طنجة.. توقيف المتورط الرئيسي في سرقة قبعة "كوتشي" بحي بئر الشعيري    "كان فوتسال السيدات" يفرح السايح    عادل الفقير    محمد وهبي: كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة (مصر – 2025).. "أشبال الأطلس" يطموحون للذهاب بعيدا في هذا العرس الكروي    حكومة أخنوش تُطلق أكبر مراجعة للأجور والحماية الاجتماعية    الملك يهنئ أعضاء المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة للسيدات بمناسبة فوزه بكأس إفريقيا للأمم 2025    نواب بريطانيون عن الصحراء المغربية: مخطط الحكم الذاتي محفّز حقيقي للتنمية والاستقرار في المنطقة بأكملها    سيدات القاعة يفلتن من فخ تنزانيا في ليلة التتويج بلقب كأس إفريقيا    افتتاح فندق فاخر يعزز العرض السياحي بمدينة طنجة    ترامب يستقبل رئيس الوزراء الكندي    انطلاقة أشغال المركز الفيدرالي لتكوين لاعبي كرة القدم بالقصر الكبير    منتخب المغرب لأقل من 20 سنة يدخل غمار كاس افريقيا للأمم غدا بمصر    بهدف قاتل.. منتخب السيدات للفوتسال يتوج بلقب الكان في أول نسخة    زخات رعدية مصحوبة بتساقط البرد وهبات رياح قوية مرتقبة بعدد من أقاليم المملكة    جهة طنجة-تطوان-الحسيمة تتصدر تعيينات الأطباء المتخصصين لسنة 2025 ب97 منصباً جديداً    طنجة .. كرنفال مدرسي يضفي على الشوارع جمالية بديعة وألوانا بهيجة    عبد النباوي: العقوبات البديلة علامة فارقة في مسار السياسة الجنائية بالمغرب    الاستيلاء على سيارة شرطي وسرقة سلاحه الوظيفي على يد مخمورين يستنفر الأجهزة الأمنية    خبير صيني يحذر: مساعي الولايات المتحدة لإعادة الصناعات التحويلية إلى أراضيها قد تُفضي إلى نتائج عكسية    تجار السمك بالجملة بميناء الحسيمة ينددون بالتهميش ويطالبون بالتحقيق في تدبير عقارات الميناء    سلطات سوريا تلتزم بحماية الدروز    مأسسة الحوار وزيادة الأجور .. مطالب تجمع النقابات عشية "عيد الشغل"    القصر الكبير.. شرطي متقاعد يضع حداً لحياته داخل منزله    موتسيبي: اختيار لقجع قناعة راسخة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    إدريس لشكر …لا ندين بالولاء إلا للمغرب    المغرب يتلقّى دعوة لحضور القمة العربية في العراق    المغرب يواجه حالة جوية مضطربة.. زخات رعدية وهبات رياح قوية    مُدان بسنتين نافذتين.. استئنافية طنجة تؤجل محاكمة مناهض التطبيع رضوان القسطيط    الإنتاج في الصناعات التحويلية.. ارتفاع طفيف في الأسعار خلال مارس الماضي    الشخصية التاريخية: رمزية نظام    فلسفة جاك مونو بين صدفة الحرية والضرورة الطبيعية    دراسة.. الأوروبيون مستعدون للتخلي عن المنتجات الأميركية    وزارة الأوقاف تحذر من الإعلانات المضللة بشأن تأشيرات الحج    العراق ولا شيء آخر على الإطلاق    إلباييس.. المغرب زود إسبانيا ب 5 في المائة من حاجياتها في أزمة الكهرباء    مسؤول أممي: غزة في أخطر مراحل أزمتها الإنسانية والمجاعة قرار إسرائيلي    انطلاق حملة تحرير الملك العام وسط المدينة استعدادا لصيف سياحي منظم وآمن    العلاقة الإسبانية المغربية: تاريخ مشترك وتطلعات للمستقبل    الإمارات تحبط