الدار البيضاء .. حفل بالقاعدة الأولى للبحرية الملكية بمناسبة الذكرى ال68 لتأسيس القوات المسلحة الملكية    المنامة .. ناصر بوريطة يبحث مع رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين بدولة فلسطين تعزيز العلاقات الثنائية وتطورات الأوضاع على الساحة الفلسطينية    منذ بدء العمل به في 2018.. الخط الأخضر للتبليغ عن الفساد يسقط 299 شخصا    طبعة ثانية من « أوراق من دفاتر حقوقي «مهنة الحرية « للنقيب محمد الصديقي    عجز الميزانية في المغرب يفوق 1,18 مليار درهم        سجن تطوان يكشف حقيقة تعنيف نزيل على يد موظف    اجتماع عمل لوضع خارطة سياحية لمسارات المدينة العتيقة لتطوان    يعود تاريخها إلى 400 مليون سنة.. المغرب يتسلّم 117 قطعة نادرة من الشيلي    "أطلنطا سند" تطلق التأمين المتعدد المخاطر منتوج "برو + المكتب"    غلاف مالي مهم لتوسعة شبكة المراقبة بالكاميرات بطنجة    الأخضر يطبع تداولات بورصة الدار البيضاء    ميارة يرأس أشغال الجمعية العامة ال18 لبرلمان البحر الأبيض المتوسط    الباحث البحريني نوح خليفة: جهود المغرب تأتي موازية لتطلعات العالم الإنساني وعالم الطبيعة    بعد القضاء.. نواب يحاصرون وزير الصحة بعد ضجة لقاح "أسترازينيكا"    ظهور "منخفض جوي" يتسبب في تراجع درجات الحرارة بشمال المغرب    هاشم تقدم مؤلف "مدن وقرى المغرب"    السعودية والكويت بأدنى خصوبة شرق أوسطية في 2050    حقوقيون يراسلون أخنوش لإنهاء ملف الأساتذة الموقوفين وينبهون إلى أن معاقبتهم ستؤدي لعودة الاحتقان    بيع لوحة رسمها الفنان فرنسيس بايكن مقابل 27.7 مليون دولار    دعوات متزايدة عبر الإنترنت لمقاطعة مشاهير يلتزمون الصمت حيال الحرب على غزة    اختتام البطولة الوطنية المدرسية لكرة اليد كرة الطائرة والسلة 5*5 والجولف والرماية بالنبال    "الكوديم" يحسم "ديربي سايس" ويقترب من دوري الأضواء والاتفاق يعقد مهمة جمعية سلا في النجاة من جحيم الهواة    الفيفا تنصف الرجاء البيضاوي في قضية المليار ومائة مليون    توظيف مالي لمبلغ 3,8 مليار درهم من فائض الخزينة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    أسعار النفط تواصل الارتفاع وسط توقعات شح الإمدادات    هل تكون إسبانيا القاطرة الجديدة للاقتصاد الأوروبي ؟    المغرب يفكك خلية إرهابية موالية ل"داعش" ينشط أعضاؤها بتزنيت وسيدي سليمان    تفاصيل مثول لطيفة رأفت أمام قاضي التحقيق بالدار البيضاء    الصين تدعو لعلاقات سليمة ومستقرة مع كوريا    المخرج الإيراني محمد رسولوف يفر من بلاده "سرا" بعد الحكم عليه بالجلد والسجن    سلطات سبتة تدعو وزارة الخارجية الإسبانية لمساعدة قطاع غزة    10 لاعبين يحرجون ريال مدريد قبل انطلاق الميركاتو    هذا الثلاثاء في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية: جلسة فكرية مع الناقدة والباحثة الأدبية الدكتورة حورية الخمليشي    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    الجمعية الرياضية السلاوية للدراجات تتوج بسباقي القصر الكبير وأصيلا    دراسة: البكتيريا الموجودة في الهواء البحري تقوي المناعة وتعزز القدرة على مقاومة الأمراض    جامعة شعيب الدكالي تنظم الدورة 13 للقاءات المغربية حول كيمياء الحالة