بقلم : عدي البشير - باحث في القانون الدستوري و العلوم السياسية تعتبر الأقاليم الجنوبية ذات خصوصية سياسية في المغرب، فهذه المناطق رغم وجود مجموعة من المناطق التي تندرج في إطارها، خارج دائرة ما يعرف في المنتظم الدولي بالصحراء الغربية. فقد كانت مستعمرة إسبانية، لتتضافر بعد ذلك مجموعة من العوامل الخارجية لإجلاء الاستعمار الإسباني عن الصحراء، وأخرى داخلية عبر المقاومة الصحراوية المتمثلة في انتفاضة الزملة سنة 1940 ، فكانت بداية جديدة في الكفاح ضد المستعمر، وضد أسبنة الصحراء لتنذر بتأسيس جبهة البوليساريو في 10 ماي 1973 ، مما دفع الأسبان إلى الإعلان عن القيام باستفتاء في الصحراء، ليعلن المغرب عن طلب رأي استشاري لمحكمة العدل الدولية، فسرته أطراف النزاع حسب ما يخدم مصالحها . ويعلن المغرب عن تنظيم مسيرة خضراء في 6 نونبر 1975، ليتم انسحاب إسبانيا من الصحراء، وليبدأ الصراع العسكري بين جبهة البوليساريو والمغرب، دخلت منظمة الوحدة الإفريقية لحل المشكل لكنها فشلت . لتتدخل هيأة الأممالمتحدة بمخطط تسوية أممي كان جوهره الإعداد للاستفتاء، لتفشل بعثة الأممالمتحدة في تطبيق هذا المخطط، إنتهى بجموعة من المبادرات، قدمها أطراف النزاع أهمها مبادرة الحكم الذاتي، هذه القضية التي إستعملها النظام السياسي في توحيد الجبهة الداخلية، والإجماع حول المؤسسة الملكية، ثم إلهاء المؤسسة العسكرية بحرب في الصحراء وتجاوز آثار حالة الاستثناء بعد هذا المخاض الذي عرفته قضية الصحراء ليأتي العهد الجديد و وضع ضمن أولوياته دمقرطة النظام السياسي، وحلحلة هذا النزاع. لتظل قضية الصحراء حاضرة بكل ثقلها في الحياة السياسية المغربية، حيث سعى النظام السياسي الى خلق الإجماع حولها، و إذ كانت المراحل السابقة قد ميزها على الخصوص الحضور القوي للمقاربة الأمنية في تعاطي الدولة مع هذه القضية، تجلى ذلك في احتكار الملك لكل المبادرات المتعلقة بالموضوع فقد شهدت الفترة التي أصبح يطلق عليها بالعهد الجديد و عهد الانفتاح، تطورين مهمين على مستوى تمثل الدولة للقضية الأول يتعلق بطرح مبادرة جديدة(الحكم الذاتي) كحل للنزاع .(أولا) و الثانية تهم إستحضار الهاجس التنموي في التعاطي مع الملف وهي مقاربة و إن كانت لا تلغي الهاجس الأمني أو يمكن تقديمها كبديل عنه، لكنها تؤشر على الوعي المتنامي بأن المقاربة الأمنية لم تعد ناجعة، فهي مكلفة على مستوى صورة المغرب في الخارج، ولم تؤدي الى وضع حد للخيار الإستقلال على مستوى الداخل (ثانيا). أولا : من الإستفتاء إلى الحكم الذاتي تدخلت هيأة الأممالمتحدة لحل قضية الصحراء بمخطط التسوية الأممي، الذي يرتكز على مقومات أساسية، أهمها وقف اطلاق النار، إذ يتعهد الطرفان بوقف جميع الأفعال العدائية والاحترام الصارم لوقف إطلاق النار، الذي يعلن الأمين العام هوية الناخبين ثم الدخول في مرحلة انتقالية تستبق الاستفتاء، ليتم اسناد مهمة الاستفتاء إلى بعثة أممية، جعلت من أهم وظائفها تحديد الهوية الرئيسية للناخبين . وتعتبر بعثة الأممالمتحدة هي المسؤولة عن تنظيم الاستفتاء واجرائه، هذا المخطط الذي لم يتم احترام الجدولة الزمنية لتطبيقه ، أما الشيء الوحيد الذي تم إحترامه فهو وقف اطلاق النار في 6 شتنبر1991، وهي النتيجة الوحيدة التي احترمت من الجانبين، ليتم