تمرير أسلحة للسودان    ندوة وطنية … الصين بعيون مغربية قراءات في نصوص رحلية مغربية معاصرة إلى الصين    رحلة فنية بين طنجة وغرناطة .. "كرسي الأندلس" يستعيد تجربة فورتوني    ابن يحيى : التوجيهات السامية لجلالة الملك تضع الأسرة في قلب الإصلاحات الوطنية    فيلم "البوز".. عمل فني ينتقد الشهرة الزائفة على "السوشل ميديا"    المغرب يروّج لفرص الاستثمار في الأقاليم الجنوبية خلال معرض "إنوفيشن زيرو" بلندن    مهرجان هوا بياو السينمائي يحتفي بروائع الشاشة الصينية ويكرّم ألمع النجوم    جسور النجاح: احتفاءً بقصص نجاح المغاربة الأمريكيين وإحياءً لمرور 247 عاماً على الصداقة المغربية الأمريكية    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تمنح جائزة عبد الرحمن الصديقي الدكالي للقدس    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بول بولز في سيرته... عودة إلى طنجة الحلم
نشر في طنجة 24 يوم 16 - 07 - 2014

الجريدة : بعد مرور 15 عاماً على رحيل بول بولز، ومن خلال سيرته الصادرة عن منشورات {ضفاف} و«الاختلاف} بعنوان {بدون توقف}، نطل عليه لنكتشف جوانب {ألف ليلة وليلة} في علاقة الكاتب الأميركي بمدينة طنجة وعلاقته بالموسيقى والرواة والشعر والفن والمكان والمحرمات وثقافات الشعوب، كيف أن الكتابة تصنع أسطورة مدينة وكيف أن المدينة تصنع أسطورة الكاتب.
يعترف الروائي الأميركي بول بولز (1910 - 1999) «أن كتابة سيرة حياة ليست بالعمل المرضي في أحسن الأحوال. لعلها نوع من الكتابة الصحافية، حيث التقرير، بدل أن يكون تقرير شاهد عيان على الحدث، هو مجرد ذكرى لآخر مرة يتم فيها تذكر ذلك}.
تتضمن سيرة بولز ذاكرته منذ نشأته في بيئة ثقافية متنوعة حتى وصوله إلى المدن المغربية التي كانت حقلاً لاكتشاف الثقافة الشفوية وصناعتها من بعد تسجيلها، وهناك أيضاً تعرَّف إلى الأدباء والكتاب والرسامين. يكتب ذلك كله في رحلة أشبه بالمتاهة مليئة بمعلومات وسرديات ومشهديات المدن.
جاء بولز إلى طنجة بتحريض من الكاتبة الأميركية المقيمة في باريس جترورد شتاين. فقد بدا لها الشاب مشوش الذهن، حائراً بين النوتات الموسيقية ومسالك الشعر وقد ظنَّت أن طنجة بما تجمعه من تناقضات ستتيح متسعاً للتأمل والتفكير في ما قد يتخذه مستقبله من شكل أو أشكال، لا سيما أن رفيقه في الرحلة كان الموسيقار الأميركي آرون كوبلاند... بولز هذا الكاتب الأميركي الذي أقام في طنجة منذ نهاية الأربعينيات من القرن الماضي مع زوجته جين آور، في منزل في المدينة القديمة في منطقة القصبة، غير بعيد عن قبر ابن بطوطة، وبدلاً من المكوث في هذه المدينة صيفاً واحداً، سكن فيها وتناغم مع طبيعتها طوال أربعة عقود ونيف. كان يعتبرها مثل الحلم، فعايش التغييرات التي حلت على طبيعة المدينة وناسها، مثل ظهور جهازي الراديو والتلفزيون، ثم مختلف التقنيات المعاصرة التي اجتاحت العالم.
اختار بولز طنجة لتكون مستقره، واعترف غير مرة أنها كانت مصدر إلهامه، إذ كان مجتمعها يوفر له مادة غنية لتأليف أعمال حول الثقافة المغربية، خصوصاً أنه، كما صرح بذلك، كان يكتب للأوروبيين والأميركيين وليس للمغاربة.
