المشاركون في مؤتمر التحالف من أجل الحكم الذاتي في الصحراء يقومون بزيارة لميناء الداخلة الأطلسي    عبد النباوي: العقوبات البديلة علامة فارقة في مسار السياسة الجنائية بالمغرب    نجاح باهر للنسخة الثامنة من كأس الغولف للصحافيين الرياضيين الاستمرارية عنوان الثقة والمصداقية لتظاهرة تراهن على التكوين والتعريف بالمؤهلات الرياضية والسياحية لمدينة أكادير    الاستيلاء على سيارة شرطي وسرقة سلاحه الوظيفي على يد مخمورين يستنفر الأجهزة الأمنية    كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة.. وهبي: "أشبال الأطلس" يطموحون للذهاب بعيدا في هذا العرس الكروي    مأسسة الحوار وزيادة الأجور .. مطالب تجمع النقابات عشية "عيد الشغل"    تجار السمك بالجملة بميناء الحسيمة ينددون بالتهميش ويطالبون بالتحقيق في تدبير عقارات الميناء    موتسيبي: اختيار لقجع قناعة راسخة    سلطات سوريا تلتزم بحماية الدروز    القصر الكبير.. شرطي متقاعد يضع حداً لحياته داخل منزله    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    نشرة إنذارية: زخات رعدية قوية ورياح عاتية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    المغرب يتلقّى دعوة لحضور القمة العربية في العراق    الدولي المغربي طارق تيسودالي ضمن المرشحين لنيل جائزة أفضل لاعب في الدوري الاماراتي لشهر أبريل    تأخيرات الرحلات الجوية.. قيوح يعزو 88% من الحالات لعوامل مرتبطة بمطارات المصدر    الإنتاج في الصناعات التحويلية.. ارتفاع طفيف في الأسعار خلال مارس الماضي    المغرب يواجه حالة جوية مضطربة.. زخات رعدية وهبات رياح قوية    مُدان بسنتين نافذتين.. استئنافية طنجة تؤجل محاكمة مناهض التطبيع رضوان القسطيط    الشخصية التاريخية: رمزية نظام    فلسفة جاك مونو بين صدفة الحرية والضرورة الطبيعية    هذه كتبي .. هذه اعترافاتي    وزارة الأوقاف تحذر من الإعلانات المضللة بشأن تأشيرات الحج    العراق ولا شيء آخر على الإطلاق    المغرب ينخرط في تحالف استراتيجي لمواجهة التغيرات المناخية    إلباييس.. المغرب زود إسبانيا ب 5 في المائة من حاجياتها في أزمة الكهرباء    مسؤول أممي: غزة في أخطر مراحل أزمتها الإنسانية والمجاعة قرار إسرائيلي    تجديد المكتب المحلي للحزب بمدينة عين العودة    الصين تعزز مكانتها في التجارة العالمية: حجم التبادل التجاري يتجاوز 43 تريليون يوان في عام 2024    انطلاق حملة تحرير الملك العام وسط المدينة استعدادا لصيف سياحي منظم وآمن    الحكومة تلتزم برفع متوسط أجور موظفي القطاع العام إلى 10.100 درهم بحلول سنة 2026    العلاقة الإسبانية المغربية: تاريخ مشترك وتطلعات للمستقبل    الإمارات تحبط تمرير أسلحة للسودان    كيم جونغ يأمر بتسريع التسلح النووي    ندوة وطنية … الصين بعيون مغربية قراءات في نصوص رحلية مغربية معاصرة إلى الصين    رحلة فنية بين طنجة وغرناطة .. "كرسي الأندلس" يستعيد تجربة فورتوني    السجن النافذ لمسؤول جمعية رياضية تحرش بقاصر في الجديدة    ابن يحيى : التوجيهات السامية لجلالة الملك تضع الأسرة في قلب الإصلاحات الوطنية    فيلم "البوز".. عمل فني ينتقد الشهرة الزائفة على "السوشل ميديا"    المغرب يروّج لفرص الاستثمار في الأقاليم الجنوبية خلال معرض "إنوفيشن زيرو" بلندن    تقرير: 17% فقط من الموظفين المغاربة منخرطون فعليا في أعمالهم.. و68% يبحثون عن وظائف جديدة    مارك كارني يتعهد الانتصار على واشنطن بعد فوزه في الانتخابات الكندية    مهرجان هوا بياو السينمائي يحتفي بروائع الشاشة الصينية ويكرّم ألمع النجوم    إيقاف روديغر ست مباريات وفاسكيز مباراتين وإلغاء البطاقة الحمراء لبيلينغهام    جسور النجاح: احتفاءً بقصص نجاح المغاربة الأمريكيين وإحياءً لمرور 247 عاماً على الصداقة المغربية الأمريكية    دوري أبطال أوروبا (ذهاب نصف النهاية): باريس سان جرمان يعود بفوز ثمين من ميدان أرسنال    الأهلي يقصي الهلال ويتأهل إلى نهائي كأس دوري أبطال آسيا للنخبة    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تمنح جائزة عبد الرحمن الصديقي الدكالي للقدس    نجاح اشغال المؤتمر الاول للاعلام الرياضي بمراكش. .تكريم بدرالدين الإدريسي وعبد الرحمن الضريس    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إعادة تشكيل المجتمع التطاوني الجديد بعد سقوط غرناطة.
