مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم يتعلق بمدونة السير على الطرق بشأن المركبات    الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية يؤكد على التحديات وجهود المملكة المغربية في مكافحة الجريمة المنظمة        نقل مبابي إلى المستشفى بسبب وعكة صحية    اندلاع حريق بغابة عين لحصن بين طنجة وتطوان    بيت الشعر في المغرب يتوّج بجائزة الأكاديمية الدولية للشعر    الحكومة تصادق على إحداث المعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي    نشرة إنذارية.. طقس حار وزخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح يومي الخميس والجمعة بعدد من مناطق المملكة    تفكيك شبكة مغربية-إسبانية لتهريب البشر والمخدرات تستعمل قوارب الفانتوم    هشام بلاوي: الجريمة المنظمة تهديد متصاعد يتطلب تعاونًا قضائيًا دوليًا فعالًا    بنيله شهادة البكالوريا من خلف أسوار السجن، نزيل يخطو أولى خطواته على سكة إعادة الاندماج (بورتريه)        نشرة إنذارية..طقس حار وزخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح بعدد من مناطق المملكة    معرض بكين للكتاب: اتفاقية لترجمة مؤلفات حول التراث المغربي اللامادي إلى اللغة الصينية    الدوزي يُطلق العدّ التنازلي ل"ديما لباس"    كتل هوائية صحراوية ترفع الحرارة إلى مستويات غير معتادة في المغرب    ميداليات تحفز "بارا ألعاب القوى"    الشعب المغربي يحتفل غدا الجمعة بالذكرى ال55 لميلاد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد    دلالات ‬تجديد ‬مجلس ‬حقوق ‬الإنسان ‬دعمه ‬لمغربية ‬الصحراء    الذهب يصعد وسط التوتر في الشرق الأوسط    التصعيد بين إسرائيل وإيران يعيد للواجهة مطالب إحياء مصفاة "سامير" لتعزيز الأمن الطاقي    مجموعة "فيسين" تطلق طرحا عاما أوليا في بورصة الدار البيضاء    طنجاوة يتظاهرون تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي على غزة وإيران    "مجزرة جديدة"… إسرائيل تقتل 40 فلسطينيا بينهم 16 من منتظري المساعدات    رائحة دخان تجبر طائرة على الهبوط في ميونخ    العيون ‬تحتضن ‬منتدى ‬إفريقيا ‬لبحث ‬الآفاق ‬الاقتصادية ‬والتجارية ‬بالقارة    جوفنتوس يكتسح العين الإماراتي بخماسية    إصابة حكم ومشجعين في فوضى بالدوري الليبي    فحص دم جديد يكشف السرطان قبل ظهور الأعراض بسنوات    بنك المغرب والمؤسسة المالية الدولية يوقعان شراكة لتعزيز الشمول المالي الفلاحي بالمغرب    فرحات مهني يكتب: الجزائر الإيرانية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    بنهاشم بعد مواجهة مانشستر سيتي: لعبنا بشجاعة وخرجنا بدروس ثمينة رغم الخسارة    لقجع: المغرب ملتزم بجعل كأس العالم 2030 نموذجا للاندماج والاستدامة البيئية    رحيمي وحركاس وبنعبيد ضمن قائمة أغلى اللاعبين العرب في مونديال الأندية    إيران تستهدف مستشفى بجنوب إسرائيل ونتانياهو يتوعدها بدفع "ثمن باهظ"    الصين تدفع نحو مزيد من الانفتاح السياحي على المغرب: سفارتها بالرباط تتحرك لتعزيز توافد السياح الصينيين    ندوة علمية تناقش موضوع النخبة المغربية في زمن التغيير    بيب غوارديولا في تصريح أعقب مواجهة الوداد الرياضي المغربي، إن "المباراة الأولى في دور المجموعات دائما ما تكون صعبة    برلمان أمريكا الوسطى يُجدد دعمه