قصف متواصل وإسرائيل تتحدث عن تقليص عمليتها بغزة تجاوبا مع خطة ترامب    النيابة العامة بالقنيطرة تودع 17 موقوفًا السجن على خلفية أحداث سيدي الطيبي                الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش ينفي وفاة مواطن في أحداث سيدي يوسف بنعلي    حماس توافق مبدئيًا على خطة ترامب لوقف الحرب في غزة وتبادل الأسرى        بيتيس يعلن إصابة سفيان أمرابط        المغرب يحقق الملاءمة المكتملة مع الصكوك والمعايير الدولية المعمول بها في مجال مكافحة جريمة الاتجار بالبشر        مجلس الأمن يٌبرمج ثلاث جلسات مغلقة هذا الشهر لمناقشة قضية الصحراء    المواطنة والحراك    باحث فرنسي متخصص في الشأن المغربي: احتجاجات "جيل زد" في المغرب تكشف أزمة ثقة عميقة بين الشارع والمؤسسات    أين اختفى هؤلاء "المؤثرون" في خضمّ الأحداث الشبابية المتسارعة بالمغرب؟    مسرح رياض السلطان يواصل برنامجه لشهر اكتوبر    رسالة اجتماعية وأرقام قياسية.. أغنية "الهيبة" تحقق صدى واسعًا    تجربة إبداعية فريدة تجمع بين الشعر والموسيقى    الفرقة الوطنية توقف شخصا ببني بوعياش متورطا مع شبكة رضوان التاغي في هولندا    الاتفاق الفلاحي الجديد... أوروبا تعترف عمليًا بالسيادة المغربية على الصحراء    انخفاض سعر صرف الدرهم مقابل الدولار والأورو    صحيفة إلكترونية أمام لجنة الأخلاقيات بسبب نشر محتوى محرض على العنف    صحيفة لوجورنال دو ديمانش الفرنسية: الجزائر على صفيح ساخن... شباب "جيل Z 213" يتحدّى نظام تبون    الاتحاد الإسلامي الوجدي يهدد انطلاقة شباب المحمدية والمغرب التطواني يبحث عن تصحيح الأوضاع    لماذا يتجاهل بعض التونسيين أزمتهم الداخلية ويركزون على المغرب؟    ترامب يعلن عن "يوم كبير" ويشيد بدور دول عربية في خطة إطلاق الرهائن    إلَى جِيل Z/ زِيدْ أُهْدِي هَذا القَصِيدْ !    جينك يعلن خضوع الواحدي لعملية جراحية في الكتف    المحامية سوجار تنتقد اعتقال شباب مغاربة على خلفية مظهرهم خلال الاحتجاجات    أكادير: أرباب مطاعم السمك يحتجون الاثنين تزامناً مع دورة مجلس الجماعة    رئيس "اليويفا": إستبعاد إسرائيل من مسابقات كرة القدم غير مطروح    البرلمان الهولندي يدعو إلى الإفراج الفوري عن ناصر الزفزافي وباقي السجناء السياسيين في المغرب    تعيين محمد فوزي واليا على مراكش وخالد الزروالي واليا على فاس    المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تدعو إلى إطلاق سراح النشطاء المحتجزين من طرف إسرائيل و تندد بخرق القانون الدولي    آلاف المغاربة يتظاهرون في عشرات المدن للتنديد بقرصنة أسطول الصمود العالمي    الحكم بالسجن أربع سنوات وشهرين على ديدي    الكاتب عبد اللطيف اللعبي يوجّه رسالة تضامن إلى شباب الاحتجاجات في المغرب    الأمين العام يأسف لوقوع أعمال عنف أثناء المظاهرات في المغرب        فيدرالية اليسار تجمع أحزابا ونقابات وجمعيات حقوقية لدعم حراك "جيل زد"                        تداولات بورصة البيضاء تتشح بالأخضر        فقدان حاسة الشم بعد التعافي من كورونا قد يستمر مدى الحياة (دراسة أمريكية)    علماء يجددون توصيتهم بالتقليل من اللحوم في النظام الغذائي    حمية الفواكه والخضراوات والمكسرات "قد تمنع" ملايين الوفيات عالميا    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    ارتفاع ضغط الدم يعرض عيون المصابين إلى الأذى    عندما يتحول القانون رقم 272 إلى سيفٍ مُسلَّط على رقاب المرضى المزمنين        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطبقة الوسطى في غالب البلاد العربية: هل فقرها قدر موروث؟