محاولات شعرية
ومع أن بولز كان يعتبر نفسه شاعراً، إذ نشر بعض القصائد في مجلة سوريالية باللغة الفرنسية، وكان في السابعة عشرة عندما نشرت مجلّة «تحوّل» الطليعية في باريس قصائده الأولى، وبدا فيها منحازاً إلى «الكتابة الآلية»، فإن الأديبة والناقدة شتاين كانت تعتبر هذه المحاولات مجرد تفاهات تثير اشمئزازها أكثر من إعجابها. ومع ذلك واصل كتابة الشعر وتأليف الموسيقى وكانت طنجة المبتدأ والخبر في سيرة حياة كان عنوانها العريض الارتحال بين جغرافيات طبيعية وثقافية مختلفة.
كتب بولز أيضاً نصوصاً إبداعية تتراوح بين الرحلة وبين القصة القصيرة والرواية، وكان المتن هنا كما في اللحمة في توليفاته الموسيقية أحداثاً وشخصيات تستنبط من واقع طنجة ومن مدن إنسانية أخرى شدت نظره.
والحال أن ما نقرأه مجموعاً في سيرة بولز يبدو كأننا اطلعنا عليه في سير أدباء طنجة ورواتها وشعرائها، بدءاً من رواة طنجة وأقوالهم إلى كتاب {بول بولز وعزلة طنجة} بقلم الروائي المغربي محمد شكري، وهو محاولة لتصفية حساب قديم، حساب مع بولز يتعدى العلاقة الشخصية ليكتسب أبعاداً ثقافية وربما تاريخية. فقد كان لبولز الفضل في التعريف بإنتاج شكري ومحمد المرابط الشفوي والروائي على الصعيد الأنكلوساكسوني، واتهماه في أحاديث صحفية بالنصب والتدليس والتحايل على حقوقهما الأدبية من دون أن يتمكنا من البرهنة على ذلك. لكن بول بولز لم يكن قلقاً قط على وضعه الاعتباري رغم كل شيء: كان يعتقد أن أحداً لن يهرب من مصيره، وكان يتساءل أحياناً ما إذا كانت نزعته القدرية جاءته من إقامته الطويلة بين المغاربة، أم أنه اختار العيش بينهم لأن قدريته وجدت صداها فيهم.
بولز الذي عشق طنجة وعاش فيها لأكثر من 50 عاماً، لم يكن مغربياً ولم يكن أميركيا، وفي ثقافته كان مقرباً من الفرنسيين، أسهم في أسطرة المدينة المغربية من خلال الإضاءة على جوانب هامشية فيها، وربما استغلها. كان عرضة للنقد، إذ اتهم من الإعلام السياسي في المغرب، في أوائل الستينيات، بالعمل لحساب المخابرات المركزية الأميركية لمجرد أنه كان يقوم بجولة في أقاليم نائية لتسجيل الموسيقى الشعبية بطلب من خزانة الكونغرس الأميركي. وحينما شرع في نشر ترجماته لمرويات العربي العياشي، ومحمد المرابط، وأحمد اليعقوبي، وجه إليه اليسار الثقافي (عبد الله العروي والطاهر بن جلون الخ)، في خضم موجة نقد الكتابات الاستعمارية، تهم الفلكلورية والسعي إلى نشر صورة {شائهة ومتخلفة} عن المغرب في الخارج.
واللافت أن سيرته ترجمت متأخرة بعدما صدر كثير من أعماله بالعربية من بينها {العقرب} و"السماء الواقية"


بعد مرور 15 عاماً على رحيل بول بولز، ومن خلال سيرته الصادرة عن منشورات {ضفاف} و«الاختلاف} بعنوان {بدون توقف}، نطل عليه لنكتشف جوانب {ألف ليلة وليلة} في علاقة الكاتب الأميركي بمدينة طنجة وعلاقته بالموسيقى والرواة والشعر والفن والمكان والمحرمات وثقافات الشعوب، كيف أن الكتابة تصنع أسطورة مدينة وكيف أن المدينة تصنع أسطورة الكاتب.
يعترف الروائي الأميركي بول بولز (1910 - 1999) «أن كتابة سيرة حياة ليست بالعمل المرضي في أحسن الأحوال. لعلها نوع من الكتابة الصحافية، حيث التقرير، بدل أن يكون تقرير شاهد عيان على الحدث، هو مجرد ذكرى لآخر مرة يتم فيها تذكر ذلك}.
