موجة حر من الاثنين إلى الأربعاء بعدد من مناطق المملكة (نشرة إنذارية)    الملك يهنئ عاهل المملكة المتحدة بمناسبة عيد ميلاده    "صفعة للاستثمار وضربة لصورة المغرب".. نخرجو ليها ديريكت يكشف كواليس توقيف مشروع فندقي ضخم في قلب الدار البيضاء    التلميذ ايمن المالكي يتوج باعلى معدل باكالوريا باقليم الحسيمة        الحسنية توقع رسميا عقودها مع المدرب الرئيسي والمدير الرياضي للحسنية    مواجهات نارية تنتظر بايرن ميونيخ وباريس سان جيرمان في انطلاق كأس العالم للأندية    مواهب كروية تستحق اهتمام الأندية الكبرى: زياد الإدريسي الجناح الكروي الطائر    حركات استعراضية ومنافسة عالمية.. موتوكروس فري ستايل يعود إلى الرباط -فيديو-    الحكومة تصادق على مشروع مرسوم يهم تحسين وضعية مهندسي العدل    بورصة البيضاء تغلق الأسبوع بانخفاض    هبة بناني وعمر الحريري يتصدران نتائج البكالوريا بالمغرب بمعدل 19,61    الوكالة المغربية للدم ومشتقاته تطلق حملات وطنية للتبرع بالدم بمختلف جهات المملكة    الكوكايين يقود شخصا للإعتقال بطنجة    تكريم الفنانين أحمد حلمي ويونس ميكري في حفل افتتاح مهرجان الدار البيضاء للفيلم العربي        إسرائيل تضرب منصات صواريخ إيران    مونديال الأندية.. ميسي "متحمس" وماسكيرانو يشيد بقوة الأهلي    رينجرز يعلن رحيل المغربي عصام الشرعي من منصبه كمساعد مدرب    إيران تقرر إغلاق الأجواء حتى إشعار آخر    حصيلة وفيات تحطم طائرة هندية ترتفع إلى 270 شخصا    إيران تعلن مقتل 3 علماء نوويين و 2 قادة عسكريين جدد    "غوغل" تطلق ميزة جديدة لتحويل نتائج البحث إلى بودكاست بواسطة الذكاء الاصطناعي    اجتماع وزاري لتفعيل التوجيهات الملكية حول إعادة تكوين القطيع الوطني للماشية    إسناد تسيير ضريبة السكن وضريبة الخدمات الجماعية إلى المديرية العامة للضرائب    مطالب للحكومة باتخاذ إجراءات ملموسة تحفز اندماج القطاع غير المهيكل بالاقتصاد الرسمي    تكريم الفنانين أحمد حلمي ويونس ميكري في حفل افتتاح مهرجان الدار البيضاء للفيلم العربي    الطالبي العلمي يستقبل وفد المنتدى البرلماني الإفريقي لبحث قضايا الدفاع والخارجية    لامين يامال يفجر "ضجة كبيرة" بشأن صفقة نيكو ويليامز    ريال مدريد يضم اللاعب الأرجنتيني ماستانتوونو    أفتاتي: من الواجب التضامن مع الشعب الإيراني في مواجهة إجرام كيان صهيوني مارق    "العدل والإحسان": الاعتداء على إيران يؤكد نهج الكيان الصهيوني القائم على العنف والإجرام    أجواء حارة في توقعات طقس السبت    واشنطن.. عرض عسكري غير مسبوق احتفالا بالذكرى ال250 لتأسيس الجيش الأمريكي    بعد رد إيران... سعر النفط يرتفع إلى 74.23 دولار للبرميل    مهنيو و فعاليات الصيد البحري بالجديدة يعترضون على مقترحات كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري    حملة ميدانية واسعة لمحاربة احتلال الملك العمومي بسوق للازهرة بالجديدة    تراجع ملحوظ في كميات وقيمة الأسماك بميناء الناظور خلال الأشهر الأخيرة    البواري: لجان محلية تشرف على إيصال دعم القطيع الوطني للماشية إلى المربين    "بيجيدي" يُدين هجوم إسرائيل على إيران    اجتماع عمل لبحث إجراءات إعادة تكوين قطيع الماشية على مستوى جهة طنجة-تطوان-الحسيمة    " التحول " معرض فردي للفنانة حياة قادري حسني برواق باب الرواح بالرباط    نج وكي بلاك يجمعان صوتهما لأول مرة في عمل غنائي مشترك    السفير الصيني في المغرب، لي تشانغلين، يكتب: إلغاء الرسوم الجمركية سيتيح فرصًا أكبر لإفريقيا        السبحة.. هدية الحجاج التي تتجاوز قيمتها المادية إلى رمزية روحية خالدة    مهرجان حب الملوك بمدينة صفرو يتوج ملكة جمال حب الملوك    أسماء غنائية عربية تعتلي خشبة موازين في دورته العشرين    ما أحوجنا إلى أسمائنا الحقيقية، لا إلى الألقاب!    