تحديد هوية الناخبين التي عهد بها إلى لجنة تحديد الهوية، التي تعتمد على الاحصاء الاسباني في اقليم الصحراء الغربية سنة 1974، هذه العملية التي بدأت في 28 غشت 1994، في عدة مراكز كان أولها العيون ثم تندوف المتصل إلى 8 مراكز في كافة تراب النزاع لتنتهي في دجنبر 1999، ولتشكل هذه المرحلة مشكلة بين أطراف النزاع باختلاف وتباين وجهة نظرهم، إذا أن المغرب اعترض على إعتمدت على إحصاء 1974 الاسباني، حيث أنه ثم اقصاء مجموعة من القبائل الصحراوية، ولم يشملهم الإحصاء آنذاك بسبب الطابع الترحالي لهذه القبائل . فجبهة البوليزاريو باعتبارها معنية بالمشكل، تعتبر ان الإحصاء الاسباني هو الأساس الحصري للناخبين، أما المغرب فتمسك بمشاركة صحراويين لا ينتموا إلى أراضي النزاع، ويعتبران الإحصاء الإسباني ناقص، فكانت هذه القضية الجوهرية والصعبة التي اضطلعت بها البعثة الأممية التي تسببت في اختلاف أطراف النزاع، في عدم تطبيق المخطط الأممي. ليبدأ البحث عن صيغة جديدة لحل النزاع، فجاء الإتفاق الإطار كحل سياسي أممي لتسوية قضية الصحراء الغربية، إنه حل ثالث جاء به جيمس بيكر المبعوث الأممي، الذي يؤكد على تطبيق حكم ذاتي في الصحراء الغربية لمدة 5 سنوات، له مؤسسات وجهازه التنفيذي، وممتلكوه عبر فترة انتقالية ليتم خلالها استفتاء، يشارك فيه كل الصحراويين، وفق المعايير المحددة من طرف الأممالمتحدة، فهذا المقترح يشكل أرضية سياسية، بتوخى تجاوز المأزق الذي ظلت تتردى فيه القضية، مع إحتفاظ المغرب بالاختصاصات الجوهرية للدولة بالنسبة للعلاقات الخارجية والأمن والدفاع والعملة، العلم، انتاج الأسلحة والمتفجرات. فهذا المقترح الإقليمي المتمثل في الاستفتاء، كحل نهائي للقضية وإنما ضربه، ويسعى إلى توفير الشروط اللازمة له وتذليل الخلاف بين أطراف النزاع. بعد كل هذه المقترحات ليرفض أطراف النزاع هذا الحل وتدخل قضية الصحراء الغربية، النفق المسدود ليعلن الخطاب الملكي عن تقديم مقترح الحكم الذاتي، بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء لسنة 2005 ، كمقترح لحل لمشاكل الصحراء الغربية. هذا المقترح سيضمن لسكان اقليم الصحراء تدبير شؤونهم بأنفسهم، من خلال هيئات تشريعية وقضائية وتنفيذية نابعة من إرادة الصحراويين، وتحتفظ الدولة المغربية باختصاصاتها، فيما يتعلق بالسيادة، والدفاع، والعلاقات الخارجية، والاختصاصات الدستورية، والدينية لجلالة الملك . فمبادرة الحكم الذاتي المغربية، تتحدث عن أجهزة وهيئات لتدبير سكان الصحراء، للشان العام المحلي عن طريق برلمان جهوي، بين القوانين يتم اختيار اعضاءه على أساس الانتخاب، الذي يجري في الإقليم بالإقتراع العام المباشر، عن طريق مختلف القبائل الصحراوية، وهنا يحضر المعطى القبلي في المبادرة ثم هيأة تنفيذية يرأسها رئيس حكومة الجهة الحكم الذاتي، الذي يعين الحكومة التي تساعده ويعين الموظفين الإداريين، وينتخب من قبل البرلمان الجهوي الذي يشرع بعد تحيينه من طرف الملك على أنه يبقى مسؤولا أمام برلمان الجهة . أما الوزاراء فكل واحد يتولى الإشراف على وزارة من الوزارات الإقليمية، محكمة عليا جهوية باعتبارها أعلى جهاز قضائي لجهة الحكم الذاتي، ثم هناك تأويل القوانين الجهوية وقد حزبت الجهة بجهازين، هو المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ويتشكلان من ممثلي القطاعات الاقتصادية و الاجتماعية والمهنية والجمعوية . وتبقى مسألة توزيع الاختصاصات بين الدولة وجهة الحكم الذاتي، فالمبادرة تحدثت عن اختصاصات لجهة الحكم الذاتي، في مستويات عدة تشريعية، تنفيذية، وقضائية، وإدارية ومالية، تشمل مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والضريبية والقضائية، فنص المبادرة يتحدث عن الشرطة المحلية والإدارة المحلية وعلى المستوى الاقتصادي، كما يتحدث عن التنمية الاقتصادية والتخطيط الجهوي وتشجيع الاستثمارات والتجارة والصناعة والسياسة والفلاحة . ميزانية الجهة ونظامها الجبائي، ثم البنى التحتية أما على المستوى الاجتماعي فالسكن م التربية ثم الصحة، والتشغيل والرباطة والضمان الاجتماعي، والرعاية الاجتماعية ، ثم التنمية الثقافية بالنهوض بالميراث الثقافي الصحراوي والحساني، ثم البيئة ونصت المبادرة على الموارد المالية لتمويل هذه الاختصاصات من : الضرائب والرسوم والمساهمات المحلية المقررة من لدن الهيئات المختصة للجهة العائدات المتأنية من استغلال الموارد الطبيعية المرصودة للجهة جزء من العائدات المحصلة من طرف الدولة والمتحصلة من الموارد الطبيعية الموجودة داخل الجهة عائدات وممتلكات الجهة الموارد الضرورية المخصصة في إطار التضامن الوطني إن هذه الاختصاصات جاءت على سبيل الحصر ، لكن بالموازه معها هناك اختصاصات سلطات للدولة كمقومات السيادة العلم والنشيد الوطني والعملة ثم المقومات المرتبطة بالاختصاصات الدستورية، والدينية للملك ثم الأمن الوطني ثم الدفاع الخارجي ثم الوحدة الترابية ثم العلاقات الخارجية، إذ يمكن للدولة أن تتشاور بشأن القضايا ذات صلة بالجهة، التي تمت العلاقات الخارجية، كذلك بالنسبة للجهة تمكنها من التشاور مع الحكومة المركزية، بشان تعاون مع جهات أجنبية بهدف تطوير الموارد والتعاون بين الجهات. إلا أنه يمكن إبداء مجموعة من الملاحظات حول هذا المقترح، فهو لم يحدد العلاقة بين سلطات الدولة المركزية وبين جهة الحكم الذاتي، وحدود العلاقة بينهما ودرجة الاستقلالية ونوعية الرقابة التي تمارسها السلطة المركزية وهيئات الحكم الذاتي ، لذلك يمكن القول أن مقترح الحكم الذاتي هو في أقصى الحالات جهوية سياسية، لم يصل إلى نموذج حكم ذاتي كما النماذج والتجارب المقارنة، كما ان هذه المبادرة لم توضح أي حكم ذاتي ستطبق، وفق أي نموذج كذلك هذا المقترح لم يستحضر البنيات القادرة على تدعيم سواء الدستورية السياسية والاجتماعية المرتبطة لهذا الخيار ، رغم أنه يمثل نقلة نوعية في التعاطي مع القضايا الكبرى للبلاد. يبقى مقترح الحكم الذاتي مجرد خطاب وشعار، لكن ما زال لم يتم ترجمته دستوريا أو التحضير له على مستوى الدستوري على الأقل ، فهو يستوجب توفر أنساق دستورية مفتوحة تسمح بإمكانية وظهور فاعلين سياسيين جديدين، وفضل السلط على المستوى المحلي والاحتكام المتبادل لقواعد الشرعية الدستورية بين المركزي والمحلي . كذلك يفتقد هذا المشروع المقترح لبنيات سياسية أو ميثاق سياسي قبلي وهنا تحضر القبيلة في حلحلة المشكل، بين أطراف النزاع فكلهم أقروا على المشكل سياسي، لذلك لم يتم الاقتناع بالانتقال من الحقل السياسي المضاد إلى العملي المؤسساتي تحت يافطة واحدة، كذلك ثم تتم