الكامل للوحدة الترابية للمغرب ويرد على مناورات خصوم المملكة    برلمان أمريكا الوسطى يجدد دعمه للوحدة الترابية للمغرب ردا على المناورات    مجموعة العمل من أجل فلسطين تعقد ندوة صحفية تحضيرا لمسيرة وطنية الأحد بالرباط    مربو الدجاج يثمنون توجه الحكومة لإعفاء الفلاحين الصغار ويدعون لإدماجهم الفعلي في برامج الدعم    كارثة صامتة .. ملايين الهكتارات العربية على وشك الضياع    طنجة.. سيارة تدهس "مقدّم" بعدما دفعه متشرد نحو الطريق    إطلاق الهوية الجديدة ل "سهام بنك" خلفًا ل "الشركة العامة المغربية للأبناك"    خدش بسيط في المغرب ينهي حياة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب    انتخاب المغرب نائبا لرئيس المجلس العلمي لاتفاقية اليونيسكو حول حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    دورة تكوينية وورشات فنية لفائدة الأطفال والشباب بالمركز الثقافي لمدينة طانطان    فجيج بين ازيزا النادرة والتربية العزيزة.. حكاية واحة لا تموت    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بول بولز في سيرته... عودة إلى طنجة الحلم
نشر في طنجة 24 يوم 16 - 07 - 2014

الجريدة : بعد مرور 15 عاماً على رحيل بول بولز، ومن خلال سيرته الصادرة عن منشورات {ضفاف} و«الاختلاف} بعنوان {بدون توقف}، نطل عليه لنكتشف جوانب {ألف ليلة وليلة} في علاقة الكاتب الأميركي بمدينة طنجة وعلاقته بالموسيقى والرواة والشعر والفن والمكان والمحرمات وثقافات الشعوب، كيف أن الكتابة تصنع أسطورة مدينة وكيف أن المدينة تصنع أسطورة الكاتب.
يعترف الروائي الأميركي بول بولز (1910 - 1999) «أن كتابة سيرة حياة ليست بالعمل المرضي في أحسن الأحوال. لعلها نوع من الكتابة الصحافية، حيث التقرير، بدل أن يكون تقرير شاهد عيان على الحدث، هو مجرد ذكرى لآخر مرة يتم فيها تذكر ذلك}.
تتضمن سيرة بولز ذاكرته منذ نشأته في بيئة ثقافية متنوعة حتى وصوله إلى المدن المغربية التي كانت حقلاً لاكتشاف الثقافة الشفوية وصناعتها من بعد تسجيلها، وهناك أيضاً تعرَّف إلى الأدباء والكتاب والرسامين. يكتب ذلك كله في رحلة أشبه بالمتاهة مليئة بمعلومات وسرديات ومشهديات المدن.
جاء بولز إلى طنجة بتحريض من الكاتبة الأميركية المقيمة في باريس جترورد شتاين. فقد بدا لها الشاب مشوش الذهن، حائراً بين النوتات الموسيقية ومسالك الشعر وقد ظنَّت أن طنجة بما تجمعه من تناقضات ستتيح متسعاً للتأمل والتفكير في ما قد يتخذه مستقبله من شكل أو أشكال، لا سيما أن رفيقه في الرحلة كان الموسيقار الأميركي آرون كوبلاند... بولز هذا الكاتب الأميركي الذي أقام في طنجة منذ نهاية الأربعينيات من القرن الماضي مع زوجته جين آور، في منزل في المدينة القديمة في منطقة القصبة، غير بعيد عن قبر ابن بطوطة، وبدلاً من المكوث في هذه المدينة صيفاً واحداً، سكن فيها وتناغم مع طبيعتها طوال أربعة عقود ونيف. كان يعتبرها مثل الحلم، فعايش التغييرات التي حلت على طبيعة المدينة وناسها، مثل ظهور جهازي الراديو والتلفزيون، ثم مختلف التقنيات المعاصرة التي اجتاحت العالم.
اختار بولز طنجة لتكون مستقره، واعترف غير مرة أنها كانت مصدر إلهامه، إذ كان مجتمعها يوفر له مادة غنية لتأليف أعمال حول الثقافة المغربية، خصوصاً أنه، كما صرح بذلك، كان يكتب للأوروبيين والأميركيين وليس للمغاربة.