الصلبة    موعد لقاء الرجاء الرياضي والنهضة البركانية    الدورة الثالثة للمشاورات السياسية المغربية البرازيلية: تطابق تام في وجهات النظر بين البلدين    الشيلي والمغرب يوقعان اتفاقية للتعاون في مجال التراث الوثائقي    بطولة فرنسا: مبابي يتوج بجائزة أفضل لاعب للمرة الخامسة على التوالي    غزة تنتصر.. طلبة كولومبيا يرتدون الكوفية الفلسطينية في حفل تخرجهم    اعتقالات و"اقتحام" وإضراب عام تعيشه تونس قبيل الاستحقاق الانتخابي    العثور على باندا عملاقة نادرة في شمال غرب الصين    إسطنبول.. اعتقال أمين متحف أمريكي بتهمة تهريب عينات مهمة من العقارب والعناكب    إسبانيا ترد على التهديد الجزائري بتحذير آخر    قناة أرضية تعلن نقلها مباراة الإياب بين بركان والزمالك    بنموسى يعلن قرب إطلاق منصة رقمية لتعلم الأمازيغية عن بعد    لماذا يجب تجنب شرب الماء من زجاجة بلاستيكية خصوصا في الصيف؟    مخرج مصري يتسبب في فوضى بالمهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    الأمثال العامية بتطوان... (597)    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    الأمثال العامية بتطوان... (596)    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصويرة .. محمد زوزاف يعرض عالمه الرمزي برواق المركز الثقافي الفرنسي
نشر في تليكسبريس يوم 26 - 12 - 2017

في اطار انشطته الثقافية والفنية، يحتضن رواق المركز الثقافي الفرنسي بالصويرة المعرض التشكيلي الفردي للفنان الحداثي محمد زوزاف تحت شعار "عالم رمزي" ما بين 22 دجنبر 2017 و20 يناير 2018.
الكتابة في ومع وحول تجربة محمد زوزاف هي عودة للذات ومعرفة لأسرارها ومباطنها، ذلك أن الفن من منظور هذا المبدع الصامت يشكل لغة جديدة تنطلق من طرح الخطيبي القاضي بأن الحضارات العربية هي حضارة الإشارة بامتياز يجب أن تقرأ وتفسر عبر مفاهيم جمالية مغايرة لمفاهيم التمثيل.
"زوزاف من كبار الفنانين التشكيليين الذين من الروعة بمكان رؤية أعمالهم، فما أبهى لمعان و بذخ التفاصيل الصغيرة! كل لوحة تستدرج موسيقى داخلية وطابعا خطيا رائعا. لكن، ها هنا، فن آت من أعماق العرف الأمازيغي الإفريقي. هناك عناصر أولية مفقودة إلى الأبد : كتابة جد قديمة تفوق الفنان زوزاف في تحديثها بموهبة جديرة بكبار أعلام التصوير الصباغي المعاصر. أتحدث عن بول كلي وكاندنسكي… وآخرين أحكموا تنظيم اللون ومعنى الرموز. دقة وضبط في الخط والشكل. كل شيء في هذا العمل الجميل يساهم في إضفاء طابع الروعة على ثراء معرفة غابرة لم تصلنا من خلالها سوى بعض المعالم.
أصواتية متهدجة. إنه الصوت الصاخب لأعماق العصور الذي يصدر عن هذه اللوحات النموذجية. وهذا الصوت العميق ليس إلا حركية وتهيج الكائنات التي عاشت في عوالم أخرى، حيث يرسم زوزاف أشكالها الدقيقة بعناية فائقة ولطافة لامتناهية. إننا نرى ارتقاءها على امتداد سطح اللوحة. كلها ذات درجات و إشعاعات متباينة. كل عالم يتحدث لسانه الخاص. أقول إن هذا المنحى المجازي قديم جدا ولكنه في الآن ذاته يشكل رمزية عالمنا الراهن. هذا العالم المتوتر الذي نرتقي داخله دون أن نعي ماذانفعل وإلى أين نسير. مؤلف رحب، إذا كان الأمر كذلك، لكنه يحقق توازنه بذاته، إنه انعكاس سلوك الإنسانية في منتهى الضياع.
