسطي، وهو ما جعل من المدينة "صمام أمان" لا يمكن تجاوزه في أي استراتيجية أوروبية. وتشير التفاصيل الواردة إلى أن مدريد باتت تتعامل مع طنجة كشريك يمتلك "السيادة المعلوماتية"، خاصة بعدما أثبتت التجهيزات الحديثة في الميناء والمطار قدرتها على كشف مسارات تهريب معقدة عجزت أنظمة مراقبة أخرى عن رصدها، مما يعكس تحولا لافتا في ميزان الكفاءة الأمنية لصالح الجانب المغربي. ويأتي هذا التطور الميداني في وقت تعيد فيه إسبانيا تقييم شراكاتها الإقليمية، حيث تضع التقارير الأمنية "النموذج المغربي" في خانة الشراكات الاستراتيجية الموثوقة القائمة على تبادل المصالح، بعيدا عن منطق الدعم المشروط، نظرا لما توفره الأجهزة المغربية من استقرار فعلي يخدم أمن البلدين على قدم المساواة. ويتزامن هذا الأداء الأمني المتصاعد مع تعزيز المكانة الاقتصادية للمدينة، حيث أصبح "الأمان اللوجستي" عاملا حاسما في جذب كبريات شركات الشحن العالمية التي تبحث عن ممرات تجارية آمنة، وهو ما توفره السلطات المغربية بصرامة تضاهي، بل وتتفوق أحيانا، على المعايير المعتمدة في الموانئ الأوروبية الكبرى. وتؤكد هذه المعطيات أن المقاربة المغربية الجديدة قطعت مع أساليب الماضي، معتمدة على كوادر أمنية عالية التدريب قادرة على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة، مما سحب البساط من تحت أقدام شبكات التهريب التي كانت تراهن سابقا على الثغرات البشرية أو التقنية لتمرير أنشطتها عبر المضيق. ويخلص المتابعون للشأن الاستراتيجي إلى أن تفوق طنجة في هذا الملف لم يعد مجرد "خدمة" تقدم للجيران، بل تحول إلى رصيد سيادي يوظفه المغرب لتثبيت موقعه كقوة إقليمية مستقرة، فارضا احتراما متزايدا لقراراته ومصالحه الحيوية في الضفة الجنوبية للمتوسط.