ذ.سعيد رحم جيل Z سيُتعب الدولة وأحزابها ونقاباتها وجمعياتها وكل ما تبقى من مؤسسات الوساطة التقليدية والحقيقية والمزيفة. هذا الجيل الذي يرابض في وسائط اجتماعية أخرى بالكاد نعرفها، لا يوجد في "الفيسبوك" الذي يبدو له منصة كلاسيكية غارقة في الرتابة وحكايات العجائز، عجائز السياسة والأحزاب وروتين الحياة. سيتعب الجميع لأنه جيل إن خرج من مقبعه الافتراضي، يتوجه مباشرة إلى قاعات رياضية ومعاهد اللغات، عوض أن يذهب إلى مقرات الأحزاب والحانات. لا ينهك نفسه بكثرة الاجتماعات، ولا يعرف تلك الطقوس التي أنهكت جيلنا ، من محضر الاجتماع وجدول الأعمال ونقطة نظام، وصياغات بيانات تلزمها تنسيقية من 20 تنظيم، وكثير من "الأنبياء الصغار". جيل لا يبحث عن ترميز حركته الاحتجاجية، لأنه جيل يكره الرموز في السياسة والثقافة، ولكنه يصنع رموزا تشبه الأكلات السريعة ويغيرها كما يغير جواربه ومزاجه. الدولة التي استثمرت كثيرا في خلق جيل من "المتلاشيات البشرية"، ستقف اليوم عاجزة عن مسايرة نَفَس جيل Z إن هو قرر أن يواصل النزول إلى الشارع، لأنه ليس لديه ما يخسره، ولا يلوذ بإكليروس حزبي ونقابي، بفجوره وتقواه، يحدد له سقف مطالبه ويحتضنه في مجلس الدعم والوصاية..جيل لا وظيفة يخاف عليها، ولا زوجة وأطفال ينتظرونه في المساء، ولا أقساط شهرية تثقل كاهله، ولا طموحات مهنية واجتماعية يتوجس أن تفسدها المظاهرات والاعتقالات. جيل باختصار "ما عندو ما يخسر"، ولكن الدولة ستخسر الكثير! ستخسر الدولة أمام هذا الجيل هيبتها، و"المخزن" هو الهيبة، وهيبة المخزن يصنعها في طقوس الانتظار وضبط زمن المطالب وتوقيت الهِبات والهَبّات. والمخزن الآن يفقد هيبته وهو يطارد صبية في شوارع المدن. ستخسر الدولة سلمها الاجتماعي الواهي، لأن هذا الجيل لا يعترف ب"المصلحة الوطنية" و"الأولويات الوطنية"، حيث يقف في وجه الجميع قائلا "شكون هاد الساط اللي غادي يقرر أن هذه مصلحة وطنية والأخرى ماشي مصلحة وطنية؟" لأنه جيل اللايقين وموت السرديات الكبرى. ستخسر الدولة أيضا احتكارها لصناعة سردية الإجماع والثوابت والأولويات، فجيل "الديسكورد" ينسج سرديته الخاصة المكثفة والمفككة في آن واحد، والتي يمكن أن تبدو لنا غير منسجمة ومشتتة. والدولة التي انتشت بتفكيك الأحزاب والنقابات والجمعيات وكل مؤسسات الوساطة، وأعادت تدويرها وحولتها إلى دمى مطاطية بلا روح ولا مبادرات ولا استقلالية، وأطلقت العنان للأوليغارشية المالية وأعيان الريع، ستجد نفسها في مواجهة جيل بلا قيادة،وستعجز عن صياغة لغة مشتركة تتواصل بها معه. الدولة نفسها التي كانت تظن أن العصا والجزرة ممكن أن تتحول في البلاد إلى لغة، وأداة لصناعة النخب أو تدجينها أو تخويفها. الدولة ستطارد إلكترونيات حرة افتراضية، بعد أن سيّجت الفضاء العمومي و وأدت تجارب صحفية مستقلة عن دوائر المال والسلطة، ودفعت بالأصوات الحرة إلى هامش الهامش والمنافي. ستخسر الدولة لغتها الاحتفالية، وسمفونية الاستثناء في محيطها الإقليمي، وستخسر "سلما اجتماعيا" وإجماعا وطنيا حول "المونديال" الذي تسوق له كمشروع مجتمعي بأقل تنظير وأفكار وانتلجنسيا، مشروع مجتمعي بنكهة السوق، وهي لم تقنع جيلا من الشباب تراهن أن يكون أول من يثمل بهذا المونديال ونعيم جنته الموعودة. جيل Z سيتعب الجميع، سيتعب الدولة والأسرة والمدرسة وكل من ينتج السلطة في هذه البلاد. ليس لأنه جيل يتوق للسلطة، بل لأنه رافض للسلطة ومنطقها. هي انطباعات سريعة، لا تحتمل أن نقدم بين ثناياها وصايا ووصفات لهذا الجيل، فهو لايحتاجها…كما أنه حاليا، لا يمكن التنبؤ بأفق هذا الحراك، ولكن الدولة حتما ستلتقط الرسالة لأن جيل Z هو الجيل الذي ينتظر الحسن الثالث غدا، ولي العهد الحالي، باحلامه ومطالبه وأفكاره ومزاجه وشعاراته المقتضبة والغاضبة…وربما ينخرط ولي العهد في روح جيل z من موقع الحكم وتدشين مرحلة جديدة منسجمة مع تطلعات جيله، وننتقل من حكم " ملك الفقراء" الى حكم " ملك جيل z"… وهذا الحراك إن لم يمنحنا لحظة التفكير في الخلاص من أعطاب سياسات عمومية فاشلة ومشهد سياسي راكد وعاجز عن تقديم إجابات اقتصادية واجتماعية وسياسية، وتعاقد جديد بين القوى الديمقراطية والقصر، فإنه على الأقل ، سيمنحنا الدهشة، دهشة اكتشاف جيل ينتفض ويتحرك ويبادر ويغضب، مؤكدا أن "الستاتيكو" ليس قدرنا، وأن لا أحد فوق التاريخ وسننه..وسيكتب تاريخه بعنفوانه وبساطته، وسيرهق الجميع صعودا، إنه هو فكر وقدر على الاستمرار في أشكاله الاحتجاجية في الفضاءات العمومية الواقعية والافتراضية.