كان فخر الدولة الوطنية في البلاد العربية خلال عقود نشأتها الأولى أنّها شجعت على نموّ الطبقة الوسطى بفضل ما أتاحته لها من تعميم للتعليم ومن التدرج في سلّم الوظيفة والمساهمة في السياسيات الداخلية والخارجية. غير أنّ سياسات الخصخصة واقتصاد السوق من ناحية واستشراء الفساد وقلة الشفافية وتقريب الموالي ساهم في العصف بهذه الطبقة لذلك كان لها الدور البارز في التغييرات التي طرأت على بعض تلك البلاد في 2011، تغييرات كانت الطبقة الوسطى تنوي بها إعادة توزيع الثروة الوطنية توزيعا عادلا لكنّ ذلك كان حلما استفاقت على زيفه في السنوات الأربع التي تلت ما سمي 'بالربيع العربي' وباتت تدرك أنّ حال اليوم ليس بأحسن من حال الأمس وأنّ عصرها الذهبي الذي عاشته في السبعينات من القرن الماضي يصعب استعادة بريقه في ظل التحديات الراهنة. إنّ الطبقة الوسطى في غالب البلاد العربية لتشعر أنّها أقرب إلى التدحرج إلى الفقر منه إلى أن تحافظ على دورها البراق الذي كان لها لذلك تخوض في تلك البلاد معركتها الأخيرة ويبحث المواطنون فيها عن خلاص فردي فمنهم من يهاجر بذريعة الحرب ومنهم من يهاجر وسلاحه الخبرة ومنهم من يخوض حربه مع مشغله بواسطة النقابات المهنية ومنهم من وجد في التداين فرصة للبقاء أكثر بعيدا عن الفقر ولكنهم جميعا شاعرون أنّ استقرارهم الطبقي بات مهدّدا في ظلّ وضع يعصف بأيّ استقرار.
حين ميز علماء الاجتماع مثل الألماني ماكس فيبر بين الطبقات الاجتماعية ارتكزوا على مبادئ أهمّها عدم المساواة في حظوظ الحياة بين الأفراد والعائلات واعتبروا الطبقة مظهرا من مظاهر توزيع السلطة في المجتمع وبناء عليه تحدّدت الطبقة الوسطى تحديدا بالخُلْف: فهي تختلف عن الطبقة الموجودة في أعلى الهرم والمالكة للثروات ولوسائل الإنتاج وليست هي البورجوازية الصغيرة الصاعدة وهي ليست الطبقة العاملة التي عادة ما تكون في أسفل الهرم لذلك عرّفت الطبقة الوسطى بأنّها مجموعة الموظفين الذين يشتغلون في القطاع العام أو القطاع الخاص اعتمادا على شهادات علمية وأوراق رسمية. ومن الدارسين من يميز في الطبقة الوسطى بين ضربين فئة عليا تتألف من الإطارات العليا والخبرات الدقيقة والمهندسين والأساتذة الجامعيين وفئة دنيا تتألف من العمّال الرؤساء والممرضين والمعلمين وأساتذة التعليم الأوسط وغيرهم من الموظفين الصغار. بعض الدراسات الأخرى حاولت تحديد هذه الطبقة بسقف التأجير فمجموعة غولدمان ساكس وهي بنك إنمائي أميركي أظهر في دراسة له سنة 2008 أنّ من ينتمون إلى الطبقة الوسطى يتراوح أجرهم السنوي بين 4600 و23 ألف يورو. وإذا طبقنا هذا المستوى من التأجير على طبقتنا الوسطى في البلاد العربية وجدنا أغلبها عالقا في مستوى التأجير الأدنى بما يعني أنّها من أفقر الطبقات الوسطى في العالم وأنّ الفئة الدنيا من الطبقة الوسطى لا يمكن أن تصل في البلاد العربية غير النفطية المستوى الأقصى من التأجير المذكور فأقصى ما يمكن أن يصل إليه ذلك السقف بالنسبة إلى غالبية الفئة العليا التي تعتمد على أجرها الحكومي هو 12 أو 13 ألف يورو سنويا لا تغطي في الغالب تكاليف الحياة الباهظة لهذه الطبقة.
