سيدُ الظلام…

الليلُ سيِّدُ الظلام..في الليل ينْكمِشُ الكلامُ عن الكلام..في الليلِ تُكسِّرُ قيودَها الأحلام ..تنْزَوي الشمسُ..تعَباً من نهارِها..أو خوْفا من زحْفِ خيوطِ الظلامِ..تعير بعضاً من نارِها ونورِها لقمرِ مُتقلِّب المزاجِ وسط الغمام..يتدرج بين القمة والسفحِ.. ويعشق لُعبة الحضورِ والغياب ..رافضا رَتابَة الأيّام..في الليل ينام النومُ على وِسادَة الأحلام..أو يرتعش أمام كوابيسِه..أحيانا..حين يتكدر..وينام..
في الليل..مواءُ قططٍ تائهةٍ..ونباحُ الكلاب ..يخترق حلكة الصمت..آهات وأنين مَنْ قَدفَتْهم المنازلُ نحْو عراءِ الأزقةِ والشوارع.. تحْت القناطرِ..أو عَتبات الأبواب..في الليل..يستقظ العذابُ..في سَرير العذاب..وتُسْدِل الوحدةُ ستارَها..العزلةُ رداء الغيابِ للغياب..تفصل الكفَّ عن الكفِّ..والعينَ عن العينِ..والعتبةَ عن الباب..العزلةُ انفجارُ الذكريات والأماني..ولَوْ نُسِجَتْ من وهمٍ أو ضَباب..
لليلِ عيونُ الأَفاعي..وأجْنحةُ الخَفافيش..وطبْع الضباع..ومَلامِحُ الخَراب..لليل ضحايا..في الأقْبِيّة السِّرِّيةِ..صعَقتْهُم كَفُّ شَريعَةِ الْغاب..يحْمِلون جَلَدَهُم..يُرَتِّقونَ ما تمَزَّقَ من جِلْدِهِم..وينْفضون ما عَلِقَ في آذانهم مِن بَقايا عُواء الذِّئاب..
في الليل..تخرج الغرائزُ من جوف غرائزَ غائرة..يجتمع الندامى..ويفترقون سكارى..بعد أن ينثروا يومهم في حانات متناثرة..يَقيئُون ما اعْتَصَروا من عَرَقٍ وجُهْدٍ..يتبَوَّلون على حائطِ الزَّمن..حيارى يشترون الْهَوى من أرواحٍ حائِرة..غريزةً..أو لذةً ليس لها ذاكِرَة..
الليل سيّدُ الظلام..لا ينْهزِم..إلا حينَ تسْتعيدُ الشّمسُ عافيتَها..ويرْجِعُ الكلامُ إلى الكلام..يصحو النهارُ..يخرجُ من جوفِ الليل.. وينْسلُّ الشعاعُ مِن مسامِّ الظلام.