مُحَمَّدُ الشُّوبِي... ظِلُّكَ الْبَاقِي فِينَا    شهادات مرضى وأسرهم..    مشاكل الكبد .. أعراض حاضرة وعلاجات ممكنة    قانون ومخطط وطني لمواجهة ظاهرة الحيوانات الضالة بالمغرب    تفشي الكلاب الضالة في الناظور: مخطط وطني لمواجهة الخطر الصحي المتزايد    إمارة المؤمنين لا يمكن تفويضها أبدا: إعفاء واليي مراكش وفاس بسبب خروقات دستورية    متحور ‬كورونا ‬الجديد ‬"NB.1.8.‬شديد ‬العدوى ‬والصحة ‬العالمية ‬تحذر    السعودية تحظر العمل تحت الشمس لمدة 3 أشهر    السعودية تحظر العمل تحت أشعة الشمس لمدة ثلاثة أشهر في جميع منشآت القطاع الخاص    









من هم أعداء الدّيمقراطيّة ؟


تقديم :
يقول كانط في جملة مثيرة: “إنّ الديمقراطيّة لا تصلح إلاّ لشعب من الملائكة “: هل ننتظر إذن أن تصير الشّعوب ملائكة أم نغامر بالنّضال من أجل الديمقراطيّة حتّى في شعوب من الشّياطين؟
دولوز الفيلسوف الفرنسي يحدّثنا عن ضرب من الديمقراطيّة التي تخترع ضمن صيرورة ثوريّة شعبا في حجم الحريّة. وجاك رنسيار، المفكّر الفرنسي المعاصر، يكتب كتابا تحت عنوان “كراهيّة الديمقراطيّة” ليدافع عن ديمقراطيّة المشترك واقتسام المحسوس والمساواة بين الجميع. لا يكره الديمقراطيّة إلاّ من يكره الاشتراك في العيش مع كلّ النّاس الذين يتساوون معه في الانتماء إلى الإنسانيّة.
فإذا كان بعضنا يعتقد أنّنا شعوب لم تنضج بعدُ فهل نخترع شعبا مغايرا قادرا على التّرحال في مغامرة الديمقراطيّة؟ أم هل علينا أن نناضل طويلا من أجل أن تُحبّ شعوبنا المثقلة بالحنين إلى الرّعاع والخليفة، قيم الحريّة والمساواة والعدالة الاجتماعيّة؟
إنّ المسألة السياسيّة الحارقة في هذا السياق التّاريخي الدّقيق بعد “الثّورات العربيّة”، وتحديدا بعد صعود الإسلام السّياسي على عرش الحكومات في مصر وفي تونس نموذجا، هي مسألة الديمقراطيّة... وهي مسألة صارت إلى موضع تفكير ومساءلة داخل الفكر الحديث والمعاصر منذ ماركس، بل لقد أصبحنا نخشى من “كراهيّة الديمقراطيّة” وبالتّالي صرنا نخاف على القيم التي تحملها من قبيل المساواة والحريّة والمواطنة الكونيّة. في هذا السّياق ينخرط السّؤال الذي يدعونا إلى باحته تودوروف هو التّالي : هل يمكن للديمقراطيّة أن تكون خطرا على نفسها ؟ من هم أعداء الديمقراطيّة الأكثر حميميّة والأكثر خطرا والأعسر على الفهم معا؟
يعالج تودروف هذه المسألة بشكل طريف : نعم، ثمّة أعداء حميميون للديمقراطيّة أخطر من الأعداء الخارجين عن جوهرها ومبادئها... لقد درج القرن العشرون على اعتبار كل الإيديولوجيات المتطرّفة من قبيل الفاشيّة والنازيّة والكليانيّة والأصوليّة أعداء للديمقراطيّة لأنّها إيديولوجيات مضادّة للحريّة الفرديّة ولفكرة التقدّم ولسلطة الشّعب... وهي المبادئ الثلاثة التي تقوم عليها الديمقراطيّة نفسها. الجديد في معالجة تودروف هو التّالي : أنّ هذه المبادئ الثلاثة بوسعها أن تصير كيانات حميميّة للديمقراطيّة وخطرا حقيقيّا يهدّد إمكانيّة تحقيقها معا.