تاريخيّا تكوّنت الطبقة الوسطى في البلدان العربية غير النفطية من النزوح من الطبقة الفقيرة المدقعة بفضل مجانية التعليم وقد كان ذلك ضرورة -أكثر ممّا كان اختيارا - لتكوين كفاءات وطنية يعهد إليها ببناء متين لهياكل الدولة وبالفعل استطاعت الكفاءات أن تحظى بفرص كبرى للتوظيف في قطاعات الإدارة والصحة والتعليم وحتى في قطاعات حساسة كالوزارة والمراكز الإدارية العليا ومناطق النفوذ في الدولة. بهذا قدّمت النخب في الستينات والسبعينات خبرتها للدولة الوطنية في مقابل أجر سنوي محترم كفل لها العيش الكريم وجعلها تهاجر من طبقة دنيا باتجاه الطبقة الوسطى؛ ولن نتحدث ههنا عن أولئك الذين هاجروا هجرة غير شرعية من طبقة فقيرة مدقعة إلى الطبقة البورجوازية الصغرى أو حتى إلى الهرم الطبقي فذلك نموّ سابق لأوانه وغير طبيعي وإن كان مؤثرا. واليوم وحين تشعر الطبقة الوسطى أنّها في هجرة عكسية إلى طبقة أجدادها الأولى تشعر وكأنّ الفقر قدر ها المحتوم وأنّها سائرة إليه لا محالة لذلك تسعى بوسائل متعدّدة إلى تأخير العودة بأن تعيش بنفس النبض التي كانت تعيش به لكن بواسطة التداين من ناحية والضغط النقابي على المشغّل من ناحية أخرى غير أنّها لا تفكّر في الغالب في الاتجاه الصحيح وهو تطوير الأداء المهني فهذا أمر مغيّب من دائرة اهتمامها وعادة ما يُعرض في شكل اتهام للدولة بأنّ الأداء المهني الجيد يتطلب توفير الظروف الملائمة للعمل ومن بينها الزيادة في الأجور وهذا حقّ يراد به في الغالب أن تفي الدولة بما عليها ولا يفي الموظّف بما عليه من تفكير من المضاعفة في الطاقة التشغيلية. إنّ ما جعل الطبقة الوسطى تفرّط في موقعها هو تفكيرها في أنّه من الممكن أن تقفز إلى الطبقة الأعلى دون أن تكون لها الإمكانات الذاتية لذلك القفز ودون أن تجعل التنمية سببا من أسبابه فإذا بها وهي تقفز تقع في الدرك الطبقي الأسفل. في المسألة بعدٌ أخلاقي أيضا يمكن اختصاره في القول بأنّه لم توجد ملاءمة بين الرغبة في التقدم وتحسين الظروف المعيشة والوعي بما يتطلبه ذلك من انضباط لقيمة العمل والإيمان به حلاّ أمثلَ وزمانيا في نطاق المجموعة الوطنية. صحيح أنّ دولة الفساد التي كانت قد شجّعت على الإثراء السريع ورأى الناس من يقفزون بين عشية وضحاها بين الطبقات في اتجاه تصاعدي لكنّ الطريقين باتجاه الثروة كانا مفتوحين كليهما طريق العمل وطريق الفساد؛ ورغم أنّ الطريقين كانا يتقاطعان أحيانا فإنّ المواطن الذي كان يزعجه الوقوف في الطابور وانتظار دوره في الإدارات العامة كان يزعجه أيضا التدرّج بالوسائل الشرعية وهي الانضباط للعمل وروح التفاني فيه. حين يصبح الفساد طريقا يسيرة من الصعب أن ينافسه الشرف ومن الصعب على من اكتسب جناحين وهميّين ليطير بهما اجتماعيا أن يعود ليمشي على الأرض بساقين متعبتين في طريق طويل اسمه الكفاءة.