تتضمن سيرة بولز ذاكرته منذ نشأته في بيئة ثقافية متنوعة حتى وصوله إلى المدن المغربية التي كانت حقلاً لاكتشاف الثقافة الشفوية وصناعتها من بعد تسجيلها، وهناك أيضاً تعرَّف إلى الأدباء والكتاب والرسامين. يكتب ذلك كله في رحلة أشبه بالمتاهة مليئة بمعلومات وسرديات ومشهديات المدن.
جاء بولز إلى طنجة بتحريض من الكاتبة الأميركية المقيمة في باريس جترورد شتاين. فقد بدا لها الشاب مشوش الذهن، حائراً بين النوتات الموسيقية ومسالك الشعر وقد ظنَّت أن طنجة بما تجمعه من تناقضات ستتيح متسعاً للتأمل والتفكير في ما قد يتخذه مستقبله من شكل أو أشكال، لا سيما أن رفيقه في الرحلة كان الموسيقار الأميركي آرون كوبلاند... بولز هذا الكاتب الأميركي الذي أقام في طنجة منذ نهاية الأربعينيات من القرن الماضي مع زوجته جين آور، في منزل في المدينة القديمة في منطقة القصبة، غير بعيد عن قبر ابن بطوطة، وبدلاً من المكوث في هذه المدينة صيفاً واحداً، سكن فيها وتناغم مع طبيعتها طوال أربعة عقود ونيف. كان يعتبرها مثل الحلم، فعايش التغييرات التي حلت على طبيعة المدينة وناسها، مثل ظهور جهازي الراديو والتلفزيون، ثم مختلف التقنيات المعاصرة التي اجتاحت العالم.
اختار بولز طنجة لتكون مستقره، واعترف غير مرة أنها كانت مصدر إلهامه، إذ كان مجتمعها يوفر له مادة غنية لتأليف أعمال حول الثقافة المغربية، خصوصاً أنه، كما صرح بذلك، كان يكتب للأوروبيين والأميركيين وليس للمغاربة.
محاولات شعرية
ومع أن بولز كان يعتبر نفسه شاعراً، إذ نشر بعض القصائد في مجلة سوريالية باللغة الفرنسية، وكان في السابعة عشرة عندما نشرت مجلّة «تحوّل» الطليعية في باريس قصائده الأولى، وبدا فيها منحازاً إلى «الكتابة الآلية»، فإن الأديبة والناقدة شتاين كانت تعتبر هذه المحاولات مجرد تفاهات تثير اشمئزازها أكثر من إعجابها. ومع ذلك واصل كتابة الشعر وتأليف الموسيقى وكانت طنجة المبتدأ والخبر في سيرة حياة كان عنوانها العريض الارتحال بين جغرافيات طبيعية وثقافية مختلفة.
كتب بولز أيضاً نصوصاً إبداعية تتراوح بين الرحلة وبين القصة القصيرة والرواية، وكان المتن هنا كما في اللحمة في توليفاته الموسيقية أحداثاً وشخصيات تستنبط من واقع طنجة ومن مدن إنسانية أخرى شدت نظره.
والحال أن ما نقرأه مجموعاً في سيرة بولز يبدو كأننا اطلعنا عليه في سير أدباء طنجة ورواتها وشعرائها، بدءاً من رواة طنجة وأقوالهم إلى كتاب {بول بولز وعزلة طنجة} بقلم الروائي المغربي محمد شكري، وهو محاولة لتصفية حساب قديم، حساب مع بولز يتعدى العلاقة الشخصية ليكتسب أبعاداً ثقافية وربما تاريخية. فقد كان لبولز الفضل في التعريف بإنتاج شكري ومحمد المرابط الشفوي والروائي على الصعيد الأنكلوساكسوني، واتهماه في أحاديث صحفية بالنصب والتدليس والتحايل على حقوقهما الأدبية من دون أن يتمكنا من البرهنة على ذلك. لكن بول بولز لم يكن قلقاً قط على وضعه الاعتباري رغم كل شيء: كان يعتقد أن أحداً لن يهرب من مصيره، وكان يتساءل أحياناً ما إذا كانت نزعته القدرية جاءته من إقامته الطويلة بين المغاربة، أم أنه اختار العيش بينهم لأن قدريته وجدت صداها فيهم.