في كتابه المعنون “الأعداء الحميميّون للديمقراطيّة” (باريس 2012) يشخّص الكاتب والمفكّر البلغاري الأصل تزيفتان تودوروف، الأزمة الحادّة التي تخترق الديمقراطيات الغربيّة بوصفها أزمة لا يمكن معالجتها عن طريق الأنظمة الليبيراليّة المشطّة حيث يقع نزع الطابع الإنساني عن المجتمعات تحت راية تغوّل رأس المال والثراء الفاحش لأصحاب المشاريع الكبرى. ثمّة نقد عميق لأشكال اللاعدالة الاجتماعيّة ولاختلال التّوازن بين الشّعوب وبين الفئات والطبقات ممّا يسبّب كمَّا هائلا من الأمراض والمشاكل الاجتماعيّة والسياسيّة.
يحتوي هذا الكتاب على تأمّل مبتكر في المسألة الديمقراطية. فقد ظلّ الحديث عن الديمقراطية لمدّة قرن كامل من الزّمن ضربا من الدّفاع عنها ضدّ أعدائها الخارجين، بل لقد ظلّت الديمقراطيّة هي الطّفلة المدلّلة للحداثة السياسيّة. وهنا وجه الابتكار في معالجة تودروف : إنّ الأمر يتعلّق بتوجيه النّظر إلى الدّاخل... نظرة ميكروسكوبيّة إلى الفيروسات المصاحبة للديمقراطيّة نفسها. لقد بحث تودروف عن أعداء الديمقراطيّة داخلها وليس خارجها. والنّتيجة هي : أنّ الديمقراطيّة تحمل أعداءها داخلها أو بالأحرى إنّها تحمل أعداءها في نفسها بشكل حميمي... هي مفارقة عجيبة : كيف يكون العدوّ هو الحميم أي الصّديق المرافق دوما والذي لا غنى عنه... مفارقة عجيبة تذكّرنا بمفارقة مفهوم الصّداقة والصّديق في جملة مشهورة من اتيقا نيقوماخيا لأرسطو :
” آه يا أصدقائي، ليس ثمّة أصدقاء”...
وحينما نقول “عدوّا حميما” فإنّ “حميميّا” تعني ههنا تحديدا : أنّه لا يمكن تفاديه لأنّ ذلك التّفادي سيُدمّر الدّيمقراطيّة نفسها... وذاك هو لبّ الإشكال : كيف نحرّر الدّيمقراطيّة ممّا هو حميمي فيها من دون أن نسيء إليه لأنّه هو أساسها العميق؟
هل يتعلّق الأمر إذن بتربية الدّيمقراطيّة من الدّاخل؟ هل أنّ الديمقراطيّة في حاجة إلى من يساعدها اليوم على تمثّل نفسها بشكل مناسب؟ هل أنّ الوعي الديمقراطي اليوم مريض بعناصر القوة التقليديّة التي قام عليها (أي مبادئ التقدّم والحريّة وسلطة الشّعب)؟
قد يظنّ المتعجّل أنّ هذا الكتاب هو ضدّ الديمقراطيّة إذن لأنّه يعطي الكلمة لأعدائها والحال أنّه يقدّم طريقة مبتكرة وجديدة للدّفاع عنها.
علينا أن نذكّر هنا أنّ تودروف ليس فرنسيّا بالمعنى الأوّل : إنّه بعبارة مثيرة “مفكّر مهاجر” كما نقول: “عامل مهاجر”، وربّما هذا الوضع هو الذي ساعده على أن يرى أعداء الديمقراطيّة ولكن من الدّاخل، لذلك هو أكثر حساسيّة من الفرنسي العادي للانتباه لما يهدّد الديمقراطيّة، هو الذي أتى من مجتمعات لم تعرف الديمقراطيّة، لأنّها لم تعرف التقدّم ولا الحريّة الفرديّة ولا السّلطة للشّعب.
