تمسكوا بالمقابض وبالقضبان مثلما كان جيلنا يقرأ في حافلاتنا القديمة والمهترئة، فالحصارات قوية ونحن لسنا مسؤولين عن أي ارتجاج يصيبكم. اليوم نرحل بكم إلى العوالم الأخرى، ونتحدث عن بعض الأهوال لا الخاصة بعذاب القبر، ولكن الخاصة بعذاب الدنيا الذي نحياه ونحن نسمع لبعض الترهات. أخونا في الله يوسف القرضاوي متأكد أن الملائكة – رضوان الله عليها – ستتدخل بشكل شخصي وستحرر محمد مرسي من سجنه. يوسف وتهمته المشتهر بها علانية بين الناس هي رئاسته لما يسمى باتحاد علماء المسلمين قال بالحرف إن الملائكة ستتدخل بشكل أو بآخر – هو في الحقيقة لم يحدده – من أجل أن تفك أسر رئيس مصر السابق محمد مرسي وبقية قيادات الإخوان، ولكي تنتقم من عبد الفتاح السيس ومن معه من قيادات مصر العسكرية اليوم. يوسف وتهمته الأخرى التي اشتهر بها بين الناس أيضاً هي كثرة الزواج والطلاق من اللواتي يصغرنه سنا بكثير، يبدو هاته الأيام منشغلا أكثر من اللازم بالملائكة. فقبل أن يكلف هاته المخلوقات النورانية بتحرير مرسي قال إنها تساند رجب طيب أردوغان، أي أنها في بلاد الخلافة العثمانية سابقا، وقال أيضاً إنها تساند بكل قواها مقاتلي حماس في أرض غزة، وبهذا المعنى فهي موزعة في ثلاثة مواقع حددها لنا الشيخ جازاه الله خيرا في انتظار التعرف على مواقعها الأخرى، وهذه المسألة ليست مستحيلة أو صعبة بل هي تدخل في إطارمانؤمن به من أن الملائكة تحرسنا جميعا بشكل أو بآخر حتى اخترع الفرنسيون عبارة "الملاك الحارس" وأطلقوها على من تيسره الظروف لك لمساعدتك كل مرة. المؤسف الوحيد في العملية كلها هو أن الخلاف بين مرسي وبين السيسي خلاف سياسي، والملائكة التي لم تتدخل في بدايات الإسلام الأولى لكي تنصر أيا من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم ورضوان الله عليهم جميعا،في خلافاتهم السياسية حول الحكم والسلطة حتى سالت الدماء وقتل عمر وعلي وعثمان وعدد كبير من الصحابة الأجلاء، لن تفكر اليوم في مناصرة مرسي وهو في غير مقام الصحابة طبعا (اللهم إلا إذا كان لدى يوسف اعتراض على هذا الأمر) لكي تعيده إلى سدة رئاسة المحروسة. "صعبة برضه" مثلما يقول المصريون اللطفاء، وبعيدة بعض الشيء حد الدفع إلى التشكيك في سلامة عقل قائل الكلام، وهو رجل سبق له ووعد المعتصمين في ميدان رابعة أن الملائكة ستتنزل عليهم ليلة القدر في رمضان قبل الفائت وهي تحمل بين أجنحتها نفس المرسي، وأنها ستزفه إلى قصر الاتحادية منصورا بإذن الله تعالى. طبعا الكل يعرف نهاية القصة. لم تتنزل الملائكة على معتصمي رابعة ليلة القدر، بل تنزلت عليهم هراوات وخراطيم مياه الأمن المصري بعد انتهاء رمضان، قبل أن تقرر القيادة العسكرية المصرية إخلاء الميدان بالقوة وهو ماخلف عددا مؤسفا من الضحايا لم يتجرأ أحد على القرضاوي لكي يقول له إن ذنبهم في رقبته إلى يوم الدين، هو الذي كان يكتفي بإلقاء خطبه "المنخوليا" من الدوحة ويعود لنكاح الصغيرات الذي يقاوم به على ما يبدو وصوله إلى أرذل العمر. هاته الحكاية السخيفة ليست وليدة اليوم. قبلها مرارا وتكرارا استغفل بعض الحواة الشعور الديني الطبيعي لدى عدد كبير منا وباعوهم أوهاما غبية من هذا النوع من أجل مصلحة سياسية صغيرة وعابرة لا تستحق أن تضيع لأجلها روح إنسان واحد. فعلوها أيام أكذوبة الجهاد الأفغاني ووزعوا كتابا يروي كيف كانت الدبابة تمر فرق جسد "المجاهد" منهم وتقطعه إربا إربا ثم يقوم سالما غانما، وكيف كان الصاروخ يدخل من صدر "المجاهد" ويخرج من ظهره ولايموت هذا الأخير، وكيف كانت الملائكة – هذه المخلوقات النورانية الرائعة مرة اخرى – تنزل أمام طائرات الدب الروسي وتسقطها الواحدة بعد الأخرى، إلى آخر أشياء لاداعي لوصفها لئلا يغضب منا أحد. لن نقول شيئا قط. سنكتفي بعبارة واحدة: الملائكة مخلوقات نورانية ذكية، من المستحيل أن تتنزل على من يعاني من الغباء. هذا كل ما في الأمر، ودامت لكم على كل حال الأفراح والمسرات… أفراح القدرة على الاستماع لهذا الكلام دون بكاء، ومسرات الاقتناع أن يوسف لازال يقول كلاما يستحق بعض الانتباه ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق دخلنا العشر الأواخر من نهاية شهر غشت، وهو مايؤشر إلى اقتراب دورة الحياة الطبيعية من العودة إلى مساراتها: التلاميذ الطلبة إلى مؤسساتهم، الأساتذة أيضاً إلى مقرات عملهم، الموظفون إلى مايفعلونه في سائر الأيام، السياسيون إلى…مالانعرفه بالتحديد. سنفترض أنهم استغلوا عطلتهم السياسية من أجل ابتداع طرق جديدة لمخاطبة الناس، وسنتوقع أن تفاجئنا تصرفاتهم بعد الدخول واختراعاتهم وإبداعاتهم السياسية سنتوقع وسنفترض، وإن كنا شبه مقتنعين بالعكس، لكننا نؤجل قول أي شيء إلى مابعد..