محاولات شعرية
ومع أن بولز كان يعتبر نفسه شاعراً، إذ نشر بعض القصائد في مجلة سوريالية باللغة الفرنسية، وكان في السابعة عشرة عندما نشرت مجلّة «تحوّل» الطليعية في باريس قصائده الأولى، وبدا فيها منحازاً إلى «الكتابة الآلية»، فإن الأديبة والناقدة شتاين كانت تعتبر هذه المحاولات مجرد تفاهات تثير اشمئزازها أكثر من إعجابها. ومع ذلك واصل كتابة الشعر وتأليف الموسيقى وكانت طنجة المبتدأ والخبر في سيرة حياة كان عنوانها العريض الارتحال بين جغرافيات طبيعية وثقافية مختلفة.
كتب بولز أيضاً نصوصاً إبداعية تتراوح بين الرحلة وبين القصة القصيرة والرواية، وكان المتن هنا كما في اللحمة في توليفاته الموسيقية أحداثاً وشخصيات تستنبط من واقع طنجة ومن مدن إنسانية أخرى شدت نظره.
والحال أن ما نقرأه مجموعاً في سيرة بولز يبدو كأننا اطلعنا عليه في سير أدباء طنجة ورواتها وشعرائها، بدءاً من رواة طنجة وأقوالهم إلى كتاب {بول بولز وعزلة طنجة} بقلم الروائي المغربي محمد شكري، وهو محاولة لتصفية حساب قديم، حساب مع بولز يتعدى العلاقة الشخصية ليكتسب أبعاداً ثقافية وربما تاريخية. فقد كان لبولز الفضل في التعريف بإنتاج شكري ومحمد المرابط الشفوي والروائي على الصعيد الأنكلوساكسوني، واتهماه في أحاديث صحفية بالنصب والتدليس والتحايل على حقوقهما الأدبية من دون أن يتمكنا من البرهنة على ذلك. لكن بول بولز لم يكن قلقاً قط على وضعه الاعتباري رغم كل شيء: كان يعتقد أن أحداً لن يهرب من مصيره، وكان يتساءل أحياناً ما إذا كانت نزعته القدرية جاءته من إقامته الطويلة بين المغاربة، أم أنه اختار العيش بينهم لأن قدريته وجدت صداها فيهم.
بولز الذي عشق طنجة وعاش فيها لأكثر من 50 عاماً، لم يكن مغربياً ولم يكن أميركيا، وفي ثقافته كان مقرباً من الفرنسيين، أسهم في أسطرة المدينة المغربية من خلال الإضاءة على جوانب هامشية فيها، وربما استغلها. كان عرضة للنقد، إذ اتهم من الإعلام السياسي في المغرب، في أوائل الستينيات، بالعمل لحساب المخابرات المركزية الأميركية لمجرد أنه كان يقوم بجولة في أقاليم نائية لتسجيل الموسيقى الشعبية بطلب من خزانة الكونغرس الأميركي. وحينما شرع في نشر ترجماته لمرويات العربي العياشي، ومحمد المرابط، وأحمد اليعقوبي، وجه إليه اليسار الثقافي (عبد الله العروي والطاهر بن جلون الخ)، في خضم موجة نقد الكتابات الاستعمارية، تهم الفلكلورية والسعي إلى نشر صورة {شائهة ومتخلفة} عن المغرب في الخارج.
واللافت أن سيرته ترجمت متأخرة بعدما صدر كثير من أعماله بالعربية من بينها {العقرب} و"السماء الواقية"


بعد مرور 15 عاماً على رحيل بول بولز، ومن خلال سيرته الصادرة عن منشورات {ضفاف} و«الاختلاف} بعنوان {بدون توقف}، نطل عليه لنكتشف جوانب {ألف ليلة وليلة} في علاقة الكاتب الأميركي بمدينة طنجة وعلاقته بالموسيقى والرواة والشعر والفن والمكان والمحرمات وثقافات الشعوب، كيف أن الكتابة تصنع أسطورة مدينة وكيف أن المدينة تصنع أسطورة الكاتب.