حتى التحضيرات الأولية له خصوصا، وأن منطقة الصحراء الغربية والجهات الثلاثة الآن توجد فيها مناطق خارج الإطار الجغرافي للنزاع، والتحضير لمقترح الحكم الذاتي ضم مناطق النزاع، أي جهة واحدة أو جهتين والمناطق الني لا تدخل في النزاع إلى جهة واحدة وهذا ما يحيل على سؤال المجال الترابي ، فالربط بين السمارةوكلميم في جهة واحدة ويمتد إلى طانطان وأسا وطرفاية غير منطقية، إذ يجب فصل هذه المناطق عن المناطق الداخلة في أراضي النزاع، فذلك تقسيم طبيعي وتاريخي، قسم ين قبائل لكنه التي تستقر بوادنون ثم قبائل الساقية الحمراء، ووادي الذهب . لكن مقترح الحكم الذاتي مقترحا للحل مطروحا على طاولة المفاوضات، هذا المقترح الذي يكون قابلا لتعديل و القبول وعدم القبول. و في الجهة الثانية هناك مبادرة أخرى كذلك لجبهة البوليزاريو. ثانيا: من المقاربة الأمنية إلى المقاربة التنموية لقد كانت المقاربة الأمنية طاغية في التعامل مع الإشكالات المجتمعية، التي تعيشها المناطق الجنوبية، إذ تظهر هذه المقاربة بالموازاة مع مختلف المقاربات التي كانت حاضرة، كالمقاربة التنموية التي أصبحت مركزية من داخل الخطاب الرسمي للفاعلين السياسيين من خلال تحقيق السلم والأمن الاجتماعيين، بالنسبة للدولة والمجتمع، بخلق شروط العيش الكريم لسكان هذه الأقاليم، وإقتناع الفاعلين السياسيين بفشل المقاربة الأمنية التي هي ناتجة عن انسداد أفق الحوار، بين الحرية التي يمثلها المجتمع والسلطة، سواء النخب المحلية أو السلطة المركزية. فالمقاربة الأمنية التي تعتمد على العنف المادي والمعنوي في علاقة الحاكمين بالمحكومين، تعبر عن خلل في بنية السلطة وطريقة مقاربتها للأوضاع، التي تتميز بالخوف وعدم الثقة وتلجأ دائما إلى القمع ، أو عدم حل هذه الإشكالات التي تنبؤ بخروج حركات احتجاجية بتصادم مع النظام، وتعلن فشل السياسات العامة التي يطبقها والمطالبة بسياسات أكثر فعالية ونجاعة. فالصحراء تعتبر من الأقاليم التي تعرف حركات اجتماعية دائمة، فهناك احتجاجات دورية ففي سنة 1999 كانت حركة إحتجاجية عارمة، لتأتي سنة 2005 التي هي كذلك حركة احتجاجية، من طبيعة كبيرة ليأتي مخيم اكديم ايزيك سنة 2010، الذي عرف تطوراً للحركة الاحتجاجية بالصحراء، في شكل مخيم كانت الخيمة رمزية، يهاجر السكان المدينة إلى بناء خيام تتوفر في هذا المخيم، كل ما يحتاجه الإنسان، هذه الحركات الاحتجاجية كانت تحمل شعارات ومطالب ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية لكن هناك تيمة سياسية تحملها ، رغم عدم وضوح هذه التيمة والميزة، إلا أنها موجودة، فهذه الحركات الاحتجاجية يبتعد القائمين عليها كل ما هو سياسي، إذ يرفضون ذكر كل ما هو سياسي باعتبار المنطقة تحمل حمولة سياسية، ولأنهم لا يدعمون الحكم الذاتي، ولا يذكرون دعمهم للاستقلال، ثم يأتي أفراد المجتمع خصوصا المهمشين أطفالا كهولا، ثم نساء إذ تقوم هذه الحركات الاجتماعية باستغلالها للانفتاح السياسي ، الذي أصبح يعرفه المغرب عموماً، بالاعتراف بحقوق الإنسان وتطور الإعلام ودخول المعارضة إلى تجربة تدبير الشأن العام، عن طريق التناوب الإرادي الممنوح ، هذه الحركات الاحتجاجية ، كانت تقابل بالعنف عن طريق فض هذه الحركات الاحتجاجية، وتقديم القائمين عليها إلى محاكمات كانت أشهرها