نرى، إذن، الفنان المبدع الخالص، لا يكتفي فقط بجمع الأشكال الفارغة. إنه يجعلها تحيا ويمنحها امتلاكها الذاتي وقيمتها الخاصة، فهو يضطلع بدوره كمبدع بتحريرها وتحرير ذاته من خلالها.
إن سرعة الحركات التي يؤالفها هذا العمل في شموليته إلى درجة أنها تقحم توترات تاريخية محددة بالضبط. يمكن أن نرى تقريبا أجزاء مرحلية وأن نقرأ فكرا آخر رغم هذا الإبهام الذي نعتقد أنه متوار فيه. هنا لا شيء مخفي لفائدة عدم قياس أو تبعثر مغالى فيه كما يفضله الكثيرون بدل تركيز حقيقي قادر وحده على استنفار ذكاء الأشياء الفنية.
النسيج ذاته لأعمال زوزاف حار في تركيبته المادية. من ثمة فهو حي. إن هذا الفنان الاستثنائي المصقول… و عندما نلاحظ بعض أعماله، يخالجنا انطباع فتح الكتب عسيرة القراءة و الفهم مكتبة سرية؟ مفكر كبير يزاوج بين الأصالة و المعاصرة؟ زوزاف هو كل هذا في الوقت ذاته.
لقد عالجنا ، في التمهيد ، الخصوصية المتميزة للرمزية الكامنة في عمل زوزاف. قلنا أيضا بأن هذه الرمزية مستوحاة من “تاريخية”، حيث تعود الأسس للإرهاصات الأولى للغة الإنسانية.
نكتشف لدى هذا الفنان الأصيل المعايير الكتابية القديمة جدا، وهي مدى عمق الكتابات الأولى التي استسعف بها أول البشر المتحضرون من أجل التواصل بينهم و بغية تحليل محيطهم.
تبعا لذلك، عندما ننظر بتمعن و روية لتركيبات زوزاف، نلاحظ منذ الوهلة الأولى عددا من الشخوص يخرجون مباشرة من الكتابات الهيروغليفية. إنهم متراكبون على نحو ما، في حركة متوازنة إلى درجة أنهم يتحولون بأعجوبة إلى نص مقروء تماما.
شخوصه شبيهة بنظيرتها الموصوفة سواء في الأشكال ذات البروزات الخفيفة أو العليا أو سواء في النصوص التاريخية. إنها تؤلف فسيفساء ذات الانجذاب المتناهي، لأن هذه الكائنات الصغيرة لديها أوضاع تميز ماضيا دائم الحضور في ذاكرتنا. إنها تجعلنا نحيا من جديد بفضل العمل الدقيق للفنان، فترات لا نعرف عنها سوى ما تناقلته الحوليات.
إحدى الروائع الفنية للتشكيلي محمد زوزاف
الأمر شبيه، إذن، بغرابة، بحلم يعاد ترسيخه في الذاكرة عبر الفعل التشكيلي الملهم. هذا بالضبط ما يولي زوزاف مكانة كبار الرسامين الرائين ولذلك لم يكتف بتخطيط الكاليغرافيات المألوفة لأنها قريبة من الحس الواقعي للعالم أكثر من آثاره و لو أن هذه الآثار رائعة التناسق يستعملها و يبالغ في توظيفها من يظنون أن الفن ليس إلا تركيبا للخطوط المتجانسة. هنا، كما سبق الذكر، معنى بديهي لإشكالية الحداثة. كل الصيغ المقترنة بها نجدها مجتمعة وفق معادلات لونية مميزة. قارب السورياليون، في زمنهم، هذا البحث الذي ينزع إلى إدراج الحلم في الحيز الضيق لوجود بئيس.