نشر في تطوان نيوز يوم 02 - 08 - 2013


تقديم :
ظلت مدينة تطاوين مخربة واندثرت معالمها لمدة طويلة عندما تعرضت الى هجوم من طرف الإيبيريين ، وبعد هجرة الأندلسيين إليها قبل سقوط غرناطة بسنوات قاموا بإعادة ترميم ما كان مخربا. ويعد هذا الترميم الأول من نوعه . وبعد سقوط غرناطة سنة 1492 م وقع تجديد ثان في المدينة أكثر دقة وشمولية، وهو يعد البداية الحقيقة لتاريخ مدينة تطاوين التي عمرت من طرف المهجرين من اسبانيا الذين بثوا فيها الحياة من جديد ، فكانت ظرفية مناسبة لتشكيل نواة مجتمع جديد بتسم بالتنوع الإثني واللغوي، ناهيك عن مصاحب نزوحهم من دخول تقاليد وعادات جديدة .
يطرح علينا هذا الموضوع مجموعة من الأسئلة منها : ما هي دواعي اختيار المهجرين للعدوة المغربية ؟ وهل اللجوء إلى مدينة تطاوين المخربة ان ذاك اختياريا أم اضطراريا ام كان لأسباب إستراتيجية وجهادية ؟ ما هي الآليات التي أعيد بها تشكيل المجتمع الجديد بعد ظروف الطرد التعسفي للموريسكيين من الفردوس المفقود ؟ ما نوعية العلاقة التي نسجها المهاجرين الجدد مع السكان الأصليين ؟ وهل استطاعوا الاندماج والتعايش معهم ؟ إلى أي حد تعكس المعالم العمرانية(عسكرية ومدنية ) إديولوجية المهجرين في التحصن و الدفاع ؟
1 الهجرات الأندلسية من الضفة الأخرى .
خولت المعاهدة التي وقعها الإسبان مع موريسكي اسبانيا في نهاية القرن 16 م مجموعة من الحقوق وردت عند المؤرخ كورنتي ،أخذنا ترجمتها من كتاب " نهاية الأندلس" لمؤلفه عبد الله منها جاء مايلي : "حرية العقيدة والاحتفاظ بعاداتهم وتقاليدهم (البند الرابع عشر )والتجارة والتنقل ( البنذ الخامس والعشرون )كما ضمنت لهم عيشا كريما، ومنحتهم حرية في تقرير مصيرهم إما الإستقرار بالأراضي الاسبانية أو الهجرة (البند السابع) سرعان ما خرقت اسبانيا بنود الاتفاقية المبرمة بين الطرفين ونهجت سياسة قمعية ضد الموريسكيين
تمت الهجرات الأندلسية نحو العدوة المغربية عبر فترات مختلفة منها هجرة الربضيين من قرطبة إلى مدينة فاس، وهو يعد أول عبور جماعي من نوعه على غرار الهجرات الفردية كالعلماء والفقهاء والفلاسفة ، ثم الطرد المفاجئ والوحشي الذي تعرض له الموريسكيون بعد سقوط غرناطة سنة 1492 م، فقدم مجموعة كبيرة منهم إلى العدوة . مهد طرد العرب إلى طرد اليهود ، وأصدرت الأوامر توجب عليهم الخروج من الأراضي الاسبانية في ظل ثلاثة أشهر مع مصادرة أموالهم ومتاعهم ، وقدر عدد المطرودين من اليهود ب400 ألف .
مبيان رقم :1 عدد المهاجرين لدى المؤرخين الموريسكيين بعد توقيع معاهدة الطرد .