بولز الذي عشق طنجة وعاش فيها لأكثر من 50 عاماً، لم يكن مغربياً ولم يكن أميركيا، وفي ثقافته كان مقرباً من الفرنسيين، أسهم في أسطرة المدينة المغربية من خلال الإضاءة على جوانب هامشية فيها، وربما استغلها. كان عرضة للنقد، إذ اتهم من الإعلام السياسي في المغرب، في أوائل الستينيات، بالعمل لحساب المخابرات المركزية الأميركية لمجرد أنه كان يقوم بجولة في أقاليم نائية لتسجيل الموسيقى الشعبية بطلب من خزانة الكونغرس الأميركي. وحينما شرع في نشر ترجماته لمرويات العربي العياشي، ومحمد المرابط، وأحمد اليعقوبي، وجه إليه اليسار الثقافي (عبد الله العروي والطاهر بن جلون الخ)، في خضم موجة نقد الكتابات الاستعمارية، تهم الفلكلورية والسعي إلى نشر صورة {شائهة ومتخلفة} عن المغرب في الخارج.
واللافت أن سيرته ترجمت متأخرة بعدما صدر كثير من أعماله بالعربية من بينها {العقرب} و«السماء الواقية}.
- See more at: http://tanja.tv/news.php?extend.2050#sthash.Yjc4t3Ym.dpuf
بعد مرور 15 عاماً على رحيل بول بولز، ومن خلال سيرته الصادرة عن منشورات {ضفاف} و«الاختلاف} بعنوان {بدون توقف}، نطل عليه لنكتشف جوانب {ألف ليلة وليلة} في علاقة الكاتب الأميركي بمدينة طنجة وعلاقته بالموسيقى والرواة والشعر والفن والمكان والمحرمات وثقافات الشعوب، كيف أن الكتابة تصنع أسطورة مدينة وكيف أن المدينة تصنع أسطورة الكاتب.
يعترف الروائي الأميركي بول بولز (1910 - 1999) «أن كتابة سيرة حياة ليست بالعمل المرضي في أحسن الأحوال. لعلها نوع من الكتابة الصحافية، حيث التقرير، بدل أن يكون تقرير شاهد عيان على الحدث، هو مجرد ذكرى لآخر مرة يتم فيها تذكر ذلك}.
تتضمن سيرة بولز ذاكرته منذ نشأته في بيئة ثقافية متنوعة حتى وصوله إلى المدن المغربية التي كانت حقلاً لاكتشاف الثقافة الشفوية وصناعتها من بعد تسجيلها، وهناك أيضاً تعرَّف إلى الأدباء والكتاب والرسامين. يكتب ذلك كله في رحلة أشبه بالمتاهة مليئة بمعلومات وسرديات ومشهديات المدن.
جاء بولز إلى طنجة بتحريض من الكاتبة الأميركية المقيمة في باريس جترورد شتاين. فقد بدا لها الشاب مشوش الذهن، حائراً بين النوتات الموسيقية ومسالك الشعر وقد ظنَّت أن طنجة بما تجمعه من تناقضات ستتيح متسعاً للتأمل والتفكير في ما قد يتخذه مستقبله من شكل أو أشكال، لا سيما أن رفيقه في الرحلة كان الموسيقار الأميركي آرون كوبلاند... بولز هذا الكاتب الأميركي الذي أقام في طنجة منذ نهاية الأربعينيات من القرن الماضي مع زوجته جين آور، في منزل في المدينة القديمة في منطقة القصبة، غير بعيد عن قبر ابن بطوطة، وبدلاً من المكوث في هذه المدينة صيفاً واحداً، سكن فيها وتناغم مع طبيعتها طوال أربعة عقود ونيف. كان يعتبرها مثل الحلم، فعايش التغييرات التي حلت على طبيعة المدينة وناسها، مثل ظهور جهازي الراديو والتلفزيون، ثم مختلف التقنيات المعاصرة التي اجتاحت العالم.