يعترف الروائي الأميركي بول بولز (1910 - 1999) «أن كتابة سيرة حياة ليست بالعمل المرضي في أحسن الأحوال. لعلها نوع من الكتابة الصحافية، حيث التقرير، بدل أن يكون تقرير شاهد عيان على الحدث، هو مجرد ذكرى لآخر مرة يتم فيها تذكر ذلك}.
تتضمن سيرة بولز ذاكرته منذ نشأته في بيئة ثقافية متنوعة حتى وصوله إلى المدن المغربية التي كانت حقلاً لاكتشاف الثقافة الشفوية وصناعتها من بعد تسجيلها، وهناك أيضاً تعرَّف إلى الأدباء والكتاب والرسامين. يكتب ذلك كله في رحلة أشبه بالمتاهة مليئة بمعلومات وسرديات ومشهديات المدن.
جاء بولز إلى طنجة بتحريض من الكاتبة الأميركية المقيمة في باريس جترورد شتاين. فقد بدا لها الشاب مشوش الذهن، حائراً بين النوتات الموسيقية ومسالك الشعر وقد ظنَّت أن طنجة بما تجمعه من تناقضات ستتيح متسعاً للتأمل والتفكير في ما قد يتخذه مستقبله من شكل أو أشكال، لا سيما أن رفيقه في الرحلة كان الموسيقار الأميركي آرون كوبلاند... بولز هذا الكاتب الأميركي الذي أقام في طنجة منذ نهاية الأربعينيات من القرن الماضي مع زوجته جين آور، في منزل في المدينة القديمة في منطقة القصبة، غير بعيد عن قبر ابن بطوطة، وبدلاً من المكوث في هذه المدينة صيفاً واحداً، سكن فيها وتناغم مع طبيعتها طوال أربعة عقود ونيف. كان يعتبرها مثل الحلم، فعايش التغييرات التي حلت على طبيعة المدينة وناسها، مثل ظهور جهازي الراديو والتلفزيون، ثم مختلف التقنيات المعاصرة التي اجتاحت العالم.
اختار بولز طنجة لتكون مستقره، واعترف غير مرة أنها كانت مصدر إلهامه، إذ كان مجتمعها يوفر له مادة غنية لتأليف أعمال حول الثقافة المغربية، خصوصاً أنه، كما صرح بذلك، كان يكتب للأوروبيين والأميركيين وليس للمغاربة.
محاولات شعرية
ومع أن بولز كان يعتبر نفسه شاعراً، إذ نشر بعض القصائد في مجلة سوريالية باللغة الفرنسية، وكان في السابعة عشرة عندما نشرت مجلّة «تحوّل» الطليعية في باريس قصائده الأولى، وبدا فيها منحازاً إلى «الكتابة الآلية»، فإن الأديبة والناقدة شتاين كانت تعتبر هذه المحاولات مجرد تفاهات تثير اشمئزازها أكثر من إعجابها. ومع ذلك واصل كتابة الشعر وتأليف الموسيقى وكانت طنجة المبتدأ والخبر في سيرة حياة كان عنوانها العريض الارتحال بين جغرافيات طبيعية وثقافية مختلفة.
كتب بولز أيضاً نصوصاً إبداعية تتراوح بين الرحلة وبين القصة القصيرة والرواية، وكان المتن هنا كما في اللحمة في توليفاته الموسيقية أحداثاً وشخصيات تستنبط من واقع طنجة ومن مدن إنسانية أخرى شدت نظره.
والحال أن ما نقرأه مجموعاً في سيرة بولز يبدو كأننا اطلعنا عليه في سير أدباء طنجة ورواتها وشعرائها، بدءاً من رواة طنجة وأقوالهم إلى كتاب {بول بولز وعزلة طنجة} بقلم الروائي المغربي محمد شكري، وهو محاولة لتصفية حساب قديم، حساب مع بولز يتعدى العلاقة الشخصية ليكتسب أبعاداً ثقافية وربما تاريخية. فقد كان لبولز الفضل في التعريف بإنتاج شكري ومحمد المرابط الشفوي والروائي على الصعيد الأنكلوساكسوني، واتهماه في أحاديث صحفية بالنصب والتدليس والتحايل على حقوقهما الأدبية من دون أن يتمكنا من البرهنة على ذلك. لكن بول بولز لم يكن قلقاً قط على وضعه الاعتباري رغم كل شيء: كان يعتقد أن أحداً لن يهرب من مصيره، وكان يتساءل أحياناً ما إذا كانت نزعته القدرية جاءته من إقامته الطويلة بين المغاربة، أم أنه اختار العيش بينهم لأن قدريته وجدت صداها فيهم.
