تعد قضية المباني الآيلة للسقوط بمدينة تيزنيت واحدة من أكثر الملفات تعقيداً في الأجندة المحلية، حيث تداخلت فيها لغة الأرقام الرسمية مع معاناة ميدانية متفاقمة للساكنة، في ظل غياب حصيلة واضحة لما تم إنجازه خلال السنة الجارية. فبينما كشفت البيانات الرسمية لسنة 2024 عن جرد شمل 475 بناية مهددة بالسقوط على مستوى الجماعة الترابية لتيزنيت، منها 163 بناية مصنفة ضمن "الخطر الحال" و245 بناية في خانة "الخطر" و67 بناية تظهر عليها عوامل تدهور متقدمة، تتجه الأنظار اليوم بكثير من الحذر نحو عملية إحصاء جديدة من المنتظر انطلاقها بداية شهر يناير المقبل. وتأتي هذه الخطوة مدفوعة بضغط حوادث الانهيارات المأساوية التي شهدتها مدن أخرى مثل فاس، والتي فرضت إعادة تحيين اللوائح، غير أن هذا التوجه قوبل بانتقادات واسعة تعتبره "إحصاءً من أجل الإحصاء"، خاصة مع عدم تقديم معطيات شفافة حول حصيلة العملية السابقة ومدى فاعليتها في تحييد الخطر عن الأرواح والممتلكات. إن المفارقة الصارخة في تدبير هذا الملف تتجلى في استمرار صمود بنايات متهالكة تهدد المارة والساكنة رغم إدراجها في التقارير الرسمية، مقابل دخول المواطنين الذين استجابوا لعمليات الهدم في دوامة "بيروقراطية" لا تنتهي. حيث تعيش فئات واسعة من الساكنة حالة من "التيه الإداري"، متنقلة بين جماعة تيزنيت والوكالة الوطنية للتجديد الحضري ومؤسسات أخرى، في رحلة بحث مضنية عن تراخيص إعادة البناء أو شواهد الربط بشبكات الماء والكهرباء والحصول على رخصة السكن. هذا الواقع المرير حوّل المسطرة الوقائية من إجراء لحماية الأرواح إلى عبء اجتماعي وقانوني يثقل كاهل المتضررين، مما يستدعي انتقالاً فورياً من المقاربة التشخيصية التي تكتفي برصد الخطر، إلى مقاربة تنفيذية مرنة تضع تيسير المساطر الإدارية وتأمين البدائل السكنية في صلب أولوياتها، بعيداً عن منطق الإحصاء المتكرر الذي لا يجد له صدى في الواقع الميداني.