اختار بولز طنجة لتكون مستقره، واعترف غير مرة أنها كانت مصدر إلهامه، إذ كان مجتمعها يوفر له مادة غنية لتأليف أعمال حول الثقافة المغربية، خصوصاً أنه، كما صرح بذلك، كان يكتب للأوروبيين والأميركيين وليس للمغاربة.
محاولات شعرية
ومع أن بولز كان يعتبر نفسه شاعراً، إذ نشر بعض القصائد في مجلة سوريالية باللغة الفرنسية، وكان في السابعة عشرة عندما نشرت مجلّة «تحوّل» الطليعية في باريس قصائده الأولى، وبدا فيها منحازاً إلى «الكتابة الآلية»، فإن الأديبة والناقدة شتاين كانت تعتبر هذه المحاولات مجرد تفاهات تثير اشمئزازها أكثر من إعجابها. ومع ذلك واصل كتابة الشعر وتأليف الموسيقى وكانت طنجة المبتدأ والخبر في سيرة حياة كان عنوانها العريض الارتحال بين جغرافيات طبيعية وثقافية مختلفة.
كتب بولز أيضاً نصوصاً إبداعية تتراوح بين الرحلة وبين القصة القصيرة والرواية، وكان المتن هنا كما في اللحمة في توليفاته الموسيقية أحداثاً وشخصيات تستنبط من واقع طنجة ومن مدن إنسانية أخرى شدت نظره.
والحال أن ما نقرأه مجموعاً في سيرة بولز يبدو كأننا اطلعنا عليه في سير أدباء طنجة ورواتها وشعرائها، بدءاً من رواة طنجة وأقوالهم إلى كتاب {بول بولز وعزلة طنجة} بقلم الروائي المغربي محمد شكري، وهو محاولة لتصفية حساب قديم، حساب مع بولز يتعدى العلاقة الشخصية ليكتسب أبعاداً ثقافية وربما تاريخية. فقد كان لبولز الفضل في التعريف بإنتاج شكري ومحمد المرابط الشفوي والروائي على الصعيد الأنكلوساكسوني، واتهماه في أحاديث صحفية بالنصب والتدليس والتحايل على حقوقهما الأدبية من دون أن يتمكنا من البرهنة على ذلك. لكن بول بولز لم يكن قلقاً قط على وضعه الاعتباري رغم كل شيء: كان يعتقد أن أحداً لن يهرب من مصيره، وكان يتساءل أحياناً ما إذا كانت نزعته القدرية جاءته من إقامته الطويلة بين المغاربة، أم أنه اختار العيش بينهم لأن قدريته وجدت صداها فيهم.
بولز الذي عشق طنجة وعاش فيها لأكثر من 50 عاماً، لم يكن مغربياً ولم يكن أميركيا، وفي ثقافته كان مقرباً من الفرنسيين، أسهم في أسطرة المدينة المغربية من خلال الإضاءة على جوانب هامشية فيها، وربما استغلها. كان عرضة للنقد، إذ اتهم من الإعلام السياسي في المغرب، في أوائل الستينيات، بالعمل لحساب المخابرات المركزية الأميركية لمجرد أنه كان يقوم بجولة في أقاليم نائية لتسجيل الموسيقى الشعبية بطلب من خزانة الكونغرس الأميركي. وحينما شرع في نشر ترجماته لمرويات العربي العياشي، ومحمد المرابط، وأحمد اليعقوبي، وجه إليه اليسار الثقافي (عبد الله العروي والطاهر بن جلون الخ)، في خضم موجة نقد الكتابات الاستعمارية، تهم الفلكلورية والسعي إلى نشر صورة {شائهة ومتخلفة} عن المغرب في الخارج.
واللافت أن سيرته ترجمت متأخرة بعدما صدر كثير من أعماله بالعربية من بينها {العقرب} و«السماء الواقية}.
- See more at: http://tanja.tv/news.php?extend.2050#sthash.Yjc4t3Ym.dpuf


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.