هذا الكتاب هو إذن شهادة حيّة ورسم طريف للجغرافيا السياسيّة لقرنين من الزّمن بروح نقديّة لا ترحم أيّة عقيدة ولا تدافع عن أيّة أيديولوجيا، ميكروسكوب نقدي “إنسانوي” يسعى إلى الظّفر بما يمكن إنقاذه من الإنساني بعد كل كوارث القرن العشرين أي في عصر موت الإنسان وأزمة القيم الإنسانية التي بشّرت بها الحداثة منذ روسو وكانط. وقد استوجب البحث عن الأعداء الحميميين للديمقراطيّة إذن فضح كلّ أشكال الإيديولوجيا والسّياسات الحديثة التي أفرزت الاستعمالات المشطّة لمبادئ الديمقراطيّة بما حوّلها الى مبادئ تهدّد الديمقراطيّة نفسها.
وذلك يعني أنّ ثمّة ثلاثة أعداء للديمقراطيّة :
1) أيديولوجيا التقدّم التّنويريّة، التي تحوّلت منذ الثّورة الفرنسيّة إلى ايديولوجيا لاستعمار الشّعوب تحت راية نشر الحضارة ودفع المستعمرات إلى التقدّم باتّجاه النّموذج الحداثي.
2) فكرة الحريّة الفرديّة، التي تقوم عليها الديمقراطيّة الليبيراليّة أدّت بتعويلها المفرط على الفردانيّة إلى تحويل الشّعوب إلى مسرح لعلاقات السّوق تتحكّم به المشاريع الاقتصاديّة الكبرى ومبدأ الثّراء والرّبح وهبوط الدولار الأمريكي وصعوده.
3) “الشعبويّة”، أي التّعويل على سلطة الشّعب ممّا أفرز ظهور فكرة العامّة بشكل سيّء وحيث يصبح خداع الشّعب والتّلاعب بإرادته جزءا من اللّعبة الديمقراطيّة على نحو لا يمكن تفاديه.
هذا الكتاب يهدف في جوهره إلى الكشف عن خطورة الإيديولوجيات وخطورة المشاريع الاستعماريّة القديمة والجديدة، لأنّها مشاريع تمّت أيضا تحت راية مبادئ الديمقراطيّة بأيّ ثمن حتّى لو اقتضى الأمر استعمال القوّة الحربيّة مثلما وقع في الحرب الأمريكية ضدّ العراق أو أفغانستان أو ليبيا. فلا شيء يبرّر التدخّل في مصير شعب ما حتّى لو تعلّق الأمر بتعليمه الديمقراطيّة. إذ لا شيء يبرّر إسقاط الأبرياء حتّى لو كان الأمر يتعلّق بأهداف نبيلة من قبيل الحقّ والخير والسّعادة. لذلك يبدو هذا الكتاب مكتوبا من بدايته إلى نهايته باسم الضحايا في كلّ مكان من العالم... ضحايا كوارث القرنين السّابقين: الفاشيّة والنازيّة والستالينيّة والأصوليّة الإسلامية. إنّ ما يعطّل الديمقراطيّة هو كلّ السّياسات الفاشلة من قبيل السّياسات الأمريكيّة في أفغانستان والعراق وليبيا. وهي سياسات قائمة على نزعة ليبيراليّة مشطّة حوّلت العالم إلى سوق كبيرة لبيع الأسلحة وتجريبها على الشّعوب في نوع من العبث الفظيع بالبشر.
ويذكّرنا تودروف بالمفهوم المعتدل للديمقراطيّة بوصفها تقوم على ما يلي :
1) إنّ الديمقراطيّة تقوم على سلطة الشّعب بشرط أن يكون هذا الشّعب سيّد نفسه، أي لا مجال لأيّة وصاية عليه دينيّة أو عرقية أو ايديولوجية. وحينما نقول شعبا فنحن لا نقصد بذلك أيّ “جوهر طبيعي” أو ماهية ثابتة أو انتماء عرقي أو ديني... وعليه تضمّ مقولة الشّعب كلّ شخص وُلد على تلك الأرض ووقع قبوله من طرف ذاك الشّعب للعيش معهم.
2) إنّ الديمقراطيّة هي في جوهرها إرادة الشّعب لذلك لا ينبغي على نوّاب ذاك الشّعب التّلاعب بهذه الإرادة عبر انفعالات عرضيّة أو أمزجة شخصيّة أو مصالح ذاتيّة.