2ظروف وملابسات لهجرات أخرى ما بعد سقوط غرناطة
خضعت الهجرات الموريسكية إلى العدوة المغربية لظروف وملابسات خاصة فاثر توالي الثورات والتمردات بعد سنة 1498 م بدعم من الإمبراطورية العثمانية التي خاضت حروبا دامية مع الأسبان في الحوض المتوسطي . كما ان موقف عبد الله الغالب من ثورة الموريسكيين بغرناطة سنة 1568 م والتي أوردها المؤرخ المجهول نصها في كتابه تاريخ الدولة السعدية بقوله " فصاروا يكتبون إلى ملوك المسلمين شرقا وغربا وهم يناشدونهم الله في الإغاثة وأكثر كتبهم إلى مولاي عبد الله لأنه هو القريب إلى أرضهم ، فأمرهم غشا…. يقوموا مع النصارى ليثق بهم في قولهم لظهور فعلهم ، فلما قاموا مع النصارى تراخى عما وعدهم به من الإغاثة وكذب عليهم غشا منه ."
لا نغفل الرسالة التي وجهها جماعة من المسلمين في الأندلس إلى محمد الشيخ المأمون يلتمسون فيها مساعدتهم للجهاد في الأسبان إلا إن هذا الأخير أخبر بهذه التدابير السلطات الاسبانية التي سارعت في إخراج المتآمرين، وكذا العقلية الإنهزامية التي ا حملها المهجرين معهم من فردوسهم المفقود ثم تردد الموريسكيون في الهجرة أو البقاء فعرضوا مسألتهم على فقهاء العدوة. خصصت للرد على هؤلاء المغلوبين على أمرهم ثلاث فتاوى اثنين للونشرسي تدعو هم إلى الهجرة للمحافظة على دينهم .
فقد أفتى في حق مسلم يريد البقاء في اسبانيا لمساعدة مواطنيه في حل مشاكلهم بالرفض بقوله " … لأن مساكنة الكفار من أهل الذمة والصغار لا يجوز ولا يتاح ساعة من نهار لما تنتجه من الآفات و الأواصر والمفاسد الدينية والدنيوية طيلة الأعمار " كتاب المعيار ، عند ونقف فتاوي أخرى لأحمد بن أبي جمعة المغراوي الوهراني مخالفة تماما في أحكامها لفتاوي الونشرسي المتشددة ، فنجدها تدعو المسلمين إلى التشبث بدينهم كما تضمنت حلولا في حالة مراقبتهم من طرف الإسبان إبان ممارستهم لشعائرهم بقوله " إن أكرهوكم في وقت صلاة إلى السجود في الأصنام فاحرموا بالنية واتوا صلتكم المشروعة ، وأشيروا غالى ما يشيرون إليه من صنم ومقصدكم الله ، وان أجبروكم على شرب الخمر ما شربوه إلا بنية استعماله ،وان كلف عليكم خنزيرا فكلفوه ناكرين إياه بقلوبكم معتقدين بتحريمه "
رسم رقم 2: عدد المطرودين من الأندلس في القرن 17م حسب المصادر الاسبانية
أسفر صدور قرار طرد العرب والمولدون الإسبان سنة 1609م في عهد الملك الاسباني فيليب الثاني ، و الذين حبذوا المقام في العيش في الأندلس وفضلوا ارتدادا مقنعا عن الإسلام واعتناقا صوريا للمسيحية .
وبالنظر الى هذه المعطيات الكارثية التي عانى الموريسكيون منها بالأندلس، أسفرت عن هجرة عشرة آلاف إلى تطاوين حسب تقديرات دوق مدينة سيدونيا . مباشرة بعد وصولهم شرعوا في بناء حومة رباط الأندلس المعروفة حاليا "بالسانية ".وفضلت طائفة من هؤلاء المهاجرين الاستقرار بعد آن بقيت تطاوين شبه معزولة عن موجة التعمير الشاملة التي عمت بعض المدن المغربية .
يعد الموريسكيون هم السكان الذين عمروا المدينة بعد إعادة تأسيسها كما سلف الذكر ، وكانت روافد هذا العنصر بالأساس الهجرات المتتالية من الأندلس على امتداد نحو قرن ونصف، ولظروف اجتماعية واقتصادية نلمس أن هناك أسباب جوهرية تستوجب الدراسة والتمحيص . فلا شك آن قرب المدينة من الشواطئ الإسبانية سيعد موقعا استراتيجيا لهؤلاء المهجرين من الضفة الجنوبية للمتوسط ، إذ أن رغبتهم في الإنتقام من الإسبان كانت دائما حاضرة ، كما ان نشاط محاكم التفتيش في الأندلس التي كانت راعيتها الأولى الملكة إيزابيلا زادت من حدة هذا الانتقام من الكاتوليكيين .