فقد تفوقوا، إذن ، في لا مركزة أثر اللحظوية عبر معاينة الحلمية، لكنهم لم يستجيبوا لطلب الوعي لأن الحلم و اللاوعي هما اللذان يتحكمان فيها. فمن المؤكد أنهم اعتقدوا و جعلوا من الحداثة سمتهم الخاصة و معتقدهم المهيمن… لكنهم لم يتوفروا على أسس مغايرة ما عدا الذي استلهموه من الفن الزنجي الافريقي فاحتضنوه و اكتشفوا فيه الفضائل المتجددة.


من لوحات الفنان التشكيلي محمد زوزاف
لكن لدى زوزاف هناك أساس حقيقي، تقليد، لأن فنه نابع من جذور أسلافه، إنه عالم متوارث ممثل في شموليته. وهذه الخطوط والتشابكات الأولى والحية هي جديرة بأن نسميها سبحة تاريخية." (ترجمة عبد الله الشيخ).
فضاءات تشكيلية تستمد مرجعها الثقافي من الرموز المتخيلة والطقوس الإنسانية القديمة وكأنها منمنمات دنيوية غرائبية ذات خيال غنائي يراهن على التواصل الفطري مع الأشياء والعلامات. هل هي كتابة صامتة تخترقها الروح لتجسد حلمها الجماعي الذي يتخلل المكان والزمان ؟
غرابة وإيحاء في الشكل والرمز يجعل المشاهد يحس بعدم امتلاكه للواقع المحيط به. إنها تفتح دنيوي للرموز ينزاح عن الجمالية المحلية لمدينة الصويرة والقيمة الاستعمالية للإنتاج الإبداعي لينخرط في القيمة الجمالية القائمة على الإحساس المرهف والفردانية الخلاقة المتشربة بالأسطرة الشعبية والطقوسية التلقائية. مقام زوزاف عالم بصري تنطبق عليه قولة الباحث شربل داغر : "فمن يملأ الفراغ دون أن يخلق إيهاما بالمكان أو إيهاما بالعالم : نقش وحسب. آثار كتابية وزخرفية وحسب. تبلغ غيابه الخاص أو حضوره الغائب".
إن مشروع محمد زوزاف يعمل باستمرار على تعميق التأمل الواعي والمسؤول في الذاكرة الجماعية متجاوزا مأزق “اللوحة الواحدة”، لأن إبداعه تجربة فن ومسار مساءلة ومشروع رؤية أصيلة. فبنوع من المكابرة والإصرار على البحث والتجديد والمغامرة ارتضى هذا الفنان قولة بول كلي رسالته الإبداعية : “إذ الإنسان لم ينته، لذلك يجب أن نبقى في يقظة، متفتحين، أن نبقى أمام الحياة مثل الطفل الذي ينهض، طفل الإبداع، طفل المبدع”. في حضرة هذا الفنان المتلقي/ المريد يستأنس بانسياب دم الإبداع المرفوق بقلق خاص، لعله قلق المغامرة الذي يجعلنا نرى في أعمال الفنان بعدا إنسانيا رغم كونها تخلو تماما من الكائنات. تآلف بين الشكل والأسلوب يحفزنا على ممارسة نوع من حفريات المعنى عبر استشراف أرض المقام والعبور : الآثار، العلامات، الكاليغرافيا، الطلاسيم السحرية…
آثار دفينة تذكرنا برموز الكهوف القديمة وعلامات الكتابات البدئية، لكي تسرد تجربة الفنان زوزاف محمد ولذلك تتكرر العلامات والرموز بأشكال مغايرة وكأنها احتفاء بالولادة والانبعاث والحياة والحرية. فهل الفنان يدعونا إلى مقاومة المحور التلاشي والانقراض ؟ أليس محمد زوزاف من عشاق الحفر في ردهات العلامات قصد العثور على الآثار الرمزية للكائن والممكن ؟ ألا يحق لنا أن نعتبر هذا الإبداع عبورا من السطح إلى العمق ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.