انتفض عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، ضد مسيرة الدارالبيضاء التي أطلق عليها أصحابها "مسيرة الكرامة"، وهاجم نوبير الأموي وقيادات اليسار، ليس لأن بنكيران اكتشف أن المسيرة لها أهداف سياسية وليست مطلبية لأنه سبق أن تهكم على المسيرة واصفا منظميها بأنهم أخطأوا تاريخ فاتح ماي، وليس لأن المسيرة هاجمت فشل الحكومة ولكن لأن اليسار عموما سمح برفع شعارات "إسقاط النظام". يبدو أن بنكيران لم يعد له ما يفعله داخل المجلس الحكومي، الذي كان مفروضا فيه أن يناقش وفق منطوق الفصل 92 من الدستور، السياسة العامة للدولة قبل عرضها على المجلس الوزاري والسياسات العمومية والسياسات القطاعية ومراسيم القوانين ومشاريع المراسيم التنظيمية وغيرها من القضايا التي نص عليها الفصل المذكور، وما عدا ذلك يعتبر لغو الكلام و"من لغا فلا حكومة له". إن ما يمارسه بنكيران داخل مجلس الحكومة من لغو الكلام وسرد النكت الحامضة والحديث عن الأموي وربما العباسي والعثماني قد يخلق مشكلا دستوريا يقضي بعدم دستورية مجالس الحكومة، التي تنعقد بوقت محدد وبجدول أعمال واضح أما غير ذلك يمكن أن يتركه بنكيران لمكان آخر كأن يجمع وزراءه على قصعة كسكس يوم الجمعة أو يدعوهم إلى تناول كأس شاي ويشتم من شاء ويلعن من يشاء، أما مجلس الحكومة فهو مخصص للقضايا المذكورة. إن انتفاضة بنكيران ضد مسيرة الدارالبيضاء وتحميل منظميها مسؤولية رفع شعارات "إسقاط النظام" ليست انتفاضة صدق بدليل أن شعارات أخرى تم رفعها في مكان آخر وزمن آخر كان يحضره أولاد العدالة والتنمية ولم ينتفضوا. غير أننا نرى أن بنكيران أراد أن ينتقم لنفسه المجروحة فتعلق في الدفاع عن المؤسسة الملكية. من رفع الشعار المذكور لم يكونوا سوى مجموعة على هامش المسيرة، نقطة في بحر الاحتجاج الهادر، لكن المسيرة في عمومها هاجمت بنكيران، وعبر الجميع عن رفضه لسياسات الحكومة، ورسموا بنكيران في صور قبيحة، وكان إجماع الخارجين على إدانة الطريقة التي يتعامل بها بنكيران مع الشأن العام، ولم يكن الهجوم على بنكيران صادر عن مجموعة صغيرة بل كان تعبير الجماعة برمتها ويعرف بنكيران المهووس بالإجماع ما معنى أن تكون المسيرة كلها ضده. إذن القضية ليست دفاعا عن مؤسسة هي محط إجماع المغاربة حتى لو وجد من ينتقدها ولكن انتصارا لذات مجروحة، الذات الحزبية والوزارية التي مرغتها المسيرة في التراب. ولو كان بنكيران صادقا في قوله لانتفض يوم تم رفع شعارات ضد النظام وضد المؤسسات وضد الأشخاص، وهي مسيرات كان يشارك فيها قادة من حزب العدالة والتنمية، بل إن بعضهم كان يقف وراء طبع المنشورات واللافتات التي توزع وترفع في المسيرات، ومحاضر الاستماع لصاحب المطبعة تبين إلى أي حد تورط الحزب في طبع شعارات مناهضة للمؤسسات. وأين كان بنكيران يوم كان وزيره اليوم في الاتصال يكتب افتتاحيات تطالب بالمجلس التأسيسي الذي لا يعني سوى الانقلاب على التجربة المغربية في الحكم ويوم كان يبشر بالنموذج التونسي من خلال المقارنة بين الإثنين؟ أين كان بنكيران؟ أين كان رئيس الحكومة يوم كانت جرائد إلكترونية تحابيه هو وحزبه وتهاجم المؤسسات؟ إذا أراد بنكيران أن ينتصر لذاته المجروحة فعليه أن يسمع للمغاربة، كل المغاربة ويسمع لهمومهم ومطالبهم. ومن لغا فلا حكومة له.