وجد المهجرون ضالتهم في موقع المدينة وملائمته لإقامة أسطول بحري جهادي ، فهو عمليا سيوفر الحماية الضرورية في أي هجوم إسباني مباغت . كما أن الموقع القريب من العدوة الأندلسية جعل من احتمال العودة والذي لم يفارق أبدا مخيلة الوافدين الجدد . الى درجة ان بعض الأسر احتفظت بمفاتيح سكناها في الأندلس كما ورد عند المؤرخ الرهوني وغيره.
ومن جهة أخرى تم اختيار موقع مدينة تطاوين نظرا لتضاريسها الوعرة، فجاءت فكرة التحصن بجبالها فكان هذا الاختيار مقصودا من اجل حماية أنفسهم بالجبال بعدما تعذر عليهم الاحتماء بإخوانهم المسلمين سواء في المغرب أو المشرق .
وإذا كانت دواعي الاستقرار تستوقفنا كثيرا عند اختيار الموقع الاستراتيجي للمدينة ، فإن الحافز الأكبر في هذا الاختيار يتجلى في أن الأندلسيين وجدوا في مدينة تطاوين صورة مشابهة لمدنهم الأندلسية ، ونستند في تأكيد ذلك على نص للفقيه محمد داوود حين قال :" كانت تطوان نسخة شبيهة من أخريات المدن الإسلامية العربية في بلاد الأندلس " لهذا السبب اجتهدوا ورسموا لأنفسهم حياة أندلسية أخرى على أرض المغرب، لكنهم ظلوا متمسكين بالجذور مطلقين أسماء وطنهم القديم على وطنهم الجديد .
بالرغم من عدم توفر مادة تاريخية كافية يمكن اتخاذها كمصدر مباشر للتاريخ الديموغرافي للمدينة بالنسبة للفترة المعنية ، إلا أن المدينة شهدت نموا ديموغرافيا سريعا ، بفضل موجات الموريسكيين التي تمت على مراحل : فئة المهاجرين الأوائل الذين لم يكونوا من الفقهاء العالمين والأدباء الناظمين وإنما كانوا رجال حرب وجهاد، استوطنوا المدينة ليتخذوا منها قاعدة للجهاد البحري ضد اعدائهم في الضفة الأخرى. أما الفئة الثانية فتشكلت من الصناع والحرفيين الذين كونوا شريحة وضيعة بالأندلس .و لم يطمحوا في المجتمع الجديد إلى مناصب سياسية مرموقة ، بل هدفهم الأسمى هو الحصول موارد عيش جديدة تضمن قوتهم اليومي .
وهكذا ،شهدت المدينة في منتصف القرن السابع عشر نموا ديموغرافيا سريعا ، بحيث قدر عدد هؤلاء الوافدين الجدد بنحو عشرة آلاف نسمة أتوا من مختلف أنحاء اسبانيا ، وهو رقم مرتفع بالنسبة لتلك الفترة إذا ما رعينا تأثير الجوائح و الكوارث الطبيعية التي كانت تفتك بأرواح السكان ، لقد وصفها السفير الفرنسي سان آمان في رحلته في نوفمبر 1682 م بأنها مدينة كبيرة آهلة بالسكان الذين قدر عددهم ب 15 ألف نسمة . وللإشارة ذكرت بعض المصادر أن المدينة قبل هذا التاريخ اجتاحها الوباء سنة 1678 م وحصد أرواح السكان حيث بلغ عدد الضحايا 50 ضحية يوميا ، وأكد الأسير الفرنسي "جيرمان موريط" في رحلته أن الوباء تسرب من الجزائر إلى تطاوين ،وقد دام بها مدة سنتين وهلك على إثره 25 ألف شخص ، بينما ذكر الناصري في الجزء السابع من كتابه الإستقصا أن هذا الوباء تزامن مع الجفاف ودام من 1678 إلى 1680 الميلاديين وخلف نزيفا بشريا بالمدينة.