بولز الذي عشق طنجة وعاش فيها لأكثر من 50 عاماً، لم يكن مغربياً ولم يكن أميركيا، وفي ثقافته كان مقرباً من الفرنسيين، أسهم في أسطرة المدينة المغربية من خلال الإضاءة على جوانب هامشية فيها، وربما استغلها. كان عرضة للنقد، إذ اتهم من الإعلام السياسي في المغرب، في أوائل الستينيات، بالعمل لحساب المخابرات المركزية الأميركية لمجرد أنه كان يقوم بجولة في أقاليم نائية لتسجيل الموسيقى الشعبية بطلب من خزانة الكونغرس الأميركي. وحينما شرع في نشر ترجماته لمرويات العربي العياشي، ومحمد المرابط، وأحمد اليعقوبي، وجه إليه اليسار الثقافي (عبد الله العروي والطاهر بن جلون الخ)، في خضم موجة نقد الكتابات الاستعمارية، تهم الفلكلورية والسعي إلى نشر صورة {شائهة ومتخلفة} عن المغرب في الخارج.
واللافت أن سيرته ترجمت متأخرة بعدما صدر كثير من أعماله بالعربية من بينها {العقرب} و«السماء الواقية}.
- See more at: http://tanja.tv/news.php?extend.2050#sthash.Yjc4t3Ym.dpuf
بعد مرور 15 عاماً على رحيل بول بولز، ومن خلال سيرته الصادرة عن منشورات {ضفاف} و«الاختلاف} بعنوان {بدون توقف}، نطل عليه لنكتشف جوانب {ألف ليلة وليلة} في علاقة الكاتب الأميركي بمدينة طنجة وعلاقته بالموسيقى والرواة والشعر والفن والمكان والمحرمات وثقافات الشعوب، كيف أن الكتابة تصنع أسطورة مدينة وكيف أن المدينة تصنع أسطورة الكاتب.
يعترف الروائي الأميركي بول بولز (1910 - 1999) «أن كتابة سيرة حياة ليست بالعمل المرضي في أحسن الأحوال. لعلها نوع من الكتابة الصحافية، حيث التقرير، بدل أن يكون تقرير شاهد عيان على الحدث، هو مجرد ذكرى لآخر مرة يتم فيها تذكر ذلك}.
تتضمن سيرة بولز ذاكرته منذ نشأته في بيئة ثقافية متنوعة حتى وصوله إلى المدن المغربية التي كانت حقلاً لاكتشاف الثقافة الشفوية وصناعتها من بعد تسجيلها، وهناك أيضاً تعرَّف إلى الأدباء والكتاب والرسامين. يكتب ذلك كله في رحلة أشبه بالمتاهة مليئة بمعلومات وسرديات ومشهديات المدن.
جاء بولز إلى طنجة بتحريض من الكاتبة الأميركية المقيمة في باريس جترورد شتاين. فقد بدا لها الشاب مشوش الذهن، حائراً بين النوتات الموسيقية ومسالك الشعر وقد ظنَّت أن طنجة بما تجمعه من تناقضات ستتيح متسعاً للتأمل والتفكير في ما قد يتخذه مستقبله من شكل أو أشكال، لا سيما أن رفيقه في الرحلة كان الموسيقار الأميركي آرون كوبلاند... بولز هذا الكاتب الأميركي الذي أقام في طنجة منذ نهاية الأربعينيات من القرن الماضي مع زوجته جين آور، في منزل في المدينة القديمة في منطقة القصبة، غير بعيد عن قبر ابن بطوطة، وبدلاً من المكوث في هذه المدينة صيفاً واحداً، سكن فيها وتناغم مع طبيعتها طوال أربعة عقود ونيف. كان يعتبرها مثل الحلم، فعايش التغييرات التي حلت على طبيعة المدينة وناسها، مثل ظهور جهازي الراديو والتلفزيون، ثم مختلف التقنيات المعاصرة التي اجتاحت العالم.
