عرف الشارع الاسلامي مؤخرا وبعنف متفاوت حراكا من نوع خاص تحت شعار:"اغضب لرسول الله"، وجاء هذا الحراك في إطار ردة فعل جديدة على الإساءة أو الإساءات لرسول العالمين النبي محمد عليه أزكى الصلاة والسلام سواء تعلق الأمر بالرسوم الكاريكاتورية أو الأفلام ذات صلة.. ومم يميز أغلب هذه الغضبات أنها عنيفة وعابرة. لست هنا بصدد الحكم على الفعل أو ردات الفعل، فأنا لست أهلا لذلك! لكني أبتغي من خلال هذا التحليل أن أسلط الضوء على ماقبل الفعل/ الجرأة على الله ورسوله، أسبابه وتداعياته. إن بعثة محمد صلوات الله عليه وسلامه جاءت لتتمم مكارم الأخلاق، ولتطهر أنفسنا من أدرانها وشهواتها، وللسمو بالإنسان من عالم مادي حيواني إلى آخر محكوم بالعقل وبالموازنة المعنوية. لقد سهر النبي الأمين صلى الله عليه وسلم على تلقين أمته تربية سليمة وفق فطرة سليمة... فكان عليه الصلاة والسلام الإنسان القدوة والمربي القدوة بل وعمل على تخليد ثقافة المثال والأنمودج على مر العصور... وفي الآن نفسه أنشأ جيلا من الخالدين، تداولوا مشعل الحضارة الإسلامية بينهم وأورثوه من جاء بعدهم في مجالات الحياة كلها من طب ومعمار وفن وأدب وسياسة وإدارة وزراعة ... كل من موقعه وكل حسب تخصصه واهتمامه. جيل أحب الرسول صلى الله عليه وسلم ممارسة وفعلا وفداه والدين الذي جاء به بكل عزيز ونفيس: بماله ووالده وولده ونفسه عملا بقول محمد عليه الصلاة والسلام: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه ". إنه الرعيل الأول الذين أحبوا النبي بالفعل لا بالقول وقطعوا بذلك الطريق نهائيا -عندما استقر لهم أمرهم- عن أي كان ليتجرأ على المصطفى الأمين علما أن الدين الجديد لم يشمل كل الناس بل استمر كثيرون في الإيمان بغير دين الله، ومع هذا تعلم كافة الناس من القدوة ومن أتباع القدوة، مسلمين أو غيرهم كيف يحترموا ويقدروا كل من يختلف معهم حتى في العقيدة... رسول تميز بقدرته على الإختلاف الرصين والبناء والراقي، وأتباع برهنوا على حب بَانٍ ومتجدد وخلاق ومنزه... فأبهروا باقي الأمم بما وصلوا إليه من علم وقوة وعلو شأن ورفعة بين العالمين، واستحقوا احترام وتقدير بل وحب من عرفهم أو رأى أثرهم في الكون. ومن تم انتزعوا بجدارة التبجيل لنبيهم ولهم من بعده. إنه الحب الصادق...حب العارفين الموصولين، حب الخاصة، حب الغيورين على نبيهم ورسولهم، حب المتعالين عن سفائف الأمور وجزئياتها، حب المتحابين والمتعاونين والمتناصرين والمتناصحين... وهنا أقف على قدر وطرق حبنا لربنا ولديننا ولنبينا في وقتنا الحاضر، وأطرح تساؤلات أهمها: هل للحب بصفة مجملة تواجد في حياتنا؟ كيف كفينا معتقداتنا ومقدساتنا المستهزئين؟ هل تعلمنا فعلا وعلَّمنا احترام مقدساتنا والذوذ عنها؟ كيف انحدرنا من صنع الفعل ومن الفعل إلى الانسياق وراء ردود الأفعال؟ كيف انشغلنا بما هو ثانوي وضيع عما هو رئيس راق يحمي كرامة أمة؟ كيف أُنشِئنا وكيف ننشِئُ أبناءنا؟ وبطرحي لكل تلك الاستفهامات أو بإيمائي لأخرى، فإنني لا أقلل من قيمة الغضب الإيجابي، ولا أدعو إلى العزوف عن التعاطي بذكاء مع ما يحاك من مؤامرات ضد مقدساتنا في وقتنا الحاضر، إنما هي استفهامات تأسس لمنظور جديد للتعامل مع ما وصلنا إليه من انحدار شديد على جميع المستويات، رؤية مختلفة للتعبير عن حبنا للرسول صلى الله عليه وسلم: إنه أملي ودعوة مني لتبني مبدأ الاستباق أو الوقاية خير من العلاج... فريدة البقالي .