وبالنظر إلى المعطيات الكارثية التي عانت منها المدينة لمدة سنتين، فإن الوباء قد حصد الأرواح وكان عدد السكان ينقص عند كل جائحة ويحاول أن يستعيد حيويته في فترات أخرى . ولهذا كان الوافدون يقبلون على التزاوج غير مستسلمين للهلاك ، وينضاف إلى ذلك عامل النزوح من البوادي التي عانت بدورها من سنوات القحط ، وقد شكلت ظاهرة الهجرة الجماعية معادلة إذ أنها عملت إلى إعادة التوازن الديموغرافي للمدينة .
أنتجت هذه الظروف العصيبة نسيجا سكانيا ، تشكل من فسيفسائية أهلها الذي ضم الأندلسيين الأوائل والموريسكيين واليهود السفرديين وجبالة المجاورين(كقبائل ودراس وبني كرفط وبني حزمر وبني حسان) وأهل الريف المشهورين بالشجاعة والإقدام على الجهاد وفي هذا الصدد يقول عنهم الفقيه محمد داود في الجزء الأول من كتابه تاريخ تطوان "… وأبطال الرجال الذي يهمهم الجهاد في سبيل الله وسيرهم للاستشهاد في حومة الوغى وميدان الشرف ، والمتعطشون للكفاح دفاعا عن الدين والوطن " إنضاف إليهم جماعة أخرى من أهل فاس وهم أهل علم وصناعة ب وفئة قليلة الأسرى المسيحيين .
ظلت مسالة التدخل في نسيج المدينة الجديدة يخضع لمعايير دقيقة وأعراف معينة ، وبالرغم من ذلك تحدثنا المصادر أن والموريسكيين ظلت تفصلهم عن النازحين من القرى المجاورة وطوائف أخرى مميزات حضارية واجتماعية عديدة ، مما حال دون انصهارهم في المجتمع الجديد . كما إحساسهم الجديد بالانتساب إلى مجتمع أقل تحضرا جعل رغبتهم تقوى في الحصول على رتب عليا في هرمه الاجتماعي والسياسي للمدينة . وهذا ما يفسر لنا تهافتهم على المناصب وبقائهم أقلية متميزة لها سماتها الخاصة .وتميز تصرفاتهم بطابع خاص صنفها عن باقي الأقليات الأخرى (الجبليين – الريفيين )وذلك بفعل المركبات النفسية والحضارية التي حملوها معهم .لذا ثبت لنا احتفاظهم بالألقاب العائلية الأندلسية التي نزحوا بها قبل الهجرة من ديارهم واو تشبتهم بأسماء اسبانية سموا بها وهم يعانون من اضطهاد حكم الكاثوليكيين .
تمكنا من تصنيف أسماء العائلات التي كونت نسيج المجتمع الأندلسي الجديد في المدينة إلى ما يلي :
وهكذا اتسمت شبكة العلاقات الأندلسيين بالانغلاق انفتحت فقط على الأقربين وعلى ما تجمعهم بهم مصالح مشتركة . كما أن عدم التزاوج والمصاهرة من خارج العائلة الواحدة جعل دماءهم لم تختلط مدة طويلة ، وذلك حرصا منهم على توريث ثقافة الأجداد وعاداتهم .
3. الآليات العمرانية للمجتمع الجديد.
إن الحديث عن التطور العمراني الحقيقي للمدينة يحتاج العودة قليلا إلى الوراء والى دراسات أثرية تهم على الخصوص النواة الأصلية للمدينة ويتعلق الأمر بحومة المنجرة والتي تعود إلى القرنين 11 و12 الميلاديين .وذلك حسب ما ذكره البكري في كتابه "المسالك والممالك" والرحالة الإدريسي في "نزهة المشتاق" . الا ان دراسات حديثة تتحدث عن اربع تطورات عمرانية للمدينة : النواة المتمثلة في حومة البلد وتعود إلى القرنين 15 و16 م الربض السفلي في القرن 16 والربض الفوقي والعيون والإطرنكات في القرن 17 م
عموما تميزت البنية العمرانية بعد استقرار المهجرين بعدة مميزات ، وحملت بعدا دينيا وعسكريا انعكست في نوعية العمارة نذكر منها :
قام المسجد بمختلف أشكاله وأحجامه بدور كبير كأداة تعليم وتربية ونشر ثقافة ، وهي أداة لا تتجه لطبقة خاصة بل مؤسسة تتصل بعامة الناس ،وتنم كثرة العمارة الدينية وانتشار المساجد بالمدينة تشبث المهجرين الجدد بالدين الإسلامي وإعلانه ردا على الاضطهاد الذي لحق شريحة عريضة من الموريسكيين في الأندلس .
