وصلنا مقالان تحليليان ننشرهما تباعا خلال هذه المادة، كل واحد يشرح فيه اسباب ودواعي عدم ادماج كل من القاضي السابق جعفر حسون، والميلياردير سمير عبد المولى في الأمانة العامة، المقال الأول للزميل محمد الريفي والثاني لعزيز الدادسي.
نهاية مأساوية لجعفر حسون وسمير عبد المولى داخل العدالة والتنمية بقلم محمد الريفي
يظهر أن دعاة حزب العدالة والتنمية أداروا مؤتمرهم بحنكة تامة كانت في غاية من الذكاء والحكمة، فبعد أن استنفذوا كل ما أرادوه من بعض اللاجئين إليه رموهم كأي منديل إلى القمامة. و لعل لجوء القاضي السابق جعفر حسون بعد طرده من سلك القضاء، لأسباب معروفة، كان الغرض منها هو البحث عن مهنة جديدة قريبة من القضاء والسلطة وبعيدة عن مهنة "المياوم" فلم يجد من جلباب يلبسه سوى جلبابا سياسيا باسم العدالة والتنمية لتلميع صورته من جهة، وكسب عطف الجماهير من جهة أخرى، فكانت نهايته التي بدأت منذ منعه من خوض غمار الانتخابات التشريعية الأخيرة، حسب ما ينص عليه القانون التنظيمي لجلس النواب اذ أن البند السابع من القانون التنظيمي لمجلس النواب يضع القضاة في قائمة الأشخاص غير المؤهلين للترشح لعضوية مجلس النواب في مجموع أنحاء المملكة الذين انتهوا من مزاولة مهامهم منذ اقل من سنة من تاريخ الاقتراع، فحزب المصباح الذي كان يوهم حسون بأنه منيره الوحيد ومستقبله الزاهر تفاجأ و للمرة الثانية انه ممنوع من مزاولة أي "مهنة" تضع في موقع المسؤولية كيفما كان نوعها في هياكل ودواليب حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة المغربية، فكانت لعبة "عامرة في الخاوية" وضعت حسون على هامش الطريق في انتظار من ينقله الى حيث يدري الجميع. الشيء نفسه، للبرلماني و رجل أعمال سمير عبد المولى، ثري مدينة طنجة، وصاحب شركتي "كوماريت" و"كوماناف" وهما قاب قوسين أو اذنى من الإفلاس، خرج من المؤتمر السابع لحزب العدالة والتنمية دون ان يضفر بمقعد العضوية في الأمانة العامة لحزب ابن كيران، في الوقت الذي كان يعتبر من "أعيان الحزب" وممولا لأنشطته. قد تكون للبعض قراءة ديمقراطية للموضوع، فيعتبر غياب كل من حسون وعبد المولى بالإضافة إلى عبد العزيز أفتاتي والمقرئ ابو زيد وجامع المعتصم ناتج عن سلطة صناديق الاقتراع ولا للحيلة في أي تدخل لإقصائهم، لكن العكس هو ما حصل، فكانت ديمقراطية ابن كيران ورفاقه، وعلى رأسهم العقل المدبر باها، هي الحذر من هؤلاء ووضع كل الاحتمالات مع دراستها من أجل قطع الطريق عنهم ورميهم إلى مزبلة التاريخ، فالسياسية لا تؤمن بالديمقراطية حين تريد الحفاظ عن مصالحها.
اليس لكل زمان رجاله؟
بنكيران يتخلى عن حسون وعبد المولى كأوراق "الكلينيكس" بقلم عزيز الدادسي خلال الإنتخابات التشريعية الأخيرة التي أوصلت حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، ظهر بنكيران وهو يرفع يدي القاضي السابق جعفر حسون وصاحب كوماريت سمير عبد المولى، كان الثلاثة في قمة الفرح والإنتشاء، وكانت الصورة بحق تعبر عن طريقة تدبير حزب العدالة والتنمية للراهن السياسي من خلال الدفع ببعض الوجوه كورقة ضغط في صراعه مع الدولة ومع شخصيات نافذة في البلد. خلال تلك الفترة قرر بنكيران ورفاقه لعب ورقة الرجلين لتحقيق بعض المكاسب السياسية، فالأول خرج للتو من معركة خاسرة قادها ضد وزارة العدل انتهت بتوقيفه فكان ضروريا أن يبحث عن مظلة اشتراكية وبعدما لفظه اليساريون توجه توا إلى حيث مرفأ العدالة والتنمية فنزل سهلا وحل أهلا، والثاني صاحب شركة كوماريت التي جعلت مئات من البحارة المغاربة خارج الزمن والتاريخ بعدما علقوا بمينائي سيت والجزيرة الخضراء رفقة بواخر الشركة التي جرى احتجازها، غادر حزب الأصالة والمعاصرة ووضع مفاتيح عمودية طنجة بعدما أرهقته المشاكل. وما بين 25 نونبر و13 يوليوز وقعت كثير من الأمور بل وتغيرت خارطة السياسة المغربية، فصعد العدالة والتنمية إلى الحكم، وعين بنكيران رئيسا للحكومة وباشرت المصالح الأمنية سلسلة اعتقالات في صفوف مسؤولين ونقابيين عن شركة كوماناف، والتي لابد أن تفضح كثيرا من الملفات، كان واضحا وبنكيران يتخذ قرار إلحاق حسون بالأمانة العامة أن الأمر يتعلق برسالة مشفرة إلى من يعنيهم الأمر. ولأن الأمور بخواتيمها، فقد وظف حزب العدالة والتنمية الرجلين في حملته الإنتخابية، وقدم الدليل على أن الأمر يتعلق بحزب براغماتي لا تعنيه إلا النتيجة التي سيحصل عليها في النهاية. شراسة العدالة والتنمية وشراهته إلى المسؤولية دفعت به إلى التضحية بالرجلين فتم طردهما من الأمانة العامة عبر صناديق اقتراع متحكم فيها. موقف بنكيران من الرجلين يؤكد أن مهمتهما انتهت، وانتهى ما يربطهما بالحزب الذي وظفهما في حربه ضد أجهزة الدولة وضد أحزاب ظهر منذ الوهلة الأولى أن رفاق بنكيران لا يستسيغون وجودها، ويريدون استئصالها من الجذور لولا أن المناخ الديمقراطي الذي يعيش فيه المغرب حال دون طموحات بنكيران. لقد كان الجاهلون بأدبيات العدالة والتنمية يتوقعون هذه النهاية الكارثية للرجلين ليس فقط لأن حزب المصباح يعتمد ديمقراطية داخلية صارمة أطاحت حتى بأبناء الحزب، ولكن لأن الرجلان استنفذا أسباب بقاءهما في الحزب وتحولا إلى ورقة محروقة ليس إلا، وعبئا ثقيلا على بنكيران خصوصا عبد المولى الذي تورط في مجموعة من المشاكل التي استعصت على الحل، بل وتحولت إلى مشكلة حكومية يصعب حلها بين عشية وضحاها، فكان الحل هو قطع حبل الصرة، ومعه قطع كل أسباب ارتماء الرجلين بين أحضان العدالة والتنمية.