و لئن ساهمت الطبقة الوسطى في البلاد التي حدثت بها 'ثورات' في قلب أنظمة مستبدة فإنّها باتت تجازى اليوم جزاء سنّمار وهذا ما تؤكّده بعض الدراسات الأممية. فلقد أصدرت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا والمعروفة بالإسكوا والمنبثقة عن الأمم المتحدة دراسة حديثة (تعود إلى سنة 2014) عنوانها 'الطبقة الوسطى في البلدان العربية قياسها ودورها في التغيير' وضعت فيها تحت المجهر هذه الطبقة وبيّنت الدراسة أنّ هذه الطبقة التي عرفت استقرارا بين 2000 و2010 تعرف حاليّا في أغلب البلاد العربية غير النفطية تهديدا لوجودها وتقترح الدراسة أن يتمّ تشريك هذه الطبقة في صنع السياسيات وتقول الوثيقة إنّه "يبدو اليوم أن السبيل الوحيد لضمان استدامة التوجه إلى الأمام وإلى مستقبل مختلف لهذه المنطقة من العالم هو إشراك الطبقة الوسطى في رسم ملامح هذا المستقبل. ويعتبر هذا التقرير أن الطبقة الوسطى تملك المفاتيح الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية للتحولات التي طال انتظارها، وأنها الكفيلة بتحقيق السلم والازدهار الحقيقيين". وعرّف التقرير الطبقة الوسطى بمعيار اقتصادي وآخر اجتماعي، الاقتصادي قَصَره على القدرة الشرائية المتمثلة في تلبية 'كل الحاجة الأساسية' في مقابل قدرة الطبقة الميسورة على تلبية الحاجيات غير الأساسيّة والاجتماعي ردّه إلى فئة عاملة في القطاع الوظيفي العام أو الخاص بمستوى تعليمي أقله المستوى الثانوي. وهذان المقياسان غير دقيقين بحكم أنّ الحاجات الأساسية مختلفة من مجتمع إلى آخر ومن عصر إلى آخر وأنّ المستوى التعليمي أيضا لا يمكن أن يكون ثابتا في جميع المجتمعات؛ فربْط التوظيف في المهن الخاصة أو العامة بالمستوى الثانوي يكاد يكون نادرا في المجتمعات التي تعاني من بطالة حاملي الشهادات الجامعية. وعلى الرغم من قلة دقتهما فإنّ تطبيقهما على الطبقة الوسطى بات لا يغطيها ذلك أنّ الطبقة الوسطى صارت غير قادرة اليوم على توفير الحاجات الأساسية في كثير من الدول العربية نظرا إلى تقهقر المقدرة الشرائية لديها وبات الكثير من أفرادها غير قادرين على الاستجابة لمصاريف الإعاشة والنقل اليومي والدراسة.. لقد باتت الطبقات الوسطى مهدّدة في أغلب البلاد العربية بالتفقير، ويمكن أن يلحظ ذلك في المظاهر التي كانت هذه الطبقة تعتني بها ومن أهمّها اللباس.
تذكر الدراسة أنّه وبعد 'احتجاجات 2011' كان حجم الطبقة الوسطى حوالي 40 بالمائة في بلدان كسوريا واليمن ولكنها تقلصت لتصير 37 بالمائة في عام 2011 نفسه وبذلك ارتفعت نسبة الفقر والتضخم وباتت الطبقة الفقيرة تمثل أغلب من نصف السكان أي بمعدّل 53 بالمائة.
اختلقت بعض الدول حلولا وقتية لا يمكن أن تستمر فلقد فتحت باب الاقتراض حتى صار التداين أصلا وفتحت الأبواب مشرعة نحو هجرة الأدمغة إلى الدول التي تستطيع أن تدفع أكثر واختار آخرون الهجرة العلنية أو السرية وما يزال باب الإثراء غير الشرعي مفتوحا لم تستطع الدولة غلقه. غير أنّ الحلول هذه جميعا لا يمكن إلاّ أن تزيد الطين بلّة في غياب حلول أخرى أعمق وأنجع وهي دعم التنمية وجعل الطبقة الوسطى مركزها أوّلا والتحفيز المهني بحسب القدرة الإنمائية والابتكار المهني لدى هذه الطبقة ثانيا والبحث عن سياسة اجتماعية تعالج مشاكل الطبقة الوسطى المتأصلة ثالثا؛ وهذه الحلول الثلاثة لا تكون على حساب الطبقة العاملة أو طبقة الأعراف بل إنّ سياسية التفاعل الطبقي بين هذه القوى الاجتماعية الثلاث لا يمكن أن تدار إلا من أوسطها نعني الطبقة الوسطى. نقول ذلك بعد أن جربت المجتمعات إدارة التفاعل من أسفل الهرم ومن أعلاه؛ ولكنّ تجريب التفاعل بإدارته من الوسط قليل حظ في التجربة كثير حظّ في الإنماء: من الوسطى يمكن الحكم على الطبقة الدنيا فهي وسط متدحرج ويمكن الحكم على العليا فهي وسط متسلّق وتسعى الدولة بالقانون والعدل إلى أن تعدّل في سرعة الصّاعدين وتتحكم ما استطاعت في حركة النازلين بحيث لا يحدث علوّ مشطّ ولا سقوط مدوّ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.