محاكمة معتقلي اكديم ازيك العسكرية، إلا أن هناك مخرجات عن هذه الحركات الاحتجاجية، فمباشرة بعد هذه الاحتجاجات تأتي حركات توظيفية لحملة الشواهد العليا، و هنا يبرز مدى نجاعة الحركات الإحتجاجية في التأثير على السياسات العامة . في المقابل هناك مخرجات أخرى عن حركات احتجاجية ذات طبيعة فئوية، كالمعطلين الذين دائما هم في ساحة النضال يحملون مطلب التشغي ، ثم فئات أخرى كالمتقاعدين، أو قدماء محاربين، التي تعمل في حركاتها الاجتماعية، منظمة تطالب بتسوية وضعياتها الاقتصادية والاجتماعية، هذه الحركات الاحتجاجية تغيب فيها التيمة السياسية، بل بالعكس فهي تحمل العلم الوطني، وتنفي أي شبهة قد تعطيها لها في اتجاه الطرف الآخر. هذه الحركات الاجتماعية ذات طبيعة فئوية لا تصل إلى أهدافها، تقابل تارة بالحوار مع المسؤولين، وتارة أخرى بالعنف والتفريق والاعتقال، لكن ليس بدرجة العنف والمقاربة الأمنية، التي تعرفها الحركات الاحتجاجية الكبرى، لكن كذلك قد تعمل السلطة المحلية على إعطاء بعض الحلول الترقيعية، خصوصا للمعطلين فمثلا في كلميم حركة معطلو كلميم نتج عن الحوار مع الوالي بإخراج 400 بطاقة إنعاش وطني تم توزيعها على 531 معطل ومعطلة سنة 2011 . ونتيجة للأهمية السياسية للأقاليم الجنوبية، فإن هناك مجموعة من المنظمات الحقوقية التي تنشر تقارير، وتتبع وضعية حقوق الإنسان بالصحراء، من أهم هذه المنظمات الحقوقية التي لها تأثير قوي، على مستوى قضية حقوق الإنسان، "المنظمة الأمريكية" مركز روبيرت كندي للعدالة وحقوق الإنسان ، الذي أصدرت تقريرا بعد زيارة قام بها إلى الصحراء الغربية في أواسط شهر يناير من سنة 2012 ، التقرير تعرض وضعية حقوق الإنسان، بعد تفكيك مخيم اكديم ايزيك عبر الاستماع إلى مجموعة من الضحايا والشهادات، ويركز التقرير حول حالة التعذيب ، والاعتقال العشوائي، والاستعمال المفرط للقوة، عبر مجموعة من الحالات (سعيد دمبر، خديجة البيهي) ثم الاعتداء الجنسي، ثم ظروف السجن. كذلك تعرض التقرير إلى القيود على حرية التعبير، والقمع ليتطرق التقرير إلى الحقوق الانتخابية والاجتماعية التي اعتبرها التقرير دون المستوى. هذا التقرير صيغ على إثر زيارات المسؤولين الحكوميين، ثم ممثلين المحليين ومدافعين عن حقوق الإنسان، ليوصي التقرير بتوسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان . فحقوق الإنسان في المغرب عرفت تطورا سنة 1990 أسس المغرب المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان كمؤسسة وطنية لحماية ومراقبة حقوق الإنسان، وسنة 2003 تم تأسيس لجنة الإنصاف والمصالحة لطي صفحة انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب ما بين 1956 و1999، هذه اللجنة ليتم إنشاء مجلس وطني لحقوق الإنسان في سنة 2011، الذي عمل على تأسيس لجان جهوية لحقوق الإنسان، هذه اللجان في الأقاليم الجنوبية، تعمل على تتبع ومراقبة حقوق الإنسان في هذه الأقاليم، وإرسال تقارير إلى المجلس الوطني، ورفع توصيات للمسؤولين، عبرو المبعوث الأممي كريستوف روس، عن عدم استجابة السلطة المحلية لتوصيات، هذه اللجان خاصة في الداخلةوالعيون مما يفقد هذه اللجان، مصداقيتها وسط المجتمع لعملها . بالموازاة مع المقاربة الأمنية هناك مقاربة تنموية أصبحت تتخذ في الأقاليم