اختار بولز طنجة لتكون مستقره، واعترف غير مرة أنها كانت مصدر إلهامه، إذ كان مجتمعها يوفر له مادة غنية لتأليف أعمال حول الثقافة المغربية، خصوصاً أنه، كما صرح بذلك، كان يكتب للأوروبيين والأميركيين وليس للمغاربة.
محاولات شعرية
ومع أن بولز كان يعتبر نفسه شاعراً، إذ نشر بعض القصائد في مجلة سوريالية باللغة الفرنسية، وكان في السابعة عشرة عندما نشرت مجلّة «تحوّل» الطليعية في باريس قصائده الأولى، وبدا فيها منحازاً إلى «الكتابة الآلية»، فإن الأديبة والناقدة شتاين كانت تعتبر هذه المحاولات مجرد تفاهات تثير اشمئزازها أكثر من إعجابها. ومع ذلك واصل كتابة الشعر وتأليف الموسيقى وكانت طنجة المبتدأ والخبر في سيرة حياة كان عنوانها العريض الارتحال بين جغرافيات طبيعية وثقافية مختلفة.
كتب بولز أيضاً نصوصاً إبداعية تتراوح بين الرحلة وبين القصة القصيرة والرواية، وكان المتن هنا كما في اللحمة في توليفاته الموسيقية أحداثاً وشخصيات تستنبط من واقع طنجة ومن مدن إنسانية أخرى شدت نظره.
والحال أن ما نقرأه مجموعاً في سيرة بولز يبدو كأننا اطلعنا عليه في سير أدباء طنجة ورواتها وشعرائها، بدءاً من رواة طنجة وأقوالهم إلى كتاب {بول بولز وعزلة طنجة} بقلم الروائي المغربي محمد شكري، وهو محاولة لتصفية حساب قديم، حساب مع بولز يتعدى العلاقة الشخصية ليكتسب أبعاداً ثقافية وربما تاريخية. فقد كان لبولز الفضل في التعريف بإنتاج شكري ومحمد المرابط الشفوي والروائي على الصعيد الأنكلوساكسوني، واتهماه في أحاديث صحفية بالنصب والتدليس والتحايل على حقوقهما الأدبية من دون أن يتمكنا من البرهنة على ذلك. لكن بول بولز لم يكن قلقاً قط على وضعه الاعتباري رغم كل شيء: كان يعتقد أن أحداً لن يهرب من مصيره، وكان يتساءل أحياناً ما إذا كانت نزعته القدرية جاءته من إقامته الطويلة بين المغاربة، أم أنه اختار العيش بينهم لأن قدريته وجدت صداها فيهم.
بولز الذي عشق طنجة وعاش فيها لأكثر من 50 عاماً، لم يكن مغربياً ولم يكن أميركيا، وفي ثقافته كان مقرباً من الفرنسيين، أسهم في أسطرة المدينة المغربية من خلال الإضاءة على جوانب هامشية فيها، وربما استغلها. كان عرضة للنقد، إذ اتهم من الإعلام السياسي في المغرب، في أوائل الستينيات، بالعمل لحساب المخابرات المركزية الأميركية لمجرد أنه كان يقوم بجولة في أقاليم نائية لتسجيل الموسيقى الشعبية بطلب من خزانة الكونغرس الأميركي. وحينما شرع في نشر ترجماته لمرويات العربي العياشي، ومحمد المرابط، وأحمد اليعقوبي، وجه إليه اليسار الثقافي (عبد الله العروي والطاهر بن جلون الخ)، في خضم موجة نقد الكتابات الاستعمارية، تهم الفلكلورية والسعي إلى نشر صورة {شائهة ومتخلفة} عن المغرب في الخارج.
واللافت أن سيرته ترجمت متأخرة بعدما صدر كثير من أعماله بالعربية من بينها {العقرب} و«السماء الواقية}.
- See more at: http://tanja.tv/news.php?extend.2050#sthash.Yjc4t3Ym.dpuf


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.