أحيط بالمدينة الجديدة سور ذكر الفقيه داوود انه كان واسعا وصل عرضه إلى سبعة أذرع الهدف من بنائه رد هجمات الجبليين الذين كانوا متضايقين من تواجد الأندلسيين بالمدينة ، ضم هذا السور على ثلاثة أبواب باب السلسلة وباب المشور وباب من الناحية الشرقية عرف بباب السفلي .
بعد تحصين مدينة تطاوين بالأسوار، فتحت فيها أبواب تتفاوت أحجامها حسب أهميتها ، وذلك لتنظيم حركة الخروج والولوج حفاظا على الأمن والاستقرار ،فقد كانت تغلق مع حلول الظلام لتفتح مع إشراقة يوم جديد، دورها التجاري أهلها إلى إقامة أسواق بجانبها نظرا لموقعها على الطرق الرئيسية المؤدية إلى المدن الأخرى .
صورة رقم 2 حصن المنظري سوق الحوت نمودج للتحصينات الاندلسية
وهكذا فإن المتتبع للتطور الطبوغرافي الذي شهدته تطوان العتيقة التي كان يحيط بها السور القديم على 12 مرحلة من سنة 1148-1808 م تم إقامة مجموعة من الأبواب وذلك على النحو التالي:
أن عدم اختلاف أزقة تطاوين وبناياتها عن أية بلدة عتيقة في إسبانيا خصوصا منطقة الجنوب التي كانت آخر قلاع الحكم الاسلامي . ( الأقواس – البيوت المتقابلة – النوافذ الضيقة )كما أن عامل إلتواء الأزقة وضيقها لم يأتي اعتباطيا بل عن نية مسبقة .فعلى المستوى الأمني نجد أن الإلتواء يسهل عملية الدفاع عن المدينة في حالة الخطر كما يعكس في الوقت نفسه الظل ، ويعد استخدام المهاجرين للرمزية في البناء باعتبار لم يشأ الساكنة الجديدة أن يفقه معانيها إلا العارف بتأويلاتها .كما نلمس هذه الرمزية على أبواب البيوت كالرمانة والمفتاح وغيرها .ثم أن انغلاق البيوتات وعدم عكس للفضاء الداخلي لما حرصوا عليه من تستر عن حياتهم العائلية والمعيشية . كما تعكس بساطة مواد البناء وعدم وجود الزخارف والفسيفساء قلة الإمكانيات المادية .
ونستخلص أن تمسك المهجرين بالنمط المعماري في فردوسهم المفقود له دلالة نفسية عميقة نستشفها ا في الحنين إلى الديار وفراق الأحبة والأهل ، فقد جمع كل ما هو جميل من الأندلس (الحدائق –الماء ) داخل فناء المنزل .أدى دوره في تجاوز محنة الساكنة الجديدة وتبعاتها بعيدا عن ديارها .
– صورة رقم2: لبيت يعكس الهندسة المعمارية الأندلسية البسيطة الخالية من الزخرفة
نستخلص مما تقدم أن تشكيل المجتمع الأندلسي الجديد بمدينة تطوان خضع لما يلي :
بالرغم من أعطت كل هذه التأثيرات زخما كبيرا وترثا متنوعا اثري المشهد الطوبونيمي للمدينة باعتباره نتاج تفاعل حقيقي تم بين ثقافة ساكنة وافدة متشبعة بالحضارة الأندلسية والساكنة المحلية النازحة من الأحواز القريبة .
ومن خلال هذه النظرة الوجيزة عن مختلف الأعراق التي تساكنت جنبا إلى جنب ، وتعرضت جميعها إلى ما مس السكان من متغيرات ديموغرافية بسبب العوارض الطبيعية التاريخية ، نستنتج آن المدينة كانت مدينة منفتحة في وجه الموجات البشرية التي قصدتها أما للاستقرار المؤقت أو الاستيطان الدائم ، ولم تكن منكفئة على ذاتها أو منغلقة ، لأن موقعها الاستراتيجي وطبيعة الوافدين إليها لم تكن تسمح بذلك . وتبقى ميزة طبعت هذه المدينة هي قدرتها على استقطاب النازحين إليها واستيعابهم ودمجهم في نمط عيش تميز بخصوصية منفردة وطابع حضاري راق .
بيبيوغرافيا
M.Mtalssi , entre memoire et histoire , Ed , Malika , Paris ,2004.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.