الجنوبية، تتمثل في بناء بنيات تحتية من مطارات وطرق، وجعل المدن في الأقاليم الجنوبية بدون صفيح، وبناء اقتصاد في الأقاليم الجنوبية ذو طبيعة متطورة، يحرك عجلة النمو في الصحراء، حيث بدأ العهد الجديد بخلق وكالة تعمل على التنمية، سميت بوكالة تنمية الأقاليم الجنوبية، وهي وكالة شريك فعال في مجموعة من المشاريع مع المنتخبين والسلطة المحلية. كذلك بإنشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي واهتمامه في أول عمل له بالتنمية بالأقاليم الجنوبية، ومساءلة وتقييم مختلف السياسات التي تطبق في هذه المناطق، عبر إصدار تقرير أول يقيم فيه التنمية في الأقاليم الجنوبية، هذا التقرير الصادم الذي تحدث عن تنمية في مجموع الحقوق بطريقة قاتمة، عن تلك السياسات التي وصفها بالفشل، فغياب الشفافية في تدبير الشأن العام، و الشطط في إستعمال السلطة، و ضعف المنظومة التربوية، و منظومة هجينة لا تستجيب للمتطلبات، و فشل الإقلاع الإقتصادي و فشل توزيع بطائق الإنعاش ، هذه المؤشرات جعلت المجلس يقدم ورقة تأطيرية ليعطي مجموعة من التوجهات، لتحقيق التنمية في الأقاليم الجنوبية هذا التقرير الذي ركز، على تجاوز مجموعة من الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية. فالتقرير ركز أولا، وبشكل كبير على ضرورة إيقاف نظام الامتيازات والمساعدات الغدائية، وتعويض ذلك بنظام المساعدة المالية المباشرة للفقراء، وكذلك إيقاف الإعفاءات الضريبية على الشركات والضريبة على الدخل، كما أوصى المجلس باستغلال مداخيل استغلال الموارد الطبيعية لتنمية هذه المناطق، لم ينس هذا التقرير الذي يسائل أي نموذج تنموي للأقاليم الجنوبية العائدين من تندوف، فقد أوصى لهم بدع مالي ووضع خطط لإدماجهم اجتماعيا واقتصاديا مع باقي الساكنة . كذلك هذا أوصى التقرير بتنويع الأنشطة الإنتاجية، وتوسيع القاعدة الاجتماعية، لفعاليات الاقتصاد المحلي للأقاليم الجنوبية، بتشجيع المبادرة الخاصة والاقتصاد التضامني والاجتماعي، لهذا الغرض سيتم إحداث صندوق جهوي للدعم الاقتصادي، وأبرز التقرير ظروف تعزيز ثقة المجتمع في الدولة الذي يقضي سمو وسيادة القانون، عبر ضمان الولوج إلى العدالة ومصداقية الدولة، رهين بالتدبير الفعال للشؤون العمومية في إطار شفاف، يضمن ولوج المواطنين للمعلومة، وتأتي أهم نقطة في تطبيق الجهوية الموسعة وتطبيقها في الأقاليم الجنوبية . كذلك تدخل ضمن مقاربة التنموية تعيين ممثلي السلطة المركزية من ولاة وعمال من أبناء هذه المنطقة، فهم يعرفون المنطقة بشكل جيد يعرفون خبايا التوازنات القبلية بها، ويعرفون كيف يحركون عجلة التنمية بها، خصوصاً في هذه اللحظة بالذات بعد تقرير، النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، خصوصا أن هذه الجهات عرفت في الآونة الأخيرة حركات احتجاجية عارمة، فبعد تفكيك مخيم اكديم ازيك ، فهؤلاء المسؤولون الجدد لهم تجربة كبيرة في تدبير الشأن العام وهم أبناء المنطقة على عكس الجهات الأخرى، التي تم تعيين فيها عمال لا ينتمون إلى نفس المنطقة بفعل الطابع القبلي لهذه المناطق ، وهذه المناطق التي تتميز بحضور القبيلة كأحد المكونات البنيوية للمجتمع الصحراوي. إن في زمن الانفتاح السياسي إن قد مرت قضية الصحراء الاستفتاء لتقرير المصير الى مقترح الحكم الذاتي.