3) إنّ مفهوم الديمقراطيّة يقوم في جوهره على مبدإ التعدّديّة والقبول بالاختلاف والمساواة بين كلّ المواطنين.
4) تتضمّن الديمقراطيّة ضرورة السّعي نحو التقدّم دون أن يتحوّل التقدّم إلى ايديولوجيا استعماريّة.
5) ترفض الديمقراطيّة كلّ موقف قدري يؤمن بأنّ ثمّة قدرا محتّما لا مردّ له بالنّسبة إلى شعب ما وتفرض على إرادة ذلك الشّعب الخنوع والاستسلام.
6) لا يمكن لأيّ ديمقراطيّة أن تحلم بالجنّة على الأرض... لقد انتهى عصر اليوطوبيات ودخلنا في عصر النّضالات الفعليّة من أجل عالم أكثر عدالة ومساواة واحترام لحقوق البشر ولكرامتهم.
7) إنّ الديمقراطيّة تحتّم علينا أن نستمدّ تشريعاتنا وفق مبادئ العقل والعدالة. فكلّ قوانين عادلة بوسعها أن تجعل شعبا ما شعبا سعيدا.
8) إنّ العدوّ الأساسي للديمقراطيّة هو التطرّف والأيديولوجيات المشطّة.
خاتمة :
أين نحن من هذا التّشخيص لأعداء الديمقراطيّة ؟ هل لنا نفس الأعداء؟ أم أنّ أعداء الديمقراطيّة لدينا أكثر حميميّة من أعدائهم؟ يبدو أنّ ثقل الماضي على عقولنا وسياساتنا هو الذي يعطّل إمكانيّة الديمقراطيّة في ديارنا. علينا أن نعلم جيّدا أنّ علاقة شعب ما بماضيه لا ينبغي أن تكون عائقا أمام انتمائه التّاريخي إلى الإنسانية الكونيّة. فكلّ الشّعوب تملك ماضيا لكنّه لا يعطّلها عن أن تكون في حجم الزّمان الذي تنتمي إليه. نحن نولد دوما في التّاريخ لكنّ التّاريخ لا يسجننا بل يدفعنا إلى المضيّ نحو تاريخ أفضل.
يبدو أنّ لكل شعب أعداءه الحميميّين للديمقراطيّة الخاصّة به... لذلك فإنّ أعداء الديمقراطيات الليبيراليّة الغربيّة ليسوا من نفس فصيلة أعداء ديمقراطياتنا العربيّة التي هي بصدد الوقوع حاليا إثر الثورات العربيّة... لنا أعداؤنا الخاصّون جدّا لديمقراطياتنا المأمولة... فلا نحن متقدّمون كفاية كي نخاف من شطط أيديولوجيا التقدّم التّنويري... ولا نحن نتمتّع بشطط مبالغ فيه في الحرّيات الفرديّة... كي نخاف من تغوّل الفرد... ولا نحن شعوب بالمعنى المخيف كي تهدّدنا النّزعة “الشّعبويّة”...
والسّؤال الخطير هنا والذي بدأنا نسمعه همسا أحيانا وجهرا أحيانا أخرى هو التّالي :
هل آن الأوان بالنّسبة إلينا للدّخول في مغامرة الديمقراطيّة؟ أم لم ننضج بعدُ لذلك؟ أم ليس ثمّة وقت محدّد للأحداث التاريخيّة الكبرى في حياة الشّعوب؟ وفي ظلّ تصوّر رعوي للحكم في الإسلام السّياسي أي معنى للديمقراطيّة؟
لست أدري إن كان تودروف قادرا على مساعدتنا على الخوض في هذه الأسئلة التي تخصّنا لكن يبدو أنّه طالما واصلنا الحديث عن أنفسنا في لغة “الأمّة” المنغلقة على ثوابتها، فإنّنا سنبقى طويلا مرضى بأصولنا نعيد حماقاتنا وأمراضنا في شكل مهازل تاريخية... ومن الواجب أن نتدرّب على الانتماء إلى المواطنة الكونيّة في العالم لأنّ العالم يتّسع للجميع... ليس ثمّة مستقبل في انتظارنا بل ثمّة الكثير من العمل والنّضال اليومي العسير من أجل حاضر